الخميس 3 تموز (يوليو) 2014

دردشة عن الحضارة على ضفاف رمضان

الخميس 3 تموز (يوليو) 2014 par صالح عوض

في ليلة مطلع شهر رمضان كانت الباخرة “طارق بن زياد” تمخر بنا عباب المتوسط - بحرنا الحبيب - الذي شهد لنا وعلينا..انه المتوسط الجميل الذي يحتضن عروس البحر يافا، ومتحدية البحر عكا، ورونق البحر حيفا ..المتوسط الذي ارادوا ان يختزلوه لنا بشريط صغير..!! انتقلت من ضفته الشمالية الى شاطئه الجنوبي حيث الفروقات المدنية المستفزة لمكنونات الروح ولكن عندما تكون الجزائر الثورة المنتصرة هي المقصد يخف وطء التحدي.. لم أعبء هذه المرة بما يبعثه البحر من صداقة.. كل شيء في هذه الساعات يدعو للتأمل ..

وجدت نفسي وأنا واحد من ابناء هذه الامة المؤمنين بعبقريتها وقدرتها على صنع التحول الانساني أتدبر مستقبل أمتنا لأجد أنه ليس لنا خيار.. فاما ان نسلك هذا الدرب بمواصفاته وبشروطه والا فإننا موغلون في الخسارة والتفتت والهزائم..فما كل مراهناتنا الجزئية المنقطعة عن التصور الكلي الا جريا وراء السراب .. أجل لقد تمكن الاستعمار الغربي طيلة القرنين السابقين من اشغالنا عن التقاط انفاسنا فقبل ان نستفيق من ضربة وجهها لنا اذا به يوجه لكماته وضرباته على المفاصل من امتنا ليحرمنا البدء في مشروع حضاري يعيد عربة الامة الى السكة.. لم يعرف الغرب حالة واحدة من الهجوم بل تغيرت اساليبه بحسب تطورات اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية وتحولات في علاقاته البينية وتبعا لذلك اهدافه وفي كل مرحلة كان عليه تعديل خططه نحونا بما يضمن له السطو والهيمنة والنهب ففرض علينا التجزئة والتبعية والعنصرية واثار الارتباك الفكري والسياسي في طبقة النخبة وغرس في القلب من الامة كيانا عنصريا ليستنزفها وليربكها امنيا ويثير حالات التعصب العنصري في المنطقة كلها ليضمن بذلك اغراق المنطقة في الظلام.

ان العملية لا تقبل الترقيع والتوليف المخل كما ان اي حل جزئي لن يصمد طويلا في حمى الصراع الحضاري بل ان العدو يتكيف مع اي انتصار جزئي كأن يكون تحريرا من احتلال او هزيمة عسكرية ما تلحق به او صمودا لنا في حصار وغير ذلك مما يفرح له الناس سيما وهو مرفوقا بشعارات تحرم الناس من التدبر وفي مثل هذه الحالات يخترق العدو الانتصار ويحوله ان استطاع الى هزيمة او ياخذ باليسار ما فقد باليمن ..من هنا كان لابد من عمل حضاري متكامل لايقوم به حزب ولا راي انما الشعب والامة عندما تنطلق فيها ارادة الحياة لابد من السعي الى الحضارة.

 لعله اصبح واضحا من كلامنا ان المقصود بالحضارة ليس برنامجا للنمو الاقتصادي او مخططا للتصنيع والتسليح وبناء الابراج والايغال في التشيوء المضحك كما يحصل في معظم بلادنا البترولية.. انما المراد هنا هو البحث عميقا عن مشروع حضاري انطلاقا من شرارة الاتقاد الاولى اي من فكرة ميلاده الى اهدافه على الأصعدة كلها الى ترتيب وادارة تستفيد من كل ما لدينا معنويا وماديا لتحقيق الاكتفاء او توفير شروط تحقيقه دونما ابتزاز..

 من مستلزمات صناعة الحضارة توفر الارادة لولوج ميادينها وامكانيات مادية تحول الارادة الى فعل حقيقي ولكن في الوقت نفسه لابد من التاكيد انه لا يكفي توفر الرغبة ولايكفي توفر الامكانيات المادية فهذه المفردات لا تصلح في التعامل مع موضوع مصيري يحدث انقلابا في حياة الشخص والمجتمع كما انه يدخل توازنات جديدة في الحركة البشرية فلطالما تشوقنا الى السعي للحضارة لاسيما ونحن من اسهم فيها قرونا مديدة وبلا شك تتوفر لنا امكانيات طبيعية لا تتوفر لليابان او اوروبا ومستوى دخل الفرد في بعض بلداننا قريب من دخله في الولايات المتحدة الامريكية ولكن ما فائدة ذلك كله ومستوى دخل الفرد عندنا مهدد ودولنا على كف الريح حسب رغبات اخرين بل لقد اصبحت امكانياتنا تغري الاستعماريين فتجر الوبال على وجودنا الانساني..فاي امكانيات واي رغبات لا يمكن ان يكون لها قيمة ما لم تندرج في تصور وعمل حضاريين يجعلان من سيادة الامة وعلو شأنها هدفها الاساس فالمسألة هنا لا تحسب فقط بحساب الأرقام انما بلغة الجسم واحساس اعضائه بعضها بالبعض الاخر ومكانة القلب من ذلك كله.. ينبغي ان نجتهد للبحث عن عوامل قوة غير مرئية ولها الدور الرئيس في العملية الضرورية وكان لغيابها الاثر الواضح في انتكاساتنا الواحدة تلو الاخرى على اكثر من مستوى..لم تكشف سيرورة الايام الا عجزا وفشلا واخطاء في امكانية ان نخرج من تحت خط الصفر..وهكذا اصبح من البداية لابد من التاكيد على اهمية اكتشاف انفسنا بجرأة ووضوح فالمعني بالحضارة هو شعبنا وامتنا والحضارة ليست كلمة تزين الكلام انها مسئولية المجتمع نحو افراده بتوفير كل الضمانات المعنوية والمادية لعطائه وحمايته كما انها التزام الشخص نحو مجتمعه بما عليه من حقوق فهي عملية التزام وعمل.. ثم ان الحديث عن الحضارة وصناعتها لا ياتي من باب التطلع الى الكماليات او التجميل انما هي عملية من اجل ان نكون في مسرح الحياة الذي لا يعترف بوجود المذبذبين والفوضويين والضعفاء..

في مواجهة قدرنا لابد من التفكير في كل ابعاد العملية ومنحها الفرصة في البروز كمنظومة فكرية مترابطة قادرة ان تتلخص في فكرة جوهرية قوية ننطلق منها نحو مستقبل يخرجنا من التشتت والضياع والهامشية لكي نكون شعبا حرا منتجا ايجابيا ونكون امة قوية منيعة تحمي رسالتها وانسانها في الوجود الانساني ولقد سبق لنا - كما هو في مخزوننا المعرفي والنفسي - ان جربنا كيف ننهض ونبني اسهاما فارقا له بصمته على المسيرة الانسانية كلها..ولكن الى هنا لا نزال نحوم حول النقطة الموحدة لكل ذلك انها الارادة الحضارية الارادة التي تسكن الاشخاص والمجتمع وقياداته الفكرية والسياسية والتي تنعشها الحوافز ويصونها تجنب المحاذير بمعنى ان تكون لدينا ارادة ايجابية نشطة مسئولة..المسألة بعيدة المدى وحقيقية وثورية لهذا كله فنحن بصدد قناعة يقينية.

 من اجل هذا كله لابد من البحث عن محركات الارادة داخل الشخص والمجتمع لكي يصبح التعامل مع البرامج والخطط جزءا من ترجمة هذه الارادة وهكذا يصبح اساسيا ايقاظها لتقوم بدورها في تفعيل ما لدينا من طاقات وامكانيات للنهوض بواجبنا .. لابد من التوقف هنا لاقول لكم جميعا:كل عام وانتم بخير.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2177497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2177497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40