الجمعة 20 حزيران (يونيو) 2014

وزلزلت المجتمعات العربية زلزالها

الجمعة 20 حزيران (يونيو) 2014 par عوني فرسخ

ما أشبه تفجر مخاض الربيع العربي بزلزال ضرب المجتمعات العربية، حتى تلك التي لم تشهد مخاضاً ظاهراً، فأخرج ما يعيق تجاوزها واقع التجزئة والتخلف والتبعية، خاصة ما يحد من فعالية قواها الوطنية والتقدمية، ويحول دون تفعيلها الإمكانات المادية المتاحة في كل قطر، والقدرات البشرية المتوفرة فيها جميعها . وحين التدقيق فيما أخرجه زلزال الربيع العربي يأتي في مقدمة معوقات تجاوز الواقع المأزوم ثقافة التخلف المتراكم على مدى قرون الاستبداد المملوكي، والتسلط العثماني الجاهل، والتجهيل الاستعماري المتعمد لقرارات استراتيجية، وما غلب على ممارسات أنظمة ما بعد الاستعمار المباشر من افتقار حرية الإرادة واستقلالية القرار، فضلاً عن الاستغلال غير المحدود للسلطة وهذا ما عكسته الأمثال والقيم والعادات والمقولات الشائعة على المستويين النخبوي والجماهيري .
وليس من المغالاة في شيء القول بأن الثقافة الشعبية المثقلة بأمثال ومفاهيم وقيم وعصور الانحطاط والاستبداد والفساد كان لها، ولا يزال، دورها الخطر في السلبية السياسية الغالبة على القطاع الغالب من المواطنين في غالبية الأقطار العربية المصطلح على تسميتهم “الأكثرية الصامتة” .
“والأكثرية الصامتة” مسؤولة ماضياً وحاضراً، وإن بشكل غير مباشر، عن دوام واستمرار أنظمة الاستبداد والفساد، حيث وجدت في الزمن العربي الراهن . وعملاً بأحكام القاعدة الفقهية “السكوت في معرض الحاجة بيان” . وعليه يبدو جلياً أن “الأكثرية الصامتة” بسكوتها عن أنظمة الاستبداد والفساد تتيح للنظام استغلال سكوتها في الظهور بمظهر الممثل الشرعي للرأي العام والمعبر عن “إرادة” الأكثرية . ولا أدل على المسؤولية الأدبية لما تسمى “الأكثرية الصامتة” من الحديث النبوي الشريف “الساكت عن الحق شيطان أخرس” .
ثم أليس التكفيريون موضوع الإدانة العامة لجنايتهم على الإسلام والمسلمين أبرز مخرجات زلزال الربيع العربي، هم من بعض النسيج المجتمعي العربي عملاً بالقول العربي المأثور “الغصن مني ولو مال” . فضلاً عن أنهم في ممارساتهم الإجرامية المدانة يقدم أمراؤهم و“مفتوهم” المثال الأكثر تخلفاً لفهم النصوص من الكتاب والسنة، فضلاً عن تناقض “جهادهم” المفضوح مع الدور الحضاري للإسلام في تعزيز الثقافة العربية الأصيلة التي عرفت في العهد الجاهلي بانعدام المشاعر العنصرية واحترام الذات الإنسانية . إذ لم تعرف مكة وحواضر الجزيرة العربية قبل الإسلام ما عرفته روما في أوج ازدهارها من احتشاد الآلاف حول حلبات المصارعة لمشاهدة صراع المحكوم عليهم بالإعدام مع الأسود المجاعة، أو مصارعاً العبيد حتى الموت . وإن قراءة موضوعية لخطبة الخليفة الراشد الأولى، أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في جيش أسامة غداة توجهه لبلاد الشام لتوضح البعد الإنساني لمفاهيم الحرب في الإسلام، والذي التزم به قادة الفتح العربي الإسلامي بشكل عام . فضلاً عن أن وقفة مع العهدة العمرية تظهر الموقف الإسلامي المتميز تجاه أهل الكتاب، خاصة المسيحيين منهم . وكلا الأمرين يتناقض تناقضاً تاماً مع التكفيريين .
ولا خلاف مطلقاً مع القول بأن الفكر التكفيري الذي قال به سيد قطب إنما اقتبسه من أبي الأعلى المودودي، المختلف واقعه الاجتماعي مع واقع الأمة العربية ذات الطبيعة التركيبية التي تضم التنوع ضمن إطار الوحدة، والتي كانت وما زالت حركتها القومية معادية للاستعمار والصهيونية، وكان قائدها التاريخي عبدالناصر مع نهرو وتيتو، قادة حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، التي أجمع على الالتزام بها جميع أصحاب التوجه القومي العربي، برغم ما نشبت بينهم من خلافات ونزاعات . فضلاً عن الدعوة المبكرة لإقامة الحياة الديمقراطية في الوطن العربي باعتبارها أداة تمكين المواطنين على اختلاف أصولهم وأديانهم ومذاهبهم في ممارسة حقهم المشروع في إدارة شؤونهم .
وهل كان مئات آلاف الشبان العرب من الجنسين خاصة المتعلمين منهم، والجامعيين على الأخص، يتبنون ما دعا له سيد قطب، والملتزمون بدعوته التكفيرية على مدى الوطن العربي ما لم تكن لديهم قابلية لذلك، بتأثير القعود عن الاجتهاد بما يلبي حاجة المجتمع العربي المعاصر امتداداً بما أبدعه مجتهدو عهد التدوين الفقهاء العظام ؟ أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل ومالك الذين لبوا حاجات المسلمين في عصرهم، وتعددت قراءاتهم للنصوص من الكتاب والسنة وعملوا على قاعدة إن تعدد المذاهب رحمة بالعباد من رب العالمين، كما كان قد قال الإمام مالك لابي جعفر المنصور، رافضاً تعليق كتابه “الموطأ” على استار الكعبة لحمل الناس على العمل به، كما أراد ذلك الخليفة .
ويقينا إن الهم الأول للمجتمعات العربية كافة في الزمن الراهن العمل الجاد وطويل النفس لاتقاء مخاطر مخرجات زلزال الربيع العربي، وفي مقدمتها التصدي للتكفيريين ودعاواهم وممارساتهم المناقضة للإسلام الدين والحضارة والتاريخ . والعمل في الوقت ذاته على تأصيل ما تحقق على صعيد إسقاط حاجز الخوف من أنظمة الاستبداد والفساد، وتعاظم دور الشباب والمرأة في الحياة السياسية العربية، كما تجلى خلال سنوات الربيع الثلاث الماضية . وذلك يتطلب عملاً فردياً ومجتمعياً في مجالين متكاملين: أولهما، إشاعة الثقافة الديمقراطية المتكاملة مع الدعوة للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية . والثاني المراجعة الجادة والعميقة للفكر الديني الغالب والعمل على تجديده في ضوء الفهم الموضوعي للنصوص من الكتاب والسنة المتميزة باعتبار العقل مناط التكليف، والعمل بمبدأ لا إكراه في الدين، واحترام الإنسان، الذي كرمه الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه، والنص على أن من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً .
وأول ما يستدعيه ذلك خروج “الأكثرية الصامتة” عن صمتها . وتحررها من السلبية الغالبة عليها، وانطلاقها في العمل الوطني على قاعدة “كل مواطن خفير” لأن التقدم على طريق دحر الدعوة التكفيرية، وتصويب مواقف المضللين من أبناء الأمة، وتأصيل النواحي الإيجابية في حراك الشعوب العربية . كل ذلك مستحيل من دون تكامل العمل الفردي والمجتمعي الذي تحتاجه شعوبنا للتقدم الذي تستحقه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2181579

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2181579 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40