الثلاثاء 8 تموز (يوليو) 2014

الانتفاضة ليست خياراً

الثلاثاء 8 تموز (يوليو) 2014 par عوني صادق

ثمانية عشر يوماً استباحت فيها قوات الاحتلال “الإسرائيلي”، والمستوطنون، مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة، بحثاً عن الجنود الثلاثة الذين اختفوا وظهروا جثثاً، من دون أن تتبنى اختطافهم جهة فلسطينية، أو تقدم الحكومة “الإسرائيلية” وأجهزتها الأمنية دليلاً واحداً مقبولاً على زعمها بأن حركة (حماس) هي المسؤولة عن اختفائهم، أو عن قتلهم . وكانت حصيلة تلك الاستباحة حتى ظهور الجثث (7) قتلى، وعشرات الجرحى، ونحو (550) معتقلاً . وارتفع عدد المعتقلين حتى الثالث من يوليو/تموز الجاري إلى نحو (650) معتقلاً، بينهم أسرى ومحررون سابقون .
وفي أجواء التحريض العنصري على قتل العرب، وفي سياق العمليات الانتقامية التي أقدم عليها المستوطنون، جاءت عملية اختطاف الفتى الشهيد محمد أبو خضير من قرية شعفاط، ثم تعذيبه وحرقه حتى الموت . لقد أثارت الجريمة البشعة سخط وغضب الفلسطينيين، ودفعتهم إلى شوارع القدس وما حولها، مستنكرة ومطالبة بالثأر . وبعدها خرجت جنازة مهيبة للفتى الشهيد شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين الغاضبين الذين رفعوا شعار “طفح الكيل” . وفي سابقة عبرت عن المدى الذي وصله السخط في نفوس الفلسطينيين، لوحظ أن بعض الشباب حمل السلاح وأطلق الرصاص علناً، فكانت مواجهات واشتباكات مع قوات الاحتلال التي أطلقت الغاز المسيل للدموع وكذلك الرصاص، ما أدى إلى سقوط أكثر من خمسين جريحاً .
وبطبيعة الحال لم يكن منتظراً أن ينجو قطاع غزة من الهجمة الفاشية لقوات الاحتلال، فتعرض لعشرات الغارات، وسقط عدد من الجرحى . وفي المقابل، انطلقت من القطاع أكثر من ثمانين صاروخاً نجحت “القبة الحديدية” في اعتراض (13) منها فقط، ما دل على زيف القدرة التي أعطيت لها . وبالرغم من التهديدات “الإسرائيلية” الكثيرة بعملية عسكرية برية كبيرة، إلا أن اتفاقاً على وقف إطلاق النار على وشك الإعلان عنه، بحسب المصادر “الإسرائيلية” .
عملية اختفاء المستوطنين الثلاثة، ثم ظهورهم جثثاً، وما جره ذلك على الفلسطينيين حتى الآن، ثم اختطاف وقتل الفتى محمد أبو خضير، وما تسبب ذلك في رفع درجة التوتر لدى الجماهير الفلسطينية، وما أدى إليه من تدهور في حالة الأمن، ووقوع اشتباكات واسعة في القدس وعدة مدن أخرى، أعاد إلى أذهان المراقبين والمحللين السياسيين سؤال “الانتفاضة الثالثة”، وكون القدس والأحداث الجارية، شرارة الانتفاضة الثالثة، كما كانت القدس وأحداث مشابهة شرارة الانتفاضة الثانية .
سؤال الانتفاضة كان طول الوقت مطروحاً على الفلسطينيين، ربما باستثناء السنوات الخمس الأولى بعد سريان “اتفاق أوسلو” العام 1993 . بمعنى آخر، يمكن القول إن “المواد” المطلوبة (الظرف الموضوعي) لإشعال انتفاضة كانت دائما متوفرة بفضل السياسات “الإسرائيلية” التوسعية العنصرية . ومنذ العام ،1998 لم يبرح التفكير في الحاجة إلى “انتفاضة” رؤوس كثير من الفلسطينيين، وظل بخيالهم ويكبر من دون أن يلاحظه أحد من المعنيين في الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية”، وفي الأجهزة المعنية في الفصائل الفلسطينية . ولذلك جاءت “الانتفاضة الثانية”، أو “انتفاضة الأقصى”، وكأنها على حين غرة، وبسبب شرارة غير متوقعة في سبتمبر/أيلول 2002 .
ومع أن “الانتفاضات”، هي بالاسم والتعريف غير قابلة للتحديد من حيث متى وكيف يمكن أن تندلع، إلا أنه يظل ممكناً رصد الأجواء والمناخات المحيطة بها، التي يمكن أن تساعد على اشتعالها أو منعه . وعلى هذا الأساس، انتظر البعض أن تنطلق “الانتفاضة الثالثة” يوم 15 مايو/أيار ،2012 ووقع من المواجهات والاشتباكات والأحداث ما أوحى لهذا البعض بأن “الانتفاضة الثالثة” قد بدأت . لكن الأمور هدأت بعد أيام، ولم يكن ما حدث بداية للانتفاضة .
اليوم، نستطيع أن نقول من دون تردد، إن “المواد” المطلوبة للانتفاضة (الظرف الموضوعي) متوفرة بأكثر مما تحتاج إليه . فالوضع السياسي بعد فشل المفاوضات الأخيرة، جامد لا حياة فيه . وهو جامد لأن السلطة الفلسطينية ليس لديها بديل للمفاوضات، إلا المفاوضات! وليس هناك ما يشير إلى وجود “حيلة” أو فرصة لاستئنافها من جديد في وقت قريب، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية (الراعية الحصرية لعملية السلام والمفاوضات) لديها ما يشغلها حتى نوفمبر/تشرين الثاني بالانتخابات النصفية للكونغرس، فضلاً عن ملفات أكثر أهمية، كالعراق وأوكرانيا وإيران . والبديل الوحيد الذي كان يهدد به رجالات السلطة، وهو الانضمام للمنظمات الدولية، لا يبدو أن السلطة تفكر الآن به، خوفاً من أن تغضب صديقتها الأمريكية، وحتى لا تزعجها في وقت غير مناسب .
من جهة أخرى، السياسة الاستيطانية تكثفت بعد توقف المفاوضات، وبعد عملية الجنود المستوطنين الثلاثة . وقطعان المستوطنين تعيث في الأرض الفلسطينية فساداً، وليس هناك من يوقفهم أو يوقف الاستيطان . وبنيامين نتنياهو يكذب علناً ويزعم أن دولته “دولة قانون”، وأن الخطف والقتل والتعذيب الذي تعرض له محمد أبو خضير “لا تسمح به” ديمقراطيتهم .
فوق ذلك، وعلى الصعيد الداخلي، أصبح واضحا للجميع أن “اتفاق الشاطئ”، والمصالحة و“حكومة التوافق”، كلها مهددة بالانهيار، بعد أن أصبح التراشق بالاتهامات والشتائم بين حركتي (فتح) و(حماس) مسموعاً . رفض حكومة الحمدالله دفع رواتب موظفي الحكومة في غزة هو السبب الظاهر، وذلك خوفاً من غضب الإدارة الأمريكية و“المجتمع الدولي” والمانحين .
باختصار، الوضع السياسي مغلق، والوضع الاقتصادي منهار . ووضع الفلسطينيين النفسي تجاوز درجة الغليان . الإحباط صار يأساً من السلطة وسياستها، وإذا اندلعت “الانتفاضة الثالثة”، فستكون ضد السلطة والاحتلال معاً، وفي هذه الحالة لن تكون الانتفاضة خياراً، بل قدراً لا مفر منه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2166086

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166086 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010