الثلاثاء 12 آب (أغسطس) 2014

مع سبق الإصرار

الثلاثاء 12 آب (أغسطس) 2014 par محمد عبيد

لم يدرِ الطفل الفلسطيني إبراهيم الدواوسة الذي كان على موعد مع الشهادة أول أيام عيد الفطر عندما استهدفت غارة جوية غادرة تجمعاً للأطفال في متنزه مخيم الشاطئ للاجئين، موقعة عشرة منهم شهداء، فيما نجا الصبي البالغ 10 أعوام وخرج من العدوان مصاباً بشظايا القصف، أنه لا يزال على الموعد، فما إن لفظت الهدنة المؤقتة آخر أنفاسها، حتى شن الاحتلال “الإسرائيلي” عدوانه المكثف مجدداً، وارتقى الطفل شهيداً في غارة على مسجد “النور المحمدي”، حيث كان الأطفال ينتظرون لأداء صلاة الجمعة .
لا يمكن لأي كان أن يفسّر أو يبرر الإصرار “الإسرائيلي” على قتل الفلسطيني، أو مضي الكيان الدموي في ارتكاب جرائمه بحق الأطفال الفلسطينيين على وجه الخصوص، عن سابق إصرار وتصميم، لكن ما يمكن استقراؤه من هذا الهجوم الهمجي، أن الاحتلال واثق في قرارة نفسه بأن الفلسطيني، سواء كان جنيناً أو رضيعاً أو طفلاً، ليس إلا “تهديداً وجودياً”، وأن استهداف الأطفال بالغارات الجوية والقصف العشوائي وتدمير المنازل على رؤوسهم وذويهم، يمثل “الوسيلة المثلى” لإلغاء وشطب الفلسطيني وقضيته .
جزارو العصر الحديث في الكيان المحتل لا يتورعون عن ارتكاب أبشع المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، تحت شعارات كاذبة، ومزاعم “حماية أمن” من يوغلون في الدم والحرق والتدمير، ولا يتأخرون عن إثبات بربريتهم بشكل يومي، وهم في ذلك شأنهم شأن داعميهم في واشنطن والغرب، الذين لم يكفوا عن تقديم فروض الولاء، وتوفير الحماية لهم من الملاحقة القانونية، وحتى الإدانة السياسية .
والد الطفل إبراهيم أصاب كبد الحقيقة عندما اعتبر أن صواريخ الاحتلال استهدفت نجله شخصياً كأنها كانت تلاحقه، في تعبير عن شعور الفلسطينيين بشكل عام بالتهديد الجماعي والفردي على حد سواء، ولعل هذا الرجل يدرك أكثر من غيره أن “إسرائيل” لا تفرّق بين فلسطيني وآخر، مهما اختلفت انتماءاتهم السياسية والحزبية والدينية، الحقيقة التي يحاول كثيرون تحويرها، وجعلها تصب في خانة أخرى .
هنا يكشف الاستهداف المركب للفلسطيني جسدياً وذهنياً، فالكيان ما زال مؤمناً بأن في مقدوره دفع الفلسطيني إلى الانقسام على الذات، ويحاول بكل الطرق أن يحول مسار الصراع، لكن غزة أثبتت له أنها أكبر وعياً من أن تنجر إلى هذا السيناريو، ولذلك شهدنا التصعيد الدموي غير المسبوق الذي لا يستثني أحداً .
غزة لا تزال تحت نيران الاحتلال، وبعد أكثر من شهر من إطلاقه آلته الهمجية لتقتل وتدمر وتشتت، لا يزال الكيان يحاول بكل ما أوتي أن يكسر شوكة الفلسطيني، ويخلق واقعاً مأساوياً جديداً في القطاع المحاصر، فيما يواصل مخطط النهب والتهويد وشطب الهوية الفلسطينية في الأرض المحتلة بشكل عام، وفي القدس خصوصاً، كأنه اختار العدوان ليسهّل له المهمة، ويحوّل الأنظار إلى ساحة أخرى، مع أنه لم يكن ليتركها وشأنها لحظة واحدة .
الانضمام إلى اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية - إن تم - ليس إلا خطوة رمزية، لكنها ستكشف حقيقة العالم المنفصم المتناقض مزدوج المعايير، وستفضح سوءاته أمام كثير من الفلسطينيين وغيرهم من المراهنين على العدالة الدولية، وستثبت لهم مجدداً أن الكفيل بدحر الاحتلال ليس إلا الصمود والتحدي، وأن المواجهة هي السبيل الوحيد لوقفه عند حده .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2166105

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166105 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010