الجمعة 27 حزيران (يونيو) 2014

التكامل القومي هو الحل

الجمعة 27 حزيران (يونيو) 2014 par عوني فرسخ

على مدى العقود الأربعة الماضية شاعت في معظم الأقطار العربية، إن لم تكن فيها جميعاً، دعوة القطر أولاً في تبن غالب للمنطق القطري دون القومي . بل وغلبت في أكثر من قطر الدعوة للنأي بالذات عما تتعرض له بقية الأقطار العربية من مخاطر تهدد وحدة ترابها الوطني وسلامها الاجتماعي . وحين تُقرأ بقدر من الموضوعية النتائج العملية لاعتماد دعوات “القطر أولاً” يتضح بجلاء تام أن ليس من قطر عربي واحد التزم بذلك حقق نمواً ملموساً في تطوره الاقتصادي، أو تقدماً على طريق إقامة نظام ديمقراطي بمقاييس العصر، أو تطوراً علمياً في جامعاته ومدارسه الرسمية والخاصة، مواكباً التسارع الطردي العالمي في العلم والمعرفة، أو توفرت لديه المنعة ضد الضغوط والمداخلات الخارجية الدولية والإقليمية . وإنما على عكس ذلك كله غلب على الممارسات في الأقطار المعنية شيوع الفساد والإفساد وتزامن الغنى مع الفقر المدقع . ما كان سبباً رئيسياً في تفجر الحركات المطلبية الشبابية في زمن الربيع العربي .
وأن يكون حصاد رفع شعار “القطر أولاً” غاية في المرارة ما يرجح عندنا أن رفع الشعار وتعميمه في معظم أقطار جامعة الدول العربية لم تكن دوافعه وغاياته وطنية كما يوحي بذلك الشعار، بقدر ما كانت تعبيراً عن وقوع رافعي الشعار ومروجيه، بوعي منهم أو لا وعي، في مخطط الاحتواء الأمريكي المعادي، استراتيجياً للفكر والعمل القومي العربي، من منطلق طمس عروبة الأقطار العربية لكي يسهل دمجها في مشروع “الشرق الأوسط الجديد” فاقد الانتماء القومي لمكوناته عربية اللغة والثقافة وأنماط السلوك . وتكفي الإشارة إلى إسقاط الإعلام الأمريكي والمتأمرك مصطلح الوطن العربي واضح الدلالة على الانتماء القومي، واستبداله بمصطلح “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” وكأن لا هوية لأرض كانت على مدى التاريخ تتكلم اللغة العربية .
ولأن المسيرة منذ ارتد السادات عن مبادىء ثورة 23 يوليو/تموز 1952 ونهج عبدالناصر القومي التقدمي . وغلب عليها التردي على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فقد توالى منذ أواخر السبعينات سؤال ما العمل؟ وتزامن ذلك مع صعود تيار الإسلام السياسي بدعم من نظام السادات وأكثر من نظام عربي . وفي الإجابة عن السؤال المطروح رفع الإسلاميون شعار “الإسلام هو الحل” من دون أن يقدموا اجتهادات معاصرة تلبي احتياجات المجتمع العربي بأغلبيته المسلمة، ما كان له تأثيره في إجماع الأغلبية الساحقة من شعب مصر على الانتفاضة في 30 يونيو/حزيران من العام 2013 ضد حكم الإخوان فاقد الكفاءة الإدارية والالتزام بقضايا مصر ودورها القومي .
وفي المقابل، فإنه على الرغم من تصاعد الهجمات على الفكر والعمل القومي العربي التقدمي، إلا أن ذلك شكل تحدياً لصادقي الالتزام القومي، الذين نهضوا منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي بعملية مراجعة جذرية للفكر والعمل خلال مرحلة المد القومي . ولم ينكفئوا على الذات تحصيناً لها في مواجهة الهجمات متعددة الدوافع والغايات، وإنما أقبلوا في انفتاح لم تشهده الساحة العربية على شركاء المسيرة والمصير من التيارات الإسلامية والماركسية والليبرالية، بحيث نجحوا في إقامة المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي-الإسلامي، ومؤتمر الأحزاب العربية، من دون إقصاء أحد من مخالفي العقيدة القومية العربية، ما دام يعلن قبوله بالأهداف القومية الستة التي صاغها مفكرو مركز دراسات الوحدة العربية، ألا وهي السيادة الوطنية، والوحدة العربية، والديمقراطية، والتنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، والتجدد الحضاري .
وليس خافياً إن ما هو مطلوب لإنقاذ الأقطار والشعوب العربية مما يتهدد وحدتها واستعادتها فعاليتها المهددة، وامتلاك المنعة ضد المداخلات والضغوط الدولية والإقليمية، والتحديات الداخلية، أكبر وأخطر من أن يتصدى لها حزب مهما كان تعداد منتسبيه وبلغت إمكاناته المادية . ولا تيار فكرياً من دون منتسبي بقية التيارات الفكرية الأربعة ذات الوجود التاريخي في الوطن العربي . . ما يعني في التحليل الأخير أن ليس من يعقد عليه الرجاء سوى الجبهات الوطنية المتكاملة قومياً، القادرة على التوظيف الأمثل لما هو متاح عند الأقطار والشعوب العربية من إمكانات مادية، ومتوفر لديها من قدرات بشرية .
والمرجح في ضوء التجربة التاريخية للشعوب العربية، ومعطيات واقعها الراهن، أن الأقدر على النهوض بالمهمة التاريخية بإقامة الجبهات الوطنية المتكاملة قومياً، والملتزمة بالأهداف القومية الستة، إنما هو التيار القومي العربي بعد أن بات جلياً أنه على عتبة استعادة اعتباره على صعيد الشعوب العربية، ولما عرف به تاريخياً من الانفتاح على شركاء المسيرة والمصير، غير المنغلقين على الذات، من رموز وعناصر التيارات الثلاثة الأخرى .
وليس من شك أن الفرصة غدت متاحة للتيار القومي العربي لاستعادة دوره الذي أجهض مطلع سبعينات القرن الماضي، إن نجحت قواه متعددة القيادات المتنافسة في نزاعات غير مجدية في إقامة أكبر قدر مستطاع من التآلف فيما بينها، والالتقاء في عمل مشترك للنهوض بالأمة من الكبوة التي رانت عليها خلال العقود الأربعة الماضية، بالعمل الذي تعلو فيه طموحات الالتزام القومي على نوازع المكاسب الذاتية غير المضمونة .
ولطالما عرفت الإدارات الأمريكية المتوالية بعدائها التاريخي للفكر والعمل القومي العربي، وبتوالي تآمرها على الحركات قومية الالتزام حيث وجدت في الوطن العربي . وبالتالي فالمرجح أن تلقى محاولة رموز التيار القومي العربي إقامة الجبهات الوطنية المتكاملة قومياً مقاومة الأجهزة الأمريكية واسعة النفوذ في أغلب الساحات العربية، ما يشكل تحدياً لحالة التشرذم الشائعة في أوساط أصحاب التوجه القومي العربي، ما لم يستدع التحدي الأمريكي استجابة تكاملية من قبل شركاء الفكر الواحد . وحيث عرف الفكر والعمل الامريكي بتغليب البراغماتية على الإيديولوجية، ما قد يؤدي لتغليب الانفتاح على الحركة القومية العربية والتعاون معها إن امتلكت قدرة التكامل بين قواها وعناصرها وتغليب المصلحة القومية على النوازع الذاتية .
وعليه يغدو واضحاً أن الجبهات القطرية، الملتزمة بالتكامل القومي، والمتبنية الأهداف القومية والتي هي الحل المطلوب، والذي لا غنى عنه في مواجهة تحديات زمن الربيع العربي الذي تلوح في سمائه نذر الخريف، رهن بما تحققه قوى التيار القومي العربي من وحدة الفكر والعمل أو تآلف أصحاب العقيدة الواحدة . وهذه هي المهمة التاريخية لقوى التوجه والالتزام، وبخاصة الناصريون منهم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010