الثلاثاء 22 تموز (يوليو) 2014

الشعب يناديكم

الثلاثاء 22 تموز (يوليو) 2014 par هاني المصري

بعد «مجزرة الشجاعية» ووصول عدد الشهداء إلى أكثر من 500 والجرحى إلى 3600 وتدمير حوالي 2800 منزل بشكل كامل وآلاف المنازل بشكل جزئي؛ لم يعد الصمت ممكنًا، ولم يعد التحرك التضامني الذي يشارك فيه العشرات والمئات كافيًا أو مقبولاً.
ما حدث مساء الأحد بعد مجزرة الشجاعية في مختلف مناطق الضفة ومشاركة الآلاف في كل مدينة في تظاهرات غاضبة وزحفها إلى مناطق التماس للاشتباك مع قوات الاحتلال هو الحد الأدنى لكي يشعر شعبنا في قطاع غزة أنه جزء من شعب ينتصر له ويخوض المعركة معه ولا يكتفي بالتضامن الرمزي. ولم يعد مقبولاً أن تتخلى القيادة عن مسؤولياتها في قيادة الشعب في المواجهة وتوظيف السلطة لمنع احتكاك الشعب مع قوات الاحتلال، لأن استمرار هذا الموقف سيؤدي إلى حرف الصراع بحيث يكون ضد السلطة بدلاً من توحد الجميع في مواجهة الاحتلال.
لا أبالغ في القول إن تحرك الضفة ومختلف تجمعات شعبنا في الداخل والشتات في هبات شعبية متواصلة متعاظمة استنكارًا للعدوان، ومقاومة قوات الاحتلال والمستوطنين ومظاهر الاحتلال بكل الأشكال المتاحة، وربما تحولها إلى انتفاضة عارمة؛ سيلعب دورًا حاسمًا في وقف العدوان وإحباط أهدافه، لأنه يهدد بانهيار السلطة التي ترتبط بالتزامات سياسية وأمنية واقتصادية وسياسية مع الاحتلال، توفر له مزايا ضخمة يخشى من فقدانها، أو تحوّلها إلى سلطة تقف إلى جانب شعبها ومجاورة للمقاومة؛ ما يقوي الموقف الفلسطيني ويضعف الاحتلال.
المشاركة في المواجهة من كل تجمعات الشعب الفلسطيني، وفقًا للظروف الخاصة بكل تجمع، أهم من حصر الجهود في وقف العدوان فقط، لأن وقفه يعني استمرار الحصار واستراحة محارب لشن عدوان آخر، وأهم من دعوة مجلس الأمن للانعقاد التي أدت إلى دعوة ميتة لوقف إطلاق النار، والمطالبة بحماية المدنيين، وسط دعوات أميركية لها صدى دولي وأوروبي حول حق الاحتلال في الدفاع عن نفسه، وأجدى من التحركات والمبادرات التي صدّق أصحابها أن إسرائيل تريد إيقاف العدوان إذا وافقت المقاومة على ذلك، وأن القضية كلها يمكن تلخيصها في تبادل إطلاق النار، لا في أن جذور القضية وأبعادها أكبر بكثير من الموجة الجديدة من المجابهة الفلسطينية الإسرائيلية، فهي تتعلق بالاحتلال والاستيطان والعدوان والحصار والعنصرية وإفشال كل الجهود والمبادرات الرامية إلى التوصل، إلى حل عادل أو متوازن أو حتى مقبول، كما تتعلق في أن اعتدال القيادة الفلسطينية والعربية وإلقاءها لكل أوراق القوة تقريبًا على قارعة الطريق، لم يؤد إلى تقريب السلام، بل إلى فتح شهية إسرائيل نحو المزيد من التنازلات وزيادة الأطماع والتوسع، والتوجه أكثر وأكثر نحو المزيد من التطرف والتمسك بإسرائيل الكاملة.
إن مواجهة العدوان والانتصار خطوة على طريق إنهاء الاحتلال، وهذه وتلك تتطلبان إنهاء الانقسام وحالة التنافس على القيادة والتمثيل، حتى في ذروة العدوان والمجازر، وتمكين المحاور العربية والإقليمية من اللعب بالقضية الفلسطينية والمتاجرة بدماء الشعب الفلسطيني، من خلال تحقيق وحدة الفلسطينيين على أساس برنامج قواسم مشتركة مقاوم لا يرضى بإضاعة المزيد من الوقت في التعلق بأذيال المتغيرات والمحاور وأوهام المفاوضات الثنائية برعاية أميركية، ويطالب بمفاوضات هدفها إنهاء الاحتلال لا التفاوض معه على اقتسام الأرض، بحيث تكون مفاوضات للبحث في الآليات والجداول الزمنية لتطبيق هذا الهدف. وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون مقاومة مستمرة متعاظمة لا تتوقف حتى دحر الاحتلال.
في سياق مثل هذه العملية فقط، تكون هناك أهمية للتوجه إلى الأمم المتحدة وغيرها من مجالات العمل المختلفة وحركات التضامن مع الشعب الفلسطيني، فالدولة الفلسطينية تقام هنا في جبال فلسطين وأوديتها ومدنها وقراها ومخيماتها، وليس في أروقة الأمم المتحدة. فإذا لم يصبح الاحتلال مكلفًا لإسرائيل ومن يدعمها لا يمكن إنهاء الاحتلال، ولو استمر اللهاث وراء المفاوضات الثنائية العقيمة مئة عام أخرى.
تأسيسًا على ما تقدم، إن المجابهة القائمة حاليًا ليست من حيث الأساس حرب «حماس»، أو فرضتها «حماس»، لحسابات فئوية أو لحساب أجندة عربية أو إقليمية أو إخوانية، مع أن ذلك كله موجود ولكن بشكل ثانوي، بل مواجهة تعني الشعب الفلسطيني كله فرضتها وقررتها وبدأتها إسرائيل؛ لأنها تصورت أن الفرصة الحالية مناسبة فلسطينيًا وعربيًا لتوجيه ضربة قاصمة للشعب الفلسطيني وكسر إرادته على الصمود والمقاومة، تمهيدًا لتنفيذ مرحلة جديدة على طريق محاولات تصفية القضية الفلسطينية.
في المواجهة الحالية الشعب فهم ما يجري ووقف في غالبيته مع المقاومة ومع مطلب غزة بعدم الاكتفاء بوقف العدوان، لأن العودة إلى الحصار المستمر منذ أكثر من ثماني سنوات تعني موتًا بطيئًا، وإذا كان لا مفر من الموت فليكن موتًا كريمًا شجاعًا يحمل معه احتمال الإمساك بخشبة الخلاص. فهذه المواجهة مختلفة عن مواجهة 2008 و2009 وعن مواجهة العام 2012، في تينك المواجهتين كان هناك انقسام سياسي وشعبي فلسطيني، أما الآن فهناك انقسام سياسي، بينما الشعب موحد في غالبيته ضد العدوان، ويرى أن الأولوية لدحره وإنهاء الحصار وإطلاق سراح الأسرى وليس لتصفية الحساب مع «حماس» أو غيرها.
يقال: لماذا لا تقبل «حماس» ما قبلت به في العام 2012 في فترة حكم محمد مرسي، والجواب ببساطة: لأن مصر كانت على وفاق مع «حماس» والحل الذي تم التوصل إليه كان حلًا وسطًا بين موقف المقاومة وإسرائيل، أما الآن فالمبادرة مصرية، وأظهرت مصر وكأنها تصفي حسابها مع «حماس» ولا تريد أن تشركها في الحل، بالرغم من أنها القوة الرئيسية على الأرض، كما أن طاقة «حماس» وبقية فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني في غزة على احتمال استمرار الحصار قد انتهت، خصوصًا بعد تدهور علاقات «حماس» العربية والإقليمية، وتفاقم الحياة المعيشية على كل المستويات والأصعدة بصورة جعلت قطاع غزة جحيمًا لا يطاق.
إن الحجة التي كانت تساق لفرض الحصار وهي أن «حماس» تحكم غزة قد انتهت، أو بدأت تنتهي بعد تخلي «حماس» عن حكومتها، ويمكن أن تنتهي كليًا إذا أنجزت مصالحة حقيقية تتيح مشاركة سياسية حقيقية مقابل تخلي «حماس» عن حكم غزة منفردة. وهنا لا يمكن قبول معاقبة الشعب الفلسطيني في غزة بجريرة «حماس» وعلى خلفية كونها امتدادًا لجماعة «الإخوان المسلمين».
إن العلاقات المصرية الحمساوية يمكن ويجب تصحيحها من خلال تغليب «حماس» لكونها جزءًا من الحركة الوطنية على كونها امتدادًا للإخوان المسلمين، وهذا قابل للتحقق إذا أقامت مسافة كافية بينها وبين «الإخوان»، وإذا احترمت إرادة الشعب المصري بانتخاب عبد الفتاح السيسي وعدم الإقدام على أي شيء يمس بالأمن القومي المصري.
إن هذه الخطوة تفتح الطريق لعودة الحرس الرئاسي على الحدود ومعبر رفح، بما يسقط كل الأسباب والذرائع التي أدت إلى إغلاق معبر رفح. فليبادر الرئيس إلى دعوة الإطار القيادي المؤقت للانعقاد فورًا ضمن اتفاق شامل يضمن مشاركة «حماس» في السلطة والمنظمة مقابل تخليها عن سيطرتها الانفرادية وتصحيح علاقتها مع مصر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165441

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165441 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010