الأحد 3 آب (أغسطس) 2014

تداعيات إخفاقات نظام الأمن الصهيوني

الأحد 3 آب (أغسطس) 2014 par علي جرادات

“إسرائيل” “لا تحتمل هزيمة عسكرية واحدة” قال مؤسسها، بن غوريون، في زمانه . لذلك، أقام العدو الصهيوني وطور نظاماً أمنياً عماده بناء جيش نظامي محترف متعدد الأذرع ورديف احتياطي تحت الطلب مع التركيز على بناء قوة جوية متفوقة وجهاز استخباري متميز وترسانة نووية رادعة والمبادرة إلى شن الحروب والاعتداءات الاستباقية الخاطفة لضمان عدم الدخول في حروب استنزاف طويلة أو انتقال المعارك إلى جبهته الداخلية . وبفضل عما توافر له، ولا يزال، من دعم سياسي ودبلوماسي وعسكري وتقني ومالي غربي، أمريكي خصوصاً، غير محدود، حقق الجيش الصهيوني انتصارات عدة، كان بعضها مبهراً، أهمها الانتصار الخاطف في حرب العام 1967 . لكن كل ذلك لم يحل دون تعرض هذا النظام الأمني لاهتزازات واقعية متلاحقة أفقدته بتدرج كثيراً من قوة الردع والحسم المتخيلة، خاصة قبالة قوى مقاومة شعبية يتوافر لها ولو الحد الأدنى من الدعم العسكري والمالي، وتمتلك إرادة القتال ونقل المعارك إلى جبهة العدو الداخلية، وتعتمد نظام السرية لإخفاء إمكاناتها وشل قوة أجهزة العدو الاستخبارية، وتواظب على ابتكار طرائق ووسائل وتكتيكات قتالية قادرة على مفاجأته، ما يجعل من المتعذر عليه ردعها أو حسم المواجهة معها باللجوء إلى ضربات جوية وبحرية وبرية خاطفة أياً كان مستوى تقنيتها وقسوتها وقوتها التدميرية الهائلة .
على أية حال، اهتزازات نظام الأمن الصهيوني لم تبدأ بعجز جيش العدو عن تحقيق نصر حاسم سريع وخاطف في حرب المجازر المتواصلة على قطاع غزة منذ 8 تموز/ يوليو الماضي، بل منذ انطلاق العمل الفدائي الفلسطيني بعد “نكسة” 67 من “بلدان الطوق”، وخاصة بعد انتقاله إلى داخل فلسطين، بالتزامن مع حرب الاستنزاف البطولية على الجبهة المصرية . وقد كان ذا دلالة على هذا الصعيد إقرار قادة العدو آنذاك بحقيقة أنهم “يحكمون غزة في النهار بينما يحكمها الفدائيون في الليل” . ومع ذاك توالت مظاهر تآكل قوة ردع نظام الأمن الصهيوني وعدم قدرته على حسم الحروب التي تطال جبهته الداخلية وتكبدها خسائر بشرية واقتصادية ومعنوية ونفسية لا يقوى على تحملها لأجل طويل، ما يضطر قادته إلى عقد المساومات وإبرام اتفاقات وقف إطلاق النار المؤقتة . فمن اضطرارهم في العام 1981 بإبرام أول اتفاق لوقف إطلاق النار مع قيادة الثورة الفلسطينية في لبنان لتفادي إطلاق صواريخ الكاتيوشا وقذائف المدفعية على مدن شمال فلسطين المحتلة، إلى إخراج جيشهم من وسط التجمعات السكانية الأساسية في الضفة والقطاع بفعل عجزه عن إخماد الانتفاضة الشعبية الكبرى، (1987-1993)، إلى إبرام اتفاق العام 1996 مع المقاومة الوطنية اللبنانية الذي نص على عدم ضرب المدنيين من الطرفين، إلى فرار جيشهم من الجنوب اللبناني في العام ،2000 إلى امتناعهم عن شن اجتياح شامل كامل على قطاع غزة على غرار ما فعلوا في الضفة بعد انتفاضة الأقصى، (2000-2004)، إلى اضطرارهم إلى فك الارتباط العسكري والاستيطاني معه في العام ،2005 إلى تعرض جيشهم لهزيمة مدوية على يد المقاومة الوطنية اللبنانية في العام ،2006 إلى فشلهم في حسم حربيْ 2008 و2012 على قطاع غزة . ماذا يعني هذا الكلام؟
إخفاقات الجيش الصهيوني الواردة أعلاه هي، وإن لم تتحول إلى هزائم ماحقة لحسم الصراع بالمعنى الشامل والكامل للكلمة، إلا أنها كشفت عن مواطن ضعف أعمدة نظامه الأمني، وعن تدني قدرته على استيعاب تحولات المجرى الواقعي للصراع . لكن، لأن نظام الأمن الصهيوني هذا يقتضيه نظام سياسي عدواني توسعي عنصري يرفض التسويات السياسية للصراع، فإن ما تعرض له من اهتزازات وإخفاقات وهزائم حتى الآن لم يدفع قادته إلى الكف عن شن الحروب والاعتداءات، بل رفع منسوب تماديهم لدرجة أن تصبح كل حروبهم حروب مجازر ومحارق ومذابح وإبادة جماعية للمدنيين، وللأطفال والنساء والمسنين منهم خصوصاً، بالمعنى الكامل والحرفي للكلمة، ظناً منهم أن من شأن مجازرهم استعادة قوة ردعهم المتآكلة، وكي وعي المقاومة الشعبية ثقافة ومعنى ومبنى وأدوات فعل، متناسين أن هذا لن يزيد شعوب الأمة، والشعب الفلسطيني خصوصاً، إلا التفافاً حول قواها المقاومة، بمشاربها الفكرية والسياسية كافة، بل متناسين أيضاً دروس أن إيغال المحتلين في ارتكابات وفظاعات مجازر الإبادة الجماعية لم تفلح، مثلاً، في ثني الشعب الفيتنامي العملاق، عن مواصلة كفاحه الوطني ضد الجيش الأمريكي، أعتى جيوش العالم، حتى اندحاره، بل هربه ذليلاً، دون قيد أو شرط، ولا في ثني الشعب الجزائري البطل عن مواصلة كفاحه الوطني ضد المحتلين الفرنسيين حتى طردهم ونيل الاستقلال الوطني بكلفة مليون ونصف المليون شهيد، ولا في ثني كل الشعوب التي تعرضت للاحتلال أو الغزو الأجنبي عن مواصلة كفاحها الوطني حتى نيل استقلالها وسيادتها الوطنييْن . ماذا يعني هذا الكلام؟
صحيح أن الجيش الصهيوني لم يتورع منذ نشأته عن ارتكاب جرائم الحرب الموصوفة والتطهير العرقي المخطط والإبادة الجماعية الممنهجة بحق المدنيين بمن فيهم الأطفال الرضع والنساء والمسنون، لكنه صحيح أيضاً أن فشل نظامه الأمني في ردع قوى المقاومة الفلسطينية وقوى مقاومة عربية أخرى، قد نزع عنه كل صفة من صفات الجيش المقاتل، وحوله بالتمام والكمال إلى مجرد جيش قاتل للمدنيين الفلسطينيين واللبنانيين حيث تجاوزت مجازره ومذابحه وجرائمه بحقهم كل حدود المعقول، لعل أفظعها على الإطلاق ما يرتكبه منذ نحو شهر بحق المدنيين في قطاع غزة، ما يوجب الإصرار على تقديم قادته السياسيين والعسكريين إلى محكمة الجنايات الدولية، لكي ينالوا العقاب الذي يستحقونه كمجرمي حرب، وحتى يكون ذلك، فإن ثمة حاجة إلى عمل سياسي ودبلوماسي وإعلامي جاد لتطوير وتعميم الخطوة الشجاعة للرئيس البوليفي، موراليس، الذي أصاب كبد الحقيقة حين سمى “إسرائيل” بالدولة الإرهابية، ومثلها الولايات المتحدة الراعية لكل الجرائم الصهيونية، بما فيها مجازر الحرب المتواصلة على أطفال قطاع غزة ونسائه وشيوخه وأطبائه وممرضيه ومدارسه ومساجده وكنائسه ومنازله ومستشفياته ومقابره ومحطات مياهه ووقوده وكهربائه من بيت حانون في أقصى الشمال إلى رفح في أقصى الجنوب . وكل ذلك بفعل انكشاف تآكل نظام الأمن الصهيوني، وثبوت عجزه عن ردع الفلسطينيين، وعن حسم المعركة مع مقاومتهم الباسلة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178109

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178109 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40