السبت 24 تموز (يوليو) 2010

عن «إنسانية» «إسرائيل»

السبت 24 تموز (يوليو) 2010 par برهوم جرايسي

تحاول مختلف الأوساط «الإسرائيلية» الرسمية وغيرها، الظهور كأنها «دولة طبيعية»، مثلها مثل كل المجتمعات التي تسير وفق نظم وقوانين، وأكثر من ذلك، فإن «إسرائيل» الرسمية تزعم أنها «دولة قانون»، وأن لديها معايير لحقوق الإنسان، وهذا يحدث في نظام يمارس أخطر وأشرس سياسة تمييز عنصري واحتلال ضد شعب بأسره.

ولا جديد في هذا، ولا حاجة لأي جهد لإثبات عنصرية إسرائيل، التي يرتكز نظامها على فكر صهيوني عنصري لا يقل عنصرية عن أخطر الأيديولوجيات العنصرية التي عرفها التاريخ المعاصر، إلا أنه في العامين الأخيرين بالذات، نحن أمام مشهد مثير للسخرية، حينما نرى محاولة أوساط «إسرائيلية» الظهور بمظاهر «إنسانية» وهي تدافع عن وجود آلاف الأفارقة المتسللين إلى «إسرائيل» بهدف العمل، في حين تعمل المؤسسة «الإسرائيلية» على طردهم واعتقال الكثير منهم، وتعمل على فرض أنظمة مشددة لوقف هذه الظاهرة المتنامية.

ونرى أُطراً حقوقية وجهات مدافعة عن حقوق الإنسان، تنظم احتجاجات واسعة للدفاع عن المتسللين الأفارقة، وعدم إعادتهم إلى بلدانهم، وتجد حتى أعضاء «كنيست» من أحزاب صهيونية ينضمون إلى هذه الحملة التي تجتذب الأضواء الإعلامية «الإسرائيلية».

والجهات نفسها، ولنقل الجوقة نفسها، وهي قطاع ليس صغيراً في المجتمع «الإسرائيلي»، تتجند أيضاً من أجل عدم طرد عائلات العمال الأجانب الذين انتهت تصاريح عملهم، أو أنهم قدموا إلى البلاد للعمل من دون تصاريح وأحضروا لاحقاً عائلاتهم، ويجري الحديث عن عشرات آلاف الأجانب من هؤلاء، وهناك من يتحدث عن نحو 200 ألف شخص.

وحراك كهذا يعتبر حراكاً إنسانياً في مجتمع طبيعي ودولة لنظامها معالم إنسانية، ولكن حينما يحدث هذا في «إسرائيل»، فعلينا أن نعي حقيقة أن وراء هذا دوافع أخرى، وأهمها الظهور أمام العالم بأقنعة «إنسانية» مزيفة، للتستر على جرائم «إسرائيل» ضد الإنسانية.

هذه الأقنعة تسقط يومياً وكل لحظة؛ لأن هذه الأصوات ذاتها تنخرط ضمن الإجماع الصهيوني لرفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم فلسطين، وحتى إنها ترفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الباقين في مناطق 48، إلى قراهم وبلداتهم المدمَّرة، ويصل عدد هؤلاء إلى حوالي 300 ألف نسمة، وتصل الوقاحة عند هؤلاء إلى حد طرق أبواب أطر ناشطة بين فلسطينيي 48، داعية إياها للانضمام إلى حملتها، ولكنها بطبيعة الحال لا تلقى جواباً.

ليس هذا فحسب، بل إن هذه الأطر التي تتبجح «بالإنسانية» الكذابة، تنخرس كلياً أمام أشرس أنظمة الطوارئ العنصرية، التي تفرضها الحكومات «الإسرائيلية» تباعاً منذ العام 2002، إلى جانب قانون المواطنة العنصري أصلاً، وجدد الكنيست «الإسرائيلي» فرض هذه الأنظمة في الأسبوع المنتهي لتستمر لمدة 6 أشهر أخرى.

وتمنع هذه الأنظمة الفلسطينيين من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلة، المتزوجين من مناطق 1948، أو من فلسطينيي القدس المحتلة، بالبقاء مع عائلاتهم، بزعم أن التزاوج بين الفلسطينيين يعتبر تطبيقاً التفافياً لحق العودة الفلسطيني إلى مناطق 1948، بمعنى أن الأنظمة «الإسرائيلية» تمنع الفلسطيني من حرية اختيار شريك الحياة، بذرائع أمنية تغلف الدوافع العنصرية، وهذا يعني أن آلاف العائلات الفلسطينية تواجه يومياً خطر التمزق والتشتت بين مناطق فلسطين التاريخية، التي تفصلها الحواجز العسكرية وجدران الاحتلال العنصرية.

والمشكلة تضرب جميع مناطق 1948، ولا يوجد إحصاء واضح لعدد العائلات المهددة، ولكن الحديث يجري عن آلاف العائلات، إلا أن المشكلة تستفحل أكثر في القدس المحتلة، التي يعتبرها الاحتلال جزءاً مما يسمى بـ «السيادة الإسرائيلية»، بمعنى أنها «جزء من إسرائيل» حسب منطقهم، ولهذا يسري عليها ما يسري على مناطق 1948، وتستفحل المشكلة هناك، بفعل الترابط الاجتماعي الأقوى بين القدس وسائر أنحاء الضفة الغربية المحتلة، وحسب تقديرات صدرت مؤخراً، فإن هذه الأنظمة العنصرية تهدد عائلات فيها ما لا يقل عن 50 ألف طفل، مهددين بالابتعاد قسراً عن أحد الوالدين، إن كان من الضفة الغربية.

والهدف «الإسرائيلي» واضح، وهو دفع هذه العائلات إلى مغادرة مناطق 48 أو مدينة القدس، والانتقال كلياً إلى الضفة الغربية، وهذا تطبيق لسياسة الطرد الجماعي «الترانسفير»، ولكن بوسائل أخرى.

وتدرك الحكومة «الإسرائيلية» مدى خطورة هذه الأنظمة؛ لهذا فإنها تتجنب تحويلها إلى قانون دائم وثابت، لئلا تواجه مؤسسات حقوقية دولية وعالمية تثور ضد هذا القانون العنصري، الذي لا يمكن أن تجد له مثيلاً في العالم، وإلى درجة أن المحكمة العليا «الإسرائيلية» اضطرت للاعتراف بعنصرية هذه الأنظمة عام 2006، وأمرت بوقفها، ولكن كل الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة تصر على تطبيقها.

بطبيعة الحال فإن هذه العنصرية تحظى بشبه إجماع صهيوني، وأمام هذا الإجماع فإن «إنسانية» تلك الأطر التي تسارع للدفاع عن المتسللين وحقهم «كلاجئين»، تتوقف عن العمل، وهي «إنسانية» غارقة في سبات دائم منذ 62 عاماً، وبشكل خاص منذ 8 سنوات، عند بدء تطبيق هذه الأنظمة.
إن دولة تمارس الاحتلال وتقدس مبدأ القوة لحل جميع الإشكالات والصراعات، وترى بسياسة التمييز العنصري عاملاً مهماً لبقائها على الأرض، من المستحيل أن تكون محسوبة على المجتمعات الإنسانية، ولا يمكنها أن تكون ديمقراطية، أو أن تكون «دولة قانون»، وهذه «الإنسانية» التي تدعيها تلك الأطر لنفسها هي إنسانية مزيفة كاذبة، يسعى أصحابها ومن خلف المتسللين الأفارقة للتستر على عقليتهم العنصرية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 76 / 2165241

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165241 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010