الجمعة 20 حزيران (يونيو) 2014

أمعاء خاوية.. وقبضات مقاومة

الجمعة 20 حزيران (يونيو) 2014 par عبد الرحمن ناصر

من أطرف التعليقات التي يمكن أن نسمعها في هذه الأيام، أن حكومة نتنياهو “قامت بخطف المستوطنين الثلاثة، للتشويش على المصالحة بين فتح وحماس”، أما أكثرها مدعاة للمرارة، فتلك الخاصة بالقلق الشديد الذي يعبر عنه بعض رجالات السلطة، على مصير المستوطنين، وتجديد الاستعداد الكبير لمزيد من التنسيق الأمني مع أجهزة أمن الاحتلال.

الأولى تحاول إضفاء قيمة على ما لا قيمة جدية له، والثانية تظهر المستوى المريع من الانهيار الذي وصل إليه بعض رجالات السلطة، وإلى حد أن هؤلاء المولعين بالتنسيق الأمني (العمالة المباشرة للاحتلال)، لم يجدوا وقتاً كافياً للتذكير، بأن عملية أسر المستوطنين الجنود، جاءت بسبب ما يتعرض له الأسرى في سجون العدو، وبسبب عدم الإفراج حتى عن الدفعة المتفق عليها، بناء على صفقة استئناف المفاوضات.

لنترك عباقرة الخوف على المصالحة، والخشية من أن تكون “مؤامرة خطف المستوطنين” موجهة ضد المصالحة، وشأنهم، ولندع جماعة التنسيق الأمني، ملطخين بعارهم الذي سيبقى جريمة مسجلة باسمهم على مدى الأيام.

- أمعاء خاوية.. وقبضات مقاومة

بداية ينبغي التأكيد على أن ما حدث (إن ثبت قيام رجال المقاومة به) ليس عملية خطف، بل عملية أسر، وهي استهدفت جنوداً، وليس مستوطنين، أقله بين هؤلاء المستوطنين جنود، بحسب وسائل إعلام العدو، فتعبير الخطف يذهب باتجاه العمل الجنائي، أما ما حدث فهو فعل مقاوم، والتركيز على أن المأسورين الثلاثة هم من المستوطنين محاولة للقول: إن المقاومة تستهدف “مدنيين”.

المستوطنون في الضفة الفلسطينية ليسوا مدنيين، هم مجموعات من العصابات الإرهابية المتوحشة والمتطرفة، وأكثر هذه العصابات تطرفاً ووحشية، هي تلك المتمركزة في مدينة الخليل وحولها، (من بين هؤلاء باروخ غولدشتاين منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي)، وعدا هذه السمة العامة للمستوطنين، فإن من هم في الأسر اليوم، من الجنود العاملين في جيش الاحتلال، وإن لم يكونوا كذلك، فإن المستوطنين في الأرض المحتلة، حسب القانون الدولي، هم جزء مكون أساسي من قوة الاحتلال. وهؤلاء هم من يعتدون على أهلنا بشكل يومي، ويقطعون الطرق، ويحرقون المحاصيل، ويقتلعون الأشجار، والحق في مقاومة الغزاة هو حق مشروع، ولا يحتمل أي نوع من النقاش.

وقد جاءت العملية، بعد أكثر من خمسين يوماً من إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال عن الطعام، وانضمام قطاعات أخرى من الأسرى للإضراب، رفضاً للاعتقال الإداري، وهو نوع من الاعتقال الذي يتيح للصهاينة توقيف أي شخص واعتقاله دون اتهام أو محاكمة.

مضت أيام الإضراب مترافقة مع فعاليات شعبية مواكبة، في الأثناء طارت وزارة شؤون الأسرى من حكومة التوافق، وأكدت الأنباء الواردة من السجون، تدهور صحة عدد من الأسرى المضربين، ونقل الكثيرين منهم إلى المستشفيات.

لم يحرك أحد ساكناً، وبدا أن الأسرى متروكون لمواجهة الموت البطيء، فلا مؤسسات دولية تحركت ولا ضغط جدياً، مورس ضد حكومة القتلة الصهاينة، وهي ذات الحكومة التي رفضت الإفراج عن دفعة من الأسرى القدامى، بموجب اتفاق استئناف المفاوضات.

يعرف الفلسطينيون عموماً، وقوى مقاومتهم على نحو خاص، وبحكم التجربة الطويلة مع الاحتلال الصهيوني، أن تحرير الأسرى من السجون له طريق واحد فقط: التبادل مع أسرى صهاينة، في كل المرات التي تحقق فيها وعد الحرية للأسرى الأبطال، كان هناك صهاينة في أيدي رجال المقاومة وتمت عمليات تبادل، وفي واحدة من هذه العمليات (عملية الجليل) عام 1985 جرى تحرير المئات من الأسرى الفلسطينيين الأبطال، وآخر هذه العمليات كانت صفقة تبادل شاليط (عملية وفاء الأحرار) تم تحرير مئات من الأسرى الأبطال أيضاً.

ويعرف كل متابع للشأن الفلسطيني، مدى الأثر الكبير للحركة الوطنية الأسيرة على مسار الأحداث في فلسطين، فالأسرى في حال اشتباك دائم مع الاحتلال، ولأكثر من مرة نجح هؤلاء الأبطال، ومن زنازينهم في تحريك الشارع الفلسطيني، وإطلاق انتفاضات شعبية.

من جانب آخر، يعاني الأسرى من ظروف اعتقال قاسية، الاحتلال يطبق سياسة العزل على المئات منهم في زنازين منفردة، ولفترات طويلة، ويحرم المئات من تلقي العلاج المناسب، ويمنع الزيارات عن المئات أيضاً، يعتقل أطفالاً ونساء، ومضى على العشرات أكثر من خمسة وعشرين عاماً في الأسر.

لكل ذلك، فإن التحرك لأسر صهاينة من أجل مبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين في السجون، هو حق للأسرى الذين اعتقلوا بسبب مقاومتهم للاحتلال، وهو واجب على القوى والفصائل الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال، بأن تنتصر للأسرى في السجون.

مرة أخرى، فإن الأسرى يعيدون تصويب البوصلة الفلسطينية، فإن نجحت عملية أسر الصهاينة على يد رجال المقاومة، سينتج عن هذا ليس تحرير المئات من أسرانا الأبطال وحسب، بل سيعاد الاعتبار لفلسطين وقضيتها ومقاومتها.

- في الوقائع

تسيطر حالة من الغموض الشديد على عملية أسر الصهاينة الثلاثة، وتطلق سلطات الاحتلال بالونات اختبار في شتى الاتجاهات، علها تنجح في اقتناص معلومة حول ما حدث.. ما هو مؤكد حتى الآن أن عملية أسر قد وقعت، وأن حكومة الاحتلال تحمل السلطة المسؤولية عنها، كما جرت العادة، فقد قال رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو: “نعتبر أبو مازن والسلطة الفلسطينية مسؤولين عن كل الهجمات التي تشن على إسرائيل من يهودا والسامره (الضفة الغربية) وقطاع غزة”، واستغل نتنياهو اختفاء المستوطنين للتحريض على اتفاق المصالحة وحكومة الوفاق الوطني قائلاً إن “التحالف الذي عقد بين أبو مازن وحماس يفتح الباب لسلب حماس السلطة الفلسطينية السيطرة على يهودا والسامره”، ولعل هذا ما جعل البعض يتحدث عن مؤامرة على حكومة الوفاق والمصالحة بين فتح وحماس.

قوات الاحتلال فرضت طوقاً مشدداً على مدينة الخليل، وتشن عمليات دهم واعتقال، كما حاصرت بيت لحم، وأعلنت فرض الطوق الشامل على كافة أنحاء الضفة الغربية، واستهدفت قيادات وكوادر في حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، لتطاول الاعتقالات أعضاء في المجلس التشريعي، ووزراء سابقين، فضلاً عن أسرى محررين من سجون الاحتلال.

الصهاينة أطلقوا ما سموه عملية “إعادة الأخوة”، وتتحدث بعض المصادر عن عملية السور الواقي رقم 2، والتي ستكون شبيهة بتلك التي شنها الصهاينة على الضفة عام 2002، كما تشير المصادر إلى حشود ضخمة قبالة قطاع غزة، وتتوقع أن يشن الصهاينة عدواناً على القطاع، وسط الإشارات إلى احتمال أن يكون الآسرون قد نقلوا الصهاينة الثلاثة إلى مكان ما في غزة، وشنت طائرات الاحتلال عدداً من الغارات على أماكن متفرقة في القطاع، وردت المقاومة باستهداف مواقع الاحتلال بالصواريخ.

مصدر عسكري صهيوني ادعى بوجود تقدم في التحقيقات المكثفة الجارية في القضية، إلا أنه رجح استمرار أعمال البحث وقتاً طويلاً حتى تفضي إلى نتائج، وذلك وفق ما نقلته وسائل إعلام العدو، ومن الواضح أن الصهاينة يركزون كثيراً على أهمية التنسيق الأمني في إحراز نتائج فعلية على الأرض.

صحيفة “يديعوت أحرنوت” نقلت عمن وصفته “بمصدر عسكري إسرائيلي رفيع” قوله: “إن التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية وثيق وجوهري وهام” وقال المصدر العسكري “يوجد تنسيق أمني على كل المستويات ورجال الأمن والسلطة الفلسطينية يدركون تماماً بأن الحديث لا يدور عن مجرد عملية أخرى تقع في الضفة، وأضاف”أن قضية المفقودين لن تنتهي خلال ساعات، ويمكن أن نواجه عملية معقدة ومركبة لن تقف عند حدود الساعات المعدودة، رغم كافة الإجراءات والعمليات التي نقوم بها".

وتبدي أطراف في السلطة حرصاً شديداً، على الظهور بمظهر الحريص على حياة المستوطنين الجنود الصهاينة، أكثر من الحرص على مصير الأسرى في سجون الاحتلال، فقد أصدر عضو اللجنة المركزية لحركة فتح و“مسؤول لجنة التواصل مع الإسرائيليين” محمد المدني، بياناً، طالب فيه الجانب “الإسرائيلي” بـ“وقف إطلاق الاتهامات جُزافاً فيما يخص اختفاء ثلاثة مستوطنين قرب الخليل، خصوصاً أن الحادث حدث في منطقة واقعة تحت السيطرة الإسرائيلية التامة”.

وقال المدني إن “السلطة الفلسطينية تعرب عن (عميق أملها) بعودة المستوطنين الثلاثة الذين فقدت آثارهم جنوب الضفة إلى أسرهم بسلام”، وشدد على أن “الأجهزة الأمنية بالضفة لن تدخر أي جهد يساعد في العثور على الفتيان الثلاثة وإعادتهم إلى أسرهم بسلام”.. يا سلام.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2180625

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2180625 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40