الأحد 13 تموز (يوليو) 2014

حرب إبادة جماعية

الأحد 13 تموز (يوليو) 2014 par علي جرادات

ارتكبت “إسرائيل” في تاريخها ما لا يحصى من المجازر والمذابح وجرائم الحرب الموصوفة بحق الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية . وجيش “إسرائيل” لم يميز في حروبه يوماً بين مقاومين فلسطينيين يقاتلون من موقع الدفاع عن شعبهم وحقوقه العادلة والمشروعة في الحرية والاستقلال والعودة، وبين مدنيين وأطفال ومسنين عُزل ذنبهم الوحيد أنهم فلسطينيون يتمسكون، ككل بني البشر، بحقهم الطبيعي في العيش بحرية وكرامة .
و“إسرائيل” منذ استوطنت فلسطين وهي تتصرف ك“دولة قلعة” ما أن تنهي حرباً حتى تبدأ الإعداد لأخرى قادمة . وحروب “إسرائيل” واعتداءاتها، وما أكثرها، لم تكن دفاعية يوماً، إنما هجومية عدوانية توسعية، أياً كانت ذرائعها المفضوحة . لذلك، فإن لا جديد في القول إن حكومات “إسرائيل”، بألوانها الحزبية المختلفة، ثابتة على استباحة الشعب الفلسطيني ووطنه وأمنه وموارده وكرامته، بما لا يترك متسعاً لأية أوهام تسووية، ويفرض حفظ الخلافات الفكرية السياسية للنخب القيادية الفلسطينية بعيداً عن التحول إلى انقسامات بين مكونات الشعب الفلسطيني، ما دام التناقض الأساس بين الهوية الوطنية الفلسطينية والمشروع الصهيوني . واليوم، أكثر من أي وقت مضى، بات توحيد الإرادة الوطنية الفلسطينية، بما تحتويه من تنوع وتباين، الأولوية المركزية التي بالقبض عليها يجري القبض على الأولويات الفرعية، كتأمين رواتب 170 ألف موظف، ورفع الحصار عن غزة، وتخفيض معدلات الفقر، وتقليص معدلات البطالة في الوسط الشبابي، وتحسين القطاع الصحي والتعليمي . لماذا؟
الجرائم التي يرتكبها منذ 12 يونيو/ حزيران الماضي جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية وعصابات مستوطنيه، بحق المدنيين والأطفال في الضفة وغزة ومناطق ،48 تجاوزت كل حدود المعقول . فاختطاف الفتى محمد أبو خضير وإحراقه حياً على يد عصابات المستوطنين في القدس، وقصف عشرات البيوت وهدمها وإحراق ساكنيها من الأطفال والنساء والمسنين أحياء في غزة، ليست مجرد عقوبات جماعية، إنما إبادة جماعية بكل ما للكلمة من معنى، بل هي، (ككل جرائم حروب “إسرائيل” الكثيرة السابقة)، ليست مجرد جرائم حكومة أقرب إلى عصابة، إنما جرائم نظام سياسي يقتضيه ويحركه فكرية صهيوني عنصري جوهره شذوذ الاعتقاد بتميز العرق ودونية “الأغيار”، ويشجعه على ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المخطط، ما حظي به، ولا يزال، من رعاية استعمارية غربية، وأمريكية خصوصاً، بل وتواطؤ متعدد الأوجه والجنسيات والأهداف والأغراض أيضاً .
وللداعمين للنظام الصهيوني العنصري، عدا المتواطئين مع جرائمه والصامتين عليها، أن يتذكروا دروس الحقيقة التالية:
في الحرب العالمية الثانية توحد النظامان الاشتراكي السوفييتي والرأسمالي الليبرالي الغربي، على ما بينهما من خلافات واختلافات، لهزيمة المانيا النازية كنظام فكري سياسي طافح بالتطلعات الإمبراطورية ولا سوية الاعتقاد بتفوق العرق ودونية الأعراق الأخرى . بذلك تم تخليص ألمانيا والعالم بأسره من نظام فكري سياسي عنصري أنتج نخبة نازية كادت أن تسيطر على البشرية ومقدراتها . لكن، لئن كان نصراً تاريخياً للإنسانية انتهاء تلك الحرب بالقضاء على النظام النازي، فإن التأخر في تشكيل ذاك الائتلاف العالمي لسحقه في مهده هو ما رفع ضريبة إزاحته من التاريخ، وأعطاه فرصة ارتكاب ما لا يحصى من الموبقات والجرائم والمجازر والفظاعات، منها جريمة إحراق بعض أتباع الديانة اليهودية أحياء، كواحدة من جرائم العصر المعدودة، بينما لم ينقطع جيش الاحتلال الصهيوني عن ارتكاب أبشع أشكالها، بل ويرتكب، ورديفه من قطعان المستوطنين، المزيد منها بحق المدنيين والأطفال الفلسطينيين منذ أسابيع في ظل صمت عالمي مريب .
لذلك فإن مسؤولية جولة الإبادة الجماعية الجديدة التي يتعرض لها المدنيون والأطفال الفلسطينيون منذ نحو شهر، لا تقع على عاتق حكومة نتنياهو الفاشية وحدها، إنما على عاتق كل الداعمين لها والصامتين عليها والمتواطئين معها، أيضاً . ومن أسف أن تضيع النخب القيادية الفلسطينية سبع سنوات من الانقسام المدمر، بينما كان واضحاً حتى لمن لا يعرف من السياسة غير اسمها أن تصعيد جرائم جيش الاحتلال الصهيوني وعصابات مستوطنيه في السنوات الأخيرة، كان تعبيراً عن توجهات جادة لتجديد المشروع الصهيوني كمشروع استعماري استيطاني إحلالي إقصائي، وعن أن الاستيطان في تراكمه على مدار 47 عاماً تحول إلى حالة كيفية لها قسماتها الخاصة المتواشجة مع سعار سياسي أيديولوجي يعكس تحولات بنيوية، أخطرها انتقال عدد من سكان المستوطنات إلى مركز صناعة القرار “الإسرائيلي”، سياسياً وعسكرياً وأمنياً وتشريعياً، حيث صار لهؤلاء المستوطنين أكثرية داخل مكتب نتنياهو، وستة وزراء ونواب وزراء، و16 عضو “كنيست”، علاوة على أن ثلث الرتب العسكرية المتوسطة في الجيش “الإسرائيلي” بات يشغله لأول مرة مستوطنون ينتمون للتيار الصهيوني الديني، وأن عددا آخر منهم بات يتولى مناصب عسكرية وأمنية رفيعة .
ولا عجب، ما دام “الاستيطان جوهر الصهيونية”، وما دام مشروعها يستهدف الأرض وإزاحة البشر الفاعلين عليها، ما جعل الدفاع عن الأرض وحمايتها محوراً نحو قرنٍ من كفاح الشعب الفلسطيني الذي لم ينجح، لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، في الحفاظ على هوية الأرض بمنطق السيادة السياسية وحتى الوجود الجغرافي، حيث لم يبق بيد الفلسطينيين من أرضهم سوى 15% . لكن تمادي حكومة الاحتلال القائمة لم يكن ليكون بهذه الحدة لولا ما عاشته النخب السياسية الفلسطينية في السنوات الأخيرة من انقسامات مدمرة ورهانات فاشلة حالت دون بناء استراتيجية وطنية واحدة للدفاع عن الأرض وحمايتها وتعزيز صمود أهلها عليها . وليس مبالغة القول: إنه بمقدار ما أن المشروع الصهيوني واضح في أهدافه تجاه الأرض واستيطانها وتهويدها بمقدار ما أن المشروع الوطني الفلسطيني ملتبس ومشوش، بل وتسود أطره القيادية حالة من الارتجالية والتنابذ والاحتراب القائمة على مصالح نخبوية وفئوية ضيقة لا علاقة لها بالأرض والشعب وما يتعرضا له من استباحة شاملة ومخططة كان بالمقدور الرد عليها سياسياً وميدانياً . كيف لا؟ ألم يترك جزء كبير من المستوطنين بيوتهم يوم كان الصف الوطني الفلسطيني موحداً وفاعلاً إبان الانتفاضتين الأولى والثانية؟ ثم أليس من شأن توحيد الإرادة الوطنية الفلسطينية، وإعادة ملف الصراع إلى هيئة الأمم، وتقديم شكوى إلى محكمة الجنايات الدولية، وطلب حماية دولية مؤقتة على طريق إنهاء الاحتلال، أن يلجم فاشية حكومة نتنياهو، ويشل يدها عن ارتكاب جرائم قتل المدنيين والأطفال والمسنين الفلسطينيين وإحراقهم أحياء؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178168

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178168 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40