الأربعاء 16 تموز (يوليو) 2014

المقاومةُ سلاحٌ رادعٌ وجبهةٌ متماسكةٌ

الأربعاء 16 تموز (يوليو) 2014 par د. مصطفى يوسف اللداوي

يستعجل الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي القدس والشتات وفي كل مكان، كتائب المقاومة الفلسطينية على اختلافها، الردّ على الهجمات «الإسرائيلية»، بقوةٍ وغزارةٍ، لتوقف اعتداءاتها، وتنهي حشودها، وتعود أدراجها بدباباتها وجنودها من حيث أتت، وتنهي أحلام تينيت وأضغاث ليبرمان، اللذين وأمثالهما من مهووسي التطرف والجنون الصهيوني يحلمون بتدمير المقاومة وكسر شوكتها وتمكين المستوطنين من الاستغراق في النوم الآمن بعيداً عن هواجس القصف وكوابيس الموت والقتل وتذاكر السفر والهجرة ومخططات الهرب والرحيل، بعد استئصال شأفة المقاومة من جذورها، واجتثاثها من أرضها، وتصفية العديد من رجالها، ومنح من استطاعوا منهم «بزعمهم» تذاكر إلى الجحيم، ورحلاتٍ إلى جهنّم.

ربما لم يكن الشارع الفلسطيني متضامناً في تاريخه مثلما هو اليوم، فقد توحّدت أطيافه واتفقت مكوناته والتقت أطرافه في جهات الوطن الأربع، وفي القلب منه القدس، وأشعلوا بقرارٍ منهم الأرض لهيباً تحت أقدام الصهاينة، لا غضباً واحتجاجاً على خطف وحرق الفتى أبو خضير وهو حي، ولا استنكاراً للحملة الهوجاء التي قاموا بها في مدن الضفة الغربية، ولا انتصاراً لإضراب الأسرى والمعتقلين، وتأييداً لمطالبهم المشروعة فحسب، بل رفضاً للممارسات الصهيونية كلّها، وثورةً على الاحتلال، وانتفاضةً على الاغتصاب، ومحاولات سرقة الوطن، وسلب الأرض، وتزوير التاريخ، وتغيير الواقع.

لعلّ الجبهة الداخلية الفلسطينية اليوم هي في أفضل حالاتها، وأسمى تجلّياتها، تماسكاً ووحدة، وتوافقاً ورغبة، وإرادةً وعزماً، وشمولاً واتساعاً، ووعياً وعقلاً، وفكراً وقلباً، وصبراً واحتمالاً، إذ باتوا يعرفون ماذا يريدون، ويدركون العدو الذي يواجهون، لكنهم لا يبالون بما قد يلقون منه، ولا يخافون بما قد يلحق بهم من أذى ومضرّة، وما يصيب مدنهم وقراهم ومخيّماتهم من دمارٍ وخراب، فهذا العدو عوّدهم على سياسته وعرّفهم إلى منهجه الذي لم يغيره ولم يعدله، فما زالت سياسته دموية همجية جرّبها شعبنا كثيراً وخبر نتائجها وعرف آثارها، فما أنتجت إلاّ الصمود والثبات والصبر واليقين.

الشارع الفلسطيني اليوم موحدٌ شعبياً ومتوافقٌ أهليّاً ومتماسكٌ بينيّاً ومترابطٌ بنيويّاً، فلا اختلاف بين أبنائه ولا تناقض بين سكانه، إذ اتفقوا على المقاومة والتقوا على الإعداد والاستعداد وامتلاك القوة والقدرة وإرهاب العدو بما يملكون وردعه بما يحوزون، وقد أعدّوا له ما استطاعوا من قوة وحشدوا له ما أمكنهم من رجال، وحملوا عدة الحرب ولبسوا مثل الأنبياء لأمتهم، ولن يخلعوها حتى يقاتلوا، ولا شكوى بينهم ولا تذمر فيهم ولا خوف يسكن قلوبهم ولا حساب لما يخططه العدو ضدهم، فعلى قيادته أن تتبعهم وتسير خلفهم وأن تخضع لهم وتنقاد إليهم، فالفلسطينيون شعبٌ بصيرٌ عالمٌ، واعٍ عاقل، مؤمنٌ صادق، مطمئنٌ واثق.

إنهم جميعاً ينتظرون بشغفٍ لحظة انطلاق صواريخ المقاومة لتدكّ مدن ومستوطنات الغلاف «الإسرائيلي»، ولتصل إلى عمق كيانه، وتهدد أطراف الشمال الذي كانوا يظنون أنه مع الوسط في أمنٍ من القصف، وأن صواريخ المقاومة لن تطولهم، وأنهم لن يجبروا على إغلاق الجامعات والمدارس والنزول إلى الأقبية والملاجئ خوفاً من الصواريخ التي باتت تعرف أهدافها وتصل إليها بدقةٍ عالية، وتحمل معها إلى جانب الرعب والخوف موتاً بسكتة أو قتلاً بشظية أو هوساً نفسياً وصدمةً عصبية.

الفلسطينيون يشعرون اليوم بأن جبهتهم الداخلية قوية، فمقاومتهم حاضرة وقيادتها رشيدة وجنودها على أهبة الاستعداد، يتنافسون ويتتابعون، ويتجهزون يتحضرون، رجالهم أقوياء بأساً وعقيدة وإرادةً وشكيمة، ونساؤهم صبايا وعجائز يسرن صدر الصف سرباً باسلاً، يتحدين ويواجهن، يشجعن ويحفزن، لا يبكين ولا يولولن، والسلاح حادٌ وماضٍ، يجرح ويقتل، يصيب ولا يخيب، يصنعونه بأيديهم ويحتفظون به في مخازنهم، يطلقونه بقرارهم ويستخدمونه بإرادتهم ولا ينتظرون إذناً من جهة أو موافقة من خارج الحدود.

بينما جبهة العدو مهزوزة ضعيفة، متفككة خائفة، قلقة مضطربة، مرتعشة مترددة، يسكنها الخوف من الفشل، ويدفعها البغي إلى محاولة استعادة الهيبة ومحاولات الاعتداء لإثبات تفوق جيشهم وقوة نارهم، وأنهم قادرون على كيّ مواضع الجرح، أو خلع الضرس من جذوره وإسكات الألم، بعدما أصابهم في الحروب السابقة التي كشفت عن عجز جيشهم وقادته على تحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات المرسومة، إذ ماذا تعني ثلاثة حروب في خمس سنوات، ومئات العمليات الموضعية السريعة ضد الجماعات ذاتها، وعلى الأرض نفسها وللأهداف عينها التي لم تتحقق خلال الحروب السابقة، ولن تحققها أيُ حروبٍ مقبلة، مهما بلغت في شدتها وقسوتها، وأياً تكن قوتها وسرعتها.

ستمضي هذه الحرب كسابقاتها، وستضع أوزارها بعد أيامٍ أو ساعاتٍ مثلما انتهت أخواتها، وسيتقهقر جيش العدو، وستنكس دباباته فوهات مدافعها، وسيرتفع صوتُ «الإسرائيليين»، أنيناً ويأساً، مستوطنين ومدنيين، عسكريين وسياسيين، مطالبين بسرعة التوصل إلى هدنة وفرض وقفٍ لإطلاق النار يعيد الهدوء إلى مستوطناتهم ويمكّنهم من العودة إلى مدارسهم وجامعاتهم ومزاولة أعمالهم وحياتهم العادية.

ستعود المقاومة من جديد إلى ثكنها وقواعدها، تعد وتجهز، تدرّب وتزوّد، تنظّم صفوفها وتستعيد عافيتها، إذ بات لديها يقين من أن سلامة صفها ووحدة أهلها والتفاف شعبها ومتانة جبهتها الداخلية، بالإضافة إلى السلاح الفاعل والقوة الرادعة والقرار الحر الأمين والقيادة الراشدة الصادقة، تكفل كسر شوكة العدو، وجرف صخرته، وتحطيم إرادته، وتغيير وجهته، واستبدال خطته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 296 / 2177637

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع د.مصطفى اللداوي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

2177637 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40