السبت 28 حزيران (يونيو) 2014

العراق إلى أين؟

السبت 28 حزيران (يونيو) 2014 par د. عبد العزيز المقالح

ربما يعود السؤال الذي يتصدر هذه الزاوية إلى أكثر من ثلاثين عاماً، وتحديداً إلى مرحلة الحصار التي أعقبت اجتياح الكويت وتخللتها الضربة التدميرية الأولى لمقدرات هذا الجزء المهم من الوطن العربي .
ويبقى السؤال عالقاً في الأفق وتكرر تداوله أكثر فأكثر بعد الضربة القاضية واحتلال الولايات المتحدة للعراق، وما رافقه وتبعه من إجراءات حل الدولة وتسريح القوات المسلحة، وفتح أبواب المحنة على مصراعيها ليأخذ سؤال: العراق إلى أين؟ أقصى مدى له محلياً وعربياً وعالمياً . وكان الرد البديهي أن العراق ذاهب إلى الجحيم، وأي جحيم أسوأ من التفسخ . والانقسام والتبعية الأزلية لأكثر من جهة، إذ لا يوجد بين أبنائه المنقسمين طائفياً وعرقياً ودينياً من يهمه أن يحتفظ البلد بصفته الموحدة التي كفلت له مكانته على مدى القرن العشرين، وقلة هم الذين يؤمنون بأن الانتماء الأوسع إلى الأمة العربية يحمي العراق من التفتت ويربط مصيره بمصير أمته التي كانت، ولا تزال تقاوم من أجل استرداد كرامتها ووحدتها .
لا شيء ينقذ العراق اليوم، وغداً، وبعد غد مثل إدراك الفاعلين والقادرين من أبنائه أن صيغة عراق القرن العشرين، عراق المواطنة المتساوية والتعايش والتسامح بين شماله وجنوبه وطوائفه وتجمعاته، هي الوسيلة الوحيدة والممكنة لإنقاذه والخروج به من نفق الفوضى والصراعات التي لها أول وليس لها آخر . وليس في إمكان القوى الخارجية، تلك القريبة البعيدة مهما امتلكت من قدرة على الحشد والتدمير سوى أن تضاعف من معاناة هذا البلد وأهله ومن إطالة زمن الاستقطاب الطائفي وإطلاق العنان للدعوات الانتحارية ومحاولة فرض الأمر الواقع على شعب متمرد بطبيعته غير قابل للخضوع والاستسلام، وكان للجميع، في السنوات العشر الأخيرة من الاحتلال ووجود ثلاثمئة ألف جندي أمريكي من الدروس ما يكفي لعدم تكرار الحالة والتلويح بالاحتلال من جديد . وستكون الكارثة أكبر إذا ما فكرت الدول المجاورة للعراق في التدخل لحماية أنصارها .
وهكذا، سيبقى السؤال معلقاً ليس في سماء العراق فحسب، وإنما في سماء الوطن العربي كله “العراق إلى أين؟”، وإذا كان هناك من طرف قادر على الإجابة، وعلى المشاركة في إنقاذ العراق وإخراجه من محنته فإنما هو الطرف العربي المعني أكثر من غيره بما حدث ويحدث في العراق، فقد انعكست محنة هذا البلد على الأمة العربية بأكملها وباتت أقطارها تهدده بالتفتت والتقسيم، وإذا كان الحل الأقل والممكن هو في أيدي العراقيين أنفسهم، وفي المقدمة العقلاء منهم وذوي القلوب النقية الصافية من الحقد الطائفي، فإن في مقدور أشقائهم العمل على تجميع الصفوف ومنع التدخلات الخارجية واقتراح الحلول المناسبة لوضع حد للاقتتال وإجراء المصالحة الوطنية العاجلة واختيار الكفاءات لإدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة العاصفة، وفي إمكان الأنظمة العربية -لو أخلصت النوايا- أن تخدم العراق وتخدم نفسها، فما يحدث في هذا البلد العربي الممزق سينتقل بكل تفاصيله المرعبة إلى بقية الأقطار العربية إن عاجلاً أو آجلاً .
إن الشعب العراقي بكل فئاته وانتماءاته الطائفية والعرقية يدرك تماماً أن التدخل الأجنبي -إذا ما تم- سيقضي على البقية المتبقية من مشاعر التقارب بين هذه الفئات والانتماءات، وسيكون أداة ضاربة في أيدي المنتفعين والعملاء الذين باعوا العراق، وكانوا رأس الحربة التي أنهت استقلاله وتمريغ سيادته في الوحل، وكان الخلاص منهم بداية الطريق إلى التصحيح وإعادة الثقة إلى المكونات الوطنية لشعب كانت عاصمته بغداد تحكم ثلاثة أرباع العالم القديم، كما كانت عاصمة الحضارة والتمدن والرقي في أسمى تجلياته الإنسانية، وهو ما فتح عليها وعلى بقية المدن العراقية النار انتقاماً منها ومن التاريخ مهما تستر العدوان والاحتلال بالشعارات واتخذ من الذرائع المفضوحة ما كشفته الأيام .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010