الثلاثاء 5 آب (أغسطس) 2014

فلسطين والعروبة

الثلاثاء 5 آب (أغسطس) 2014 par عبدالله الأصنج

انشغل العالم بمتابعة أخبار الأحداث والجرائم التي تنجم عن أخطر عدوان عسكري تنفذه “إسرائيل” ضد الشعب العربي الفلسطيني في غزة والضفة والقدس منذ نشأة الكيان الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين العربية . والمؤسف المحزن هو أن يتم هذا العدوان البشع ويستمر على مدى أكثر من أربعة أسابيع على مرأى ومسمع العالم الذي لم يتحرك لردعه .
وكانت قسوة وهمجية العدوان سبباً لإدانات واستنكارات شعوب وحكومات دول العالم . وقد شهدت عواصم كثيرة مثل لندن وباريس وموسكو وروما وبرلين وأوسلو، وحتى بكين ومونتريال، تظاهرات حاشدة شارك فيها العلماء والطلبة من الرجال والنساء بأعداد لم يسبق لها مثيل . وحاصر المتظاهرون العديد من سفارات “إسرائيل” للتعبير عن تضامنهم مع الشعب العربي في فلسطين المحتلة واستنكارهم للجرائم الجسيمة التي تعرض لها الفلسطينيون . واصطفت بعض الحكومات العربية والأجنبية وراء جدران الصمت والتواطؤ والرضى .
والعجيب والغريب والمعيب في آن، هو صمت أهل القبور الرهيب الذي ساد الأجواء السياسية الرسمية في عالمنا العربي . صوت حكمة واضح أعلنه خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعا فيه إلى التماسك والتصدي والارتقاء إلى مستوى المسؤولية . والأدهى والأمرّ هو استمرار العروض المسرحية والمسلسلات التلفزيونية على حالها خلال أسابيع العدوان، فالأعياد والليالي الملاح على امتداد البلاد العربية من دون استثناء . واختارت زعامات الشعوب المفجوعة بحكوماتها لغة الهمس للتعبير عما يختلج في صدرها من قلق وشجن وحسرة . كأن دماء وأرواح أطفال ونساء ورجال وكهول فلسطين لا تعني للاهين وسط النار شيئاً يستحق الجهر به وإشهار الاعتراض في وجهه .
والمعلوم أن قطاع غزة بحكم القانون الدولي يظل تحت طائلة السيادة المصرية وجزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الدفاعية لمصر العربية من أجل حماية سيناء المصرية، وجزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الدفاعية لمصر العربية من أجل حماية سيناء المصرية من اعتداء صهيوني غادر . وأما القدس والضفة وغزة فأراض عربية محتلة رغم صمت وشلل جامعة الدول العربية . وتبقى مسؤولية استعادتها ملقاة على عاتق جميع العرب، أمة وشعوباً، بموجب الميثاق والمعاهدات والاتفاقيات العربية للدفاع المشترك . ومهما كانت الأسباب والمبررات لذلك الصمت مغلفة بالمواقف العابرة بحجة النأي بالنفس الممجوجة كعذر أقبح من ذنب، لكنها لن تمر من دون حساب بتعاقب الأجيال .
والحياة دروس وعبر، كما تعلمنا من الآباء والأجداد والسلف الصالح، ومن نصوص في القرآن الكريم الذي يحذرنا من الاتكالية ومن الغفلة عن وجوب ضرورة الاعتماد على النفس والإعداد والتحضير الجيدين لصون الحقوق والحدود وخوض الحروب دفاعاً عنها، وعدم التفريط فيها وفي العِرض والأرض، والالتزام بالوسطية وبخط الاعتدال دائماً الذي لا يحسن تجاوزه حتى لا نناطح صخوراً أو أفيالاً .
وفي علم السياسية الذي يجب أن نستوعب أصوله ومبادئه بالتفصيل الممل أعود لأذكٌر في هذا المضمار باليمن، حيث الحكمة والصبر والاعتدال والرجوع إلى الله وخيرته في كل أمر كأسلوب للحياة البشرية، وإن كانت كل هذه الصفات أو الكثير منها لم تعد في عداد الموجود الملموس في الواقع الإسلامي المعيش، وبات معظمها من ذكريات السلف الصالح وصفحات من ملفات الماضي التليد، وما بقى منها لن يفي بحاجة عرب اليمن وعرب اليوم لاجتياز عوائق المرحلة القلقة التي يمر بها الجميع عرباً ومسلمين والجنس البشري إجمالاً .
فالخفة والعجالة والاختيار والحسم من دون بصر أو بصيرة هي سمة الساعة التي نحن فيها، وفي زحمة هذا الخليط فإن دعوانا يرحم الله امرأ عرف قدر نفسه فصمت وصبر . . فإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب .
ولما كانت “إسرائيل” دولة مزروعة في قلب الوطن العربي قد تأسست لتؤدي أدواراً مرسومة للولايات المتحدة وبريطانيا، فإن الدولتين أوكلتا إليها مهام شتى في العالم العربي نكاية وإذلالاً للعرب والمسلمين، فقد بادر الأمريكيون والإنجليز ومن معهم بتعزيز قدرات “إسرائيل” العدوانية التوسعية بمباركة جميع قادة الحكومات الأوروبية من دون استثناء، وجعلوا من “إسرائيل” قوة ردع زاجرة للعرب من الخليج إلى المحيط، وستكون الأثمان التي تدفعها الأمة وحكوماتها على المدى البعيد كبيرة، وباهظة بسكوتها عن استمرار مسلسل العدوان التوسعي المتكرر لأكثر من عقود سبعة، وسوف يستمر هذا العدوان، ولن تتوقف آلة الموت الصهيونية إلا بإسدال ستار النسيان على ملحمة الثورة الفلسطينية .
وعلينا أن نعي ونفهم أن التخلي عن المقاومة الآن بعذر أقبح من الذنب سيعود علينا جميعاً بالوبال وبالمزيد من الخسران المبين، السياسي والأمني والاقتصادي والوجودي كأمة حية بين الأمم، العشم أن يتدارك العقلاء الأمر قبل فوات الأوان .
وأمام هذا الركام من أهوال السياسة أدعو النخب الوطنية إلى أن تتحمل مسؤولية إعادة ترتيب وتقوية وتعزيز القدرات الذاتية العربية . كما أن على النخب من الحكام والشعوب التحرك في الاتجاه الأصح، بعد أن رحل عنا أصحاب المبادرات الشجاعة . زايد وفيصل وناصر وبومدين وعارف والسلال وقحطان والقاضي الأرياني والحمدي وعرفات ومحمد الخامس والحبيب عاشور، وغيرهم الكثير .
والأمل وطيد اليوم في خليفة والملك عبدالله واخوانهما بوتفليقة وقابوس وصباح الأحمد لإعلان مبادرة وخطوات وموقف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من فلسطين الدامية وسوريا المدمرة والعراق المتشرذم وليبيا الهائمة في صحراء السياسة . ومن صراع السلطة في السودان واليمن التي تشهد زلازل الذين يحاربون أنفسهم .
وأخيراً، أوجه نداء لعقول الأمة المدركة خطورة المرحلة التي نعيشها والتحديات والأخطار التي تحاصرنا من الجهات الأربع، داعياً للاصطفاف وراء قيادة واحدة موحدة بعد أن أثبتت حركة المقاومة الفلسطينية أنها في مستوى المواجهة مع العدو الصهيوني وجيشه الذي كان لا يقهر وذلك على طريق المعادلة الجديدة التي أساسها الحفاظ على حالة توازن الرعب بين أصحاب أرض فلسطين وإلى جانبهم كل العرب والمسلمين والعالم المحب للسلام والحرية من جهة، والوافدين الصهاينة إليها من خارج فلسطين، بتشجيع وتمويل وحماية أمريكية وأوروبية من جهة أخرى، وإنهاء حالة تخاذل عربي سافر، وأن تستعيد مصر العروبة دورها وموقعها كحاضنة عربية قائدة للأمة وأن تخرج حماس من جلباب الإخوان ويخرج عباس من مربع المفاوضات العبثية مع كيري ونتنياهو، ويستعيد الإخوان المسلمون رشدهم السياسي تحت عنوان الدين لله والوطن للجميع والحكم لله وللشعب من بعده . وكفاية ما حل بالعرب وبالمسلمين من خذلان وتيه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165557

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

2165557 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 32


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010