الجمعة 25 تموز (يوليو) 2014

حاجة فلسطين لموقفنا.. وحاجة موقفنا لفلسطين

الجمعة 25 تموز (يوليو) 2014 par محمد سليم قلالة

قرأت بنود المبادرات العربية المختلفة التي تعلقت بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة. وتابعت الصراع المزعوم بين المبادرين بها من مصريين وأتراك وقطريين وإماراتيين وغيرهم من العرب والعجم. ووجدت في هذه المبادرات بعض الفتاة وبعض التفاصيل، إلا أنني لم أجد فلسطين. وجدت الحديث عن معابر تُفتح، عن ميناء يُنشأ، عن صيد بحري لـ 12 ميلا، ولم أجد غير هذا. لم أجد الطرح الحقيقي الذي يتحدث عن تحرير فلسطين، عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وبعاصمتها القدس، عن تحقيق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، عن كون ما يحدث في فلسطين ليس حربا من أجل المعابر ورفع الحصار فقط إنما هو ثورة من أجل القدس وفلسطين وكرامة العرب والمسلمين في أنحاء الأرض قاطبة... بكلمة واحدة لم أجد ما تحتاجه فلسطين في مواقفنا، ولا عثرت على مواقفنا بعد تغييب فلسطين عنها.

وبقدر ما أكبرت مواقف إخواننا في غزة الذين يتحدون إرادة العدو بصمت وبجلد كبيرين، الذين يبتكرون بأنفسهم سلاحهم وأساليب الدفاع عن شرفهم وعن بلدهم، وبقدر ما أكبرت ذلك التسامي عن الوقوع في فخ المبادرين، وذلك الموقف الواضح منهم، الذي ما فتئ يرفض تمييع الصراع، ويتمسك بربط مطالبه بطبيعة ميزان القوة السائد على الأرض، بواقعية ومن غير وهم أو مزايدات، وبقدر ما فهمت لماذا لا يستطيع إسماعيل هنية المحاصر من كل مكان أن لا يُطالب بأكثر من رفع الحصار وفتح المعابر وتمكين غزة من أن تعيش حرة كريمة، لم أفهم لِم تقف دول في حجم مصر أو المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية دون هذا الحد الأدنى من سقف المطالب وكأنها بلا إمكانيات وبلا قدرات وبلا إرادة ليس في المساهمة في تغيير ميزان القوة بل في التعبير عنه فقط... لِم يكون سقف المطالب لدى دولة بحجم تركيا تاريخيا وعسكريا أو قطر ماليا لا يتعدى فتح المعابر ورفع الحصار وفتح ميناء بحري للتصدير والاستيراد... وأتذكر في هذا المستوى موقف الجزائر التاريخي من الثورة الفلسطينية الداعم لها كحركة تحرر وطني من الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي المغتصب للشعب والأرض والتاريخ الذي لا يختلف عن الاستعمار الاستيطاني الذي عرفته في شيء... وأتساءل: أليست فلسطين اليوم في حاجة إلى تجديد الموقف الجزائري؟ ولِم لا يفرض نفسه عربيا ودوليا؟ ولِم هو بهذا الانكماش والانحصار؟ وهل بإمكانه ذلك ليجدد نفسه ويمنع عنه الاندثار؟

طرحت على نفسي هذه الأسئلة وأنا أقرأ الرسالة التي وجهها وزير الخارجية الجزائري إلى الأمين العام للأمم المتحدة منذ أربعة أيام داعيا فيها إلى 04 مسائل أساسية:

ـ الوقف الفوري لهذا العدوان السافر وإنقاذ أبناء الشعب الفلسطيني من المجازر التي ترتكب يوميا في حقه والتي تعد انتهاكا صارخا للمواثيق الدولية والقانون الإنساني الدولي.

ـ التوصل إلى "اتفاق سلام شامل ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وفق المرجعيات الدولية ويثبت قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود 1967.

ـ الضغط القوي على إسرائيل لحملها على الوقف الفوري لعدوانها السافر والانصياع للشرعية الدولية

ـ فرض احترام قواعد ومبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني لاسيما اتفاقيات جنيف الأربع وكل التشريعات الدولية ذات الصلة لضمان حقوق وحياة الشعب الفلسطيني الأعزل وأولها حقه في العيش الآمن...

وتساءلت: ما الذي ينقص في هذه الرسالة حتى تكون هي عنوان جميع المبادرات العربية؟ لماذا لم تُفَعَّل على مستوى جامعة الدول العربية مادامت تتضمن حلا جذريا للقضية الفلسطينية؟ لماذا تم الترويج إعلاميا لمطالب فرعية في حين تم غض الطرف عن الطرح الأشمل والأعم الذي يفترض أن تتحد الجهود اليوم لتحويله إلى واقع، والثورة القسَّامية الجديدة قائمة؟ أليس في ذلك تخل عن الروح الجزائرية التقليدية في التعامل مع القضية الفلسطينية واستبدال لها بروح انهزامية محدودة تضع الأهداف الفرعية قبل كليات وتجعل الفروع مُقَدَّمَة عن الأصول؟

ما الذي جعل الروح الجزائرية لا تهمين على المبادرات العربية وعلى مشاريع القرارات التي ينبغي أن تصدر لدعم الكفاح الفلسطيني؟

أوليست فلسطين اليوم في حاجة إلى هذه الروح وهي تعيش أشد أنواع الظلم؟

يبدو أن بلادنا في حاجة إلى إعادة تجديد رؤيتها تجاه فلسطين بحزم أكبر وبفعالية أقوى. لقد أصاب هذه الرؤية كثير ممن الغموض والتشويش بعد أن كانت ناصعة، قائدة ومهيمنة على المنظور العربي والدولي لعقود من الزمن.

صحيح لعل الجزائر هي البلد الوحيد في العالم العربي الذي حافظ على علاقته جيدة مع الفلسطينيين بجميع فصائلهم ولم يساهم في زيادة تقسيم الصف أو تغليب هؤلاء على هؤلاء، ولم يشكل لنفسه فصيلا يدعمه على حساب الآخر كما فعلت الكثير من الأنظمة العربية الفاعلة، وصحيح أيضا أن الفصائل الفلسطينية مافتئت تشهد للجزائر بمواقفها الثابتة تجاه إقامة الدولة الفلسطينية، وصحيح أن لمواقف الشعب الجزائري مكانة خاصة في قلب وعقل كل فلسطيني... كل هذا صحيح، إلا أن غير المفهوم هو لماذا لا يتجدد الموقف الجزائري التاريخي بمواقف ثابتة أخرى؟ ألا تستحق فلسطين تجديد الموقف الجزائري اليوم وهي تعيش أسوأ مراحل الظلم الذي عرفته عبر تاريخها الحديث؟

أليس من حق الشعب الجزائري اليوم أن تكون لحكومته مواقف في مستوى تطلعاته واستعداده المستمر للعطاء من أجل فلسطين؟

بل أليس من حق الشعب الفلسطيني أن يطالب بعودة جديدة للموقف الجزائري بثبات في شكل تأثير على القرارات العربية والدولية وليس فقط في شكل رسالة توجه إلى بان كيمون؟

أظن بأن بلادنا اليوم تعيش نقطة تحول في مجال الرؤية المصاغة لديها تجاه فلسطين، إما أن تسير باتجاه تجديد هذه الرؤية لكي تبقى دائما مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، في انسجام مع موروثها التاريخي والنضالي والثوري ومع مواقفها الثابتة في الدفاع عن القضايا العادلة في العالم، أو تترك المبادرات تتقاذفها شمالا ويمينا، فتُبدل مسارها إلى حيث لا تدري، وتنتهي إلى أن تصبح تابعة لمواقف دويلات صغيرة أو ألعوبة في مواقف القوى الكبرى تضعها حيث تريد على رقعة الشطرنج.

إن قراءة موضوعية ثانية لرسالة وزير خارجيتنا لبان كيمون مقارنة ما يُطرح اليوم في الساحة توحي بأننا مازلنا لم نتخل بعد عن نظرتنا الشاملة للقضية، ولكن متابعتنا لمسايرة بلدنا لمبادرات أقل ما يقال عنها إنها دون مستوى القضية تجعلنا نخاف أننا رهنَّا إلى حين حلم تجديد الموقف الجزائري، لأننا لا يمكن أن نرهنه إلى الأبد لأنه ملك للشعب الجزائري والشعب الجزائري ليس ملك أحد...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165490

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165490 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010