الثلاثاء 22 تموز (يوليو) 2014

دروس من العدوان على غزّة

الثلاثاء 22 تموز (يوليو) 2014 par صبحي غندور

جيّدٌ بالتأكيد هذا الصمود العظيم الذي أبدته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، لكن ما تحتاج إليه القضية الفلسطينية الآن هو أكثر من صمود قطاعٍ منفرداً. فهي تحتاج إلى انتفاضة شعبية فلسطينية شاملة تضع حدّاً لما حصل في العقدين الماضيين من تحريف لمسار النضال الفلسطيني، ومن تقزيم لهذه القضية التي كانت رمزاً لصراع عربي/صهيوني على مدار قرنٍ من الزمن، فمسخت لتصير مسألة خاضعة للتفاوض بين سلطة فلسطينية في الضفة الغربية ودولة «إسرائيل » ترفض الاعتراف حتّى بأنّها دولة محتلّة، كما ترفض إعلان حدودها النهائية.

كان خطأً تصغير حجم القضية الفلسطينية في مجال العمل السياسي والمفاوضات، وسيكون خطأً كذلك الاستمرار في تحجيم عمل المقاومة الفلسطينية ضدّ الاحتلال وحصره في جبهة غزّة وحدها. فلو تتحقّقت فعلاً وحدة القيادة الفلسطينية ووحدة برنامج العمل على مستوى سائر المنظمات الفلسطينية الفاعلة داخل الأراضي المحتلة وخارجها، لكان مهمّاً عندئذٍ أن يتكامل أسلوب العمل السياسي ومسار التفاوض مع أسلوب المقاومة الشعبية الشاملة في المناطق الفلسطينية كافة، ومع أسلوب المقاومة المسلّحة حين يستدعي الأمر ذلك.

المشكلة الأساسية تكمن في الانقسام الفلسطيني الذي ازداد حدّةً بعد توقيع «اتفاقيات أوسلو» والتي ثبت عجزها بعد عشرين عاماً عن تأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. لذا كانت الآمال كبيرة في أن تكون حكومة الوحدة الفلسطينية مدخلاً إلى توافق وطني فلسطيني يحقّق التكامل بين العمل السياسي والعمل المقاوم، بين الضفّة وغزّة والأراضي الفلسطينية، وعموم الشعب الفلسطيني أينما كان.

في الأهداف «الإسرائيلية» للعدوان على غزّة، إضافةً إلى إضعاف المقاومة المسلحة واغتيال قادتها، إعادة الشرذمة إلى الجسم الفلسطيني من خلال ما يمكن أن يترتّب على العدوان من إحراجات لقيادة السلطة التي لا تستطيع تبنّي العمل المقاوم المسلح بسبب التزامات أوسلو ولا يمكن أيضاً أن تقف متفرّجة على ما يحدث في غزّة.

أيضاً، في الأهداف «الإسرائيلية» للعدوان على غزّة امتحان مدى التزام الرئيس الجديد في مصر باتفاقيات «كامب ديفيد» وبالمعاهدة مع «إسرائيل»، إضافةً إلى دراسة ردود الفعل العربية والإسلامية بعد إزاحة حركة «الإخوان» عن الحكم في مصر، والتي كانت تدعم «حركة حماس»، وبعد التطورات الأخيرة في العراق وسورية حيث أخطار التقسيم والحروب الأهلية تتصاعد في دول المشرق العربي، وهي أخطار تصبّ تماماً في المصالح «الإسرائيلية» وتجعل «العربي يكره أخاه العربي أكثر من كرهه للإسرائيلي»!

تفيد «إسرائيل» بالتأكيد من الموقف الأميركي الذي يعتبر كلّ عدوانٍ لها على غزّة «دفاعاً عن النفس»! فإدارة الرئيس أوباما مصابة بداء الإدارات الأميركية السابقة، التي تقف باستمرار مع المعتدي «الإسرائيلي» ضدّ الضحيّة الفلسطيني، وتبرّر الأعمال العدوانية «الإسرائيلية» بحجّة الدفاع عن النفس! وجدنا إدارة أوباما تعكس الانحياز الخطير لـ«إسرائيل» في الإعلام الأميركي ولدى أعضاء الكونغرس، من دون حتّى إشارة بسيطة من الرئيس أوباما لمعاناة الشعب الفلسطيني المحاصر في غزّة منذ سنوات، أو لجذور المشكلة التي هي الاحتلال «الإسرائيلي» منذ عقود. وكان في التصريحات الأميركية عن حق «إسرائيل» الدفاع عن نفسها، وبأن «لا دولة يمكن أن تقبل بتعرّضها للصواريخ دون ردّ»، إجحافٌ كبير في حقّ الشعب الفلسطيني. أيضاً لا شعب يمكن أن يقبل بالاحتلال لعقود، وبالحصار لسنوات من دون أن يقاوم ذلك. ألم تكن ولادة «الولايات المتحدة الأميركية» التي احتفلت مطلع هذا الشهر بعيد استقلالها حصيلة مقاومة الهيمنة البريطانية ورفع شعار «عش حرّاً أو مت»؟! فتصريحات «البيت الأبيض» والخارجية الأميركية وأعضاء في الكونغرس تكرّر ما يقوم به معظم الإعلام الأميركي من تشويه لحقائق الصراع العربي والفلسطيني مع «إسرائيل»، ومن تصوير للمشكلة الآن في غزّة كأنّها أزمة بين دولتين اعتدت إحداهما على الأخرى! أو كأنّ ما تفعله «إسرائيل» في غزّة مشابه لما تقوم به أميركا وحلف الناتو في أفغانستان وفي أماكن أخرى من ملاحقة وقتل لجماعات «إرهابية»! فموضوع الاحتلال «الإسرائيلي» مغيَّب عن المواقف الرسمية الأميركية ومهمَّش كثيراً في الإعلام الأميركي، كما هي ظالمة أيضاً مساواة مسألة «الإرهاب» بالمقاومة ضدّ الاحتلال.

لكن المشكلة ليست في الموقف الأميركي فحسب أو في بعض المواقف الدولية الأخرى، فالأوضاع العربية مسؤولة أيضاً عن حجم المأساة التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني. وهل كانت حكومة نتنياهو لتُقدِم على هذا العدوان، مثلما أقدمت على مثله أكثر من مرّة، لو كانت الضفة وغزّة والقدس في حالٍ من التوحّد والتنسيق الجاد سياسياً وأمنياً؟! ثمّ إنّ غزّة، قبل حرب 1967، كانت قطاعاً فلسطينياً تحت الإشراف المصري الكامل، وتخلّى أنور السادات إثر معاهدته مع «إسرائيل» عن مسؤولية القطاع، فهل كان ليحصل هذا العدوان الجديد على غزّة لو ربطت مصر بين استمرار المعاهدة مع «إسرائيل» وإقامة دولة فلسطينية تضمّ الضفة وغزّة والقدس، إضافةً بالطبع إلى ضرورة فتح المعابر بين غزّة ومصر؟! ولماذا لا تحصل غزّة والشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال على ما حصلت وتحصل عليه قوى سياسية عربية مسلّحة قاتلت في ليبيا وتقاتل الآن في سورية والعراق؟! أليس ذلك مخالفاً لما يُفترَض حصوله عربياً من مقاومة مسلّحة ضدّ الاحتلال، ومن مقاومات سلمية ضدّ حكومات؟!

إنّ عناصر المواجهة العربية والفلسطينية للاحتلال «الإسرائيلي» ما زالت حتّى الآن غائبة. فوحدة الشعب الفلسطيني ومنظماته وقياداته هي العنصر الأهم المفقود حالياً، وكذلك الحدّ الأدنى من التضامن الرسمي العربي ما زال بعيداً، والدور المصري الريادي في المنطقة لم تتمّ استعادته بعد. ذلك كلّه هو الواقع الآن، إضافةً إلى استمرار حروبٍ أهلية عربية بأشكال مختلفة، وتزايد عوامل التفكّك لا التوحّد في المجتمعات العربية. فكيف لا تفيد حكومة نتنياهو من هذا الواقع العربي المزري؟! وكيف يأمل البعض في تغيير المواقف الأميركية والدولية لمصلحة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني؟!

امتحن نتنياهو في غزّة قوى فلسطينية وعربية ودولية في ظلّ غياب القوّة العربية الفاعلة، لكن لعلّ من «فوائد» ما يحصل اليوم إعادة الحيوية إلى قضية فلسطين التي هُمّشت عمداً في السنين الماضية، وبالتالي تصحيح «البوصلة» العربية، بعدما تسبّبت «معارك التغيير الداخلي» بفقدان معيار معرفة الصديق من العدوّ!

مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178172

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178172 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40