السبت 19 تموز (يوليو) 2014

عشية ذكراها 62.. غزة وثورة يوليو

السبت 19 تموز (يوليو) 2014 par معن بشور

من الصعب، إذا لم يكن من المستحيل، ان نتذكر ثورة 23 يوليو بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، التي تمر ذكراها الثانية والستون بعد ايام، دون ان نتذكر معها غزة خصوصاً، وفلسطين عموماً، منذ ان بدأت هذه الثورة مجرد فكرة لمعت في خاطر عبد الناصر، وهو المحاصر مع اخوانه في الجيش المصري في الفلوجة في قطاع غزة، إلى ان تحولت حقيقة كبرى في حياة مصر والامة والعالم بأسرها.
ان استعادة تلك الصلة المميزة بين ثورة يوليو وغزة تحديداً، تبدو مسألة بالغة الحيوية سواءفي الوجدان المصري أو الوجدان الفلسطيني عموماً.خصوصاً في هذه اللحظات التي تخوض فيها المقاومة في غزة وعموم فلسطين واحدة من اشجع واشرس المواجهات مع العدو الصهيوني منذ بداية الصراع.
فالمصريون يتذكرون ان كمين القوات المظلية الصهيونية للجيش المصري في 28 فبراير/شباط 1955، والذي تمكن فيه الصهاينة من قتل 39 شهيداً واصابة 33 جريحاً من الجيش، كانت نقطة تحول في تاريخهم المعاصر، كما في تاريخ الأمة كلها ، إذ أطلق سلسلة من الديناميات والتداعيات أدت ، كما يعرف الجميع، إلى اطلاق المد القومي العربي الذي توجته وحدة مصر وسوريا عام 1958، والذي انتصر لثورات الاستقلال والتحرر في الجزائر والعديد من اقطار الأمة وامتد اشعاعه ليصل إلى بلدان افريقية واسيوية وامريكية عدة.
في عملية “السهم الاسود” اي “هاتز ساخور” التي قادها شارون يومها، وكان دايان رئيساً لهيئة الاركان، وبن غوريون رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع، كان الثلاثي الارهابي يطمح إلى تحقيق عدة اهداف أدناها تأديب الجيش المصري ومعه قطاع غزة بعد استقبال حاشد لجمال عبد الناصر حين زار الخطوط الامامية للقوات المسلحة المصرية بمواجهة القوات الإسرائيلية، وأقصاها إسقاط الثورة المصرية أو لي عنقها لكي تصبح اداة طيّعة بيد القوى الاستعمارية الصهيونية وتخضع لمجموعة المشاريع والمخططات والاحلاف التي كانت مزدهرة آنذاك، بدءاً من مشروع الدفاع المشترك عام 1951 إلى مشروع جونستون عام 1953 إلى حلف بغداد عام 1954، وصولاً إلى مشروع دالاس (وزير خارجية امريكا)، الذي تبلور فيما بعد بمشروع ايزنهاور عام 1957.
يومها ارتكب الصهاينة مجازر بحق اهل غزة وعموم فلسطين، كما بحق جنود الجيش المصري وضباطه، كما ارتكبوا بالامس مجازر مماثلة في اغسطس/آب 2011 ثم في اغسطس/ آب 2012 .
ويومها أيضاً ثارت ثورة عبد الناصر وتوجه إلى المعسكر الاشتراكي طالباً تزويده بالسلاح، بعد أن أمتنعت دول الغرب عن تزويده به، فجن جنون حكامها من هذا التجرؤ المصري على كسر احتكار السلاح والاتجاه شرقاً، خصوصاً ان مصر كانت تقع حسب التقاسم الدولي بعد الحرب العالمية الثانية (مؤتمر يالطا) في اطار مناطق النفوذ الخاضعة للغرب.
رد “الغربيون” على قرار عبد الناصر التاريخي يومها، (كما على دوره في مساندة الثورة الجزائرية وفي تأسيس حركة عدم الانحياز التي اطلقها مع عدد من قادة العالم من مدينة باندونغ الاندونيسية في العام ذاته (1955)، وعلى محاولته التنموية الداخلية عبر بناء السد العالي، وارساء اسس النهضة الصناعية)، فأوعزت واشنطن للبنك الدولي بسحب تمويله لمشروع السد العالي، فجاء الرد من مصر بتأميم قناة السويس في 26 يوليو/ تموز1956، مما دفع باريس ولندن إلى التواطؤ مع تل ابيب على شن عدوان ثلاثي على مصر بدأ أيضاً بهجوم عسكري صهيوني على سيناء من قطاع غزة ثم استكمله غي موليه رئيس الحكومة الفرنسية، وانتوني ايدن رئيس الحكومة البريطانية بالهجوم على مدن القناة لا سيّما بورسعيد والاسماعيلية، فكانت المواجهة البطولية على ارض مصر، وكان الانذار السوفياتي الشهير، والمراوغة الامريكية الخبيثة، فانتصرت مصر وانطلقت قيادتها تستكمل دورها في قيادة حركة التحرر العربية والعالمثالثيّة، وفي الانتصار لسوريا في مواجهة الحشود التركية والمشاريع والاحلاف الاستعمارية وصولاً إلى الجمهورية العربية المتحدة.
هنا كان العدوان على غزة عام 1955 أيضاً محطة هامة في حياة مصر وتطور دورها وبروز قيادتها ، بل كان “الحادث المفتاح” حسبما اشار الدكتور علي الدين هلال والاستاذ جميل مطر في كتابهما البالغ الاهمية والصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 1979 “النظام الاقليمي العربي دراسة في العلاقات السياسية العربية”،
ومن المحطات الاخرى التي تربط ثورة 23 تموز بالاوضاع في غزة خصوصاً، وفلسطين عموماً، ما جرى في حرب الاستنزاف التي شنتها مصر على العدو الصهيوني بعد حرب 1967 واحتلال الصهاينة لسيناء وغزة التي كانت تحت الحكم الاداري المصري منذ نكبة 1948.
في حرب الاستنزاف تلك واجه الجيش الاسرائيلي عمليات نوعية قامت بها القوات المسلحة المصرية في البر والبحر والجو مهدت لحرب العبور في العاشر من رمضان (6 اوكتوبر)..
هنا كان للمقاومة الفلسطينية عموماً، وللمقاومة في غزة خصوصاً، سهم هام في تلك الحرب مما دفع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في تموز عام 1968 ان يفتح ذراعيه لحركة (فتح) بعد توتر شاب علاقته بها منذ انطلاق رصاصاتها الاولى في 1/1/1965 على خلفية اتهام بعض وسائل الاعلام المرتبطة بالقاهرة لها بانها حركة مرتبطة بحلف السنتو (حلف دفاعي غربي، مشابه للناتو اليوم) وان مهمتها توريط مصر في حرب ليست مستعدة لها، وجرى التركيز حينها على علاقة ابرز مؤسسي فتح السابقة بالاخوان المسلمين.
احتضان القيادة المصرية لحركة فتح بعد اشهر على معركة الكرامة الشهيرة ربيع 1968، (حيث أبلى الفدائيون الفلسطينيون وبمساندة فعالة من الجيش العربي الاردني، بلاءً حسناً رفع المعنويات العربية بعد الاحباط الذي رافق حرب 1967) رافقه احتضان مصري للمقاومة في غزة، وكان عمودها الفقري آنذاك “قوات التحرير الشعبية” التابعة لجيش التحرير الفلسطيني – قوات عين جالوت المتمركزة آنذاك في مصر وكانت العمليات ضد الاحتلال كثيفة بمشاركة كل التنظيمات الفلسطينية لا سيّما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي ارتبط دورها باسم القائد الشهيد غيفارا غزة حتى قال اعلاميون : الاحتلال يسيطر على غزة نهاراً والمقاومة ليلاً.
كانت العلاقة الوثيقة بين ثورة يوليو وقضية فلسطين عموماً، ومعاناة غزة خصوصاً، وليدة احساس طاغ في مصر ان أمن مصر القومي مرتبط ارتباطاً وثيقاً ببوابتها الشمالية، وان كل الغزوات إلى مصر، بما فيها الغزوات القديمة والحديثة، انما كانت تهب عليها من بلاد الشام عموماً، وفلسطين خصوصاً، وغزة تحديداً.
وفي المقابل كان الفلسطينيون بأغلبيتهم الساحقة، وأهل غزة بشكل خاص، يتطلعون إلى مصر ليس بوصفها الشقيق الاكبر لهم، بل الضمانة الأكثر منعة لامنهم، كما لاستقلالهم وحريتهم، وكان تعلقهم بجمال عبد الناصر استثنائياً، وخصوصاً انه القائل “المقاومة الفلسطينية وجدت لتبقى وستبقى” “وأن ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”.
تبدو استعادة هذه الصفحات المهمة من تاريخ العلاقة بين قضية فلسطين وثورة 23 يوليو المصرية مسألة بالغة الاهمية لا لأنها صفحات مجيدة من الماضي فحسب، بل أيضاً لانها اشارات مضيئة لدروب الحاضر والمستقبل.
فغزة لمصر ليست كأي ارض عربية، ومصر لغزة هي بوابة العبور إلى العروبة والاسلام، والى الحرية والعصر. وبغض النظر عن نجاح هذه المبادرة المصرية أو تلك، فان الفلسطينيين جميعاً يدركون ان لا بديل عن دور فاعل لمصر، والمصريون جميعاً يدركون ان ما من قائد في تاريخهم اقترب من فلسطين إلاّ واعتز، وما من قائد تنكر لفلسطين أو ابتعد عنها أو تهرب من الالتزام بقضيتها إلا وأهتز وتعثر وانهار.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 46 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010