الجمعة 15 آب (أغسطس) 2014

استراتيجية الهدن والمفاوضات

الجمعة 15 آب (أغسطس) 2014 par عوني صادق

في اجتماع حكومته الأسبوعي يوم الأحد الماضي، شدد بنيامين نتنياهو على أن “إسرائيل لا تفاوض تحت النار”، مؤكداً أن عملية “الجرف الصامد” مستمرة حتى تحقق أهدافها وهي “استعادة الهدوء لفترة طويلة” . وفي منتصف ليل اليوم نفسه، أعلنت الخارجية المصرية أن اتفاقاً على هدنة جديدة لمدة 72 ساعة وافق عليها الفلسطينيون و“الإسرائيليون”، وتبدأ من الساعة الواحدة من صباح الاثنين “للبحث في مطالب الطرفين، وبهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار شامل ودائم” .
اليومان اللذان فصلا بين سريان الهدنة الجديدة وسقوط التي قبلها، شهدا سقوط أكثر من خمسة عشر شهيداً فلسطينياً وعدد من الجرحى، إضافة إلى تدمير عدد من البيوت . وقبل التوصل إلى الاتفاق الأخير، كانت أوساط قريبة من الوفد الفلسطيني قد قالت إن فرص التوصل إليه “ضئيلة”، وإنه ما لم يرجع الوفد “الإسرائيلي” إلى القاهرة، فإن الوفد الفلسطيني سيغادرها .
ويمكن القول، الآن، إن ما جرى يشير إلى أمرين: الأول، رغبة الجانب الفلسطيني في إعطاء الوسيط المصري فرصة جديدة، وهي رغبة تكشف عن رغبة أبعد تتعلق بعدم توتير العلاقة مع مصر أكثر مما هي عليه . والأمر الثاني، أن تنازلاً إجرائياً قدمه الوفد الفلسطيني للتوصل إلى الاتفاق، وهو الموافقة على الهدنة قبل عودة الوفد “الإسرائيلي” إلى القاهرة، كما كان قد أعلن .
ذلك من حيث الشكل، أما من حيث المضمون، فيبدو من اللغة التي تحدث بها الطرفان، الفلسطيني و“الإسرائيلي”، عن الهدنة، أن هناك تراجعاً عن اللهجة التصعيدية التي سادت أثناء الحرب . فبالنسبة للمقاومة الفلسطينية، قال رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) خالد مشعل: “الهدنة هي إحدى الوسائل والتكتيكات، سواء لغرض توفير مجال مناسب لإنجاح المفاوضات، أو من أجل إدخال المساعدات الإغاثية لقطاع غزة”، مشيراً إلى أن الهدف الذي نصر عليه هو “تلبية المطالب الفلسطينية، وأن يعيش القطاع دون حصار، وهذا أمر لا رجعة عنه” . أقوال مشعل، هذه موجهة في الأساس للغزيين، لتبرر قبول الهدنة التي سبق للمقاومة أن رفضتها مشترطة رفع الحصار أولاً . لكن مشعل قال أيضاً: إنه “في حال حصول أي تسويف”إسرائيلي“أو مماطلة، أو استمرار العدوان، فإن المقاومة مستعدة لاستئناف المعركة ولديها الجاهزية لكل الاحتمالات” .
وقد سبقت الإشارة لما قاله رئيس الوزراء “الإسرائيلي” في اجتماع حكومته الأسبوعي، من أن العملية العسكرية ستستمر حتى يتحقق هدف “الهدوء لفترة طويلة” .
هكذا يتلخص الغرض من الهدنة الجديدة في عنوانين عريضين، هما التفاوض على المطالب الفلسطينية، والتي يظل “رفع الحصار” جوهرها، و“تحقيق الهدوء ل”إسرائيل“لفترة طويلة” . وتحت هذين العنوانين مرت “التنازلات المتبادلة” التي قدمت ليتحقق الاتفاق على الهدنة . فبينما كان مطلب “رفع الحصار بشكل كامل وبدون شروط”، هو مطلب المقاومة الفلسطينية أثناء الحرب، صار قابلاً للتفاوض، ويمكن أن يتضمن “شروطاً وقيوداً” قد تلحق به . من جهة ثانية، لم يعد “نزع سلاح المقاومة في غزة” هدفاً “إسرائيلياً” معلناً، لكنه قد يكون أحد بنود المفاوضات من أجل أن يتحقق “الهدوء لفترة طويلة” .
وهنا لا بد من سؤال يفرض نفسه: ما الذي يمكن التوصل إليه في 72 ساعة من أمور هي من التعقيد ما يجعلها تحتاج إلى وقت أطول من ذلك بكثير، خصوصاً عندما يكون الخصم في مكر الصهاينة؟ هذا يعني أن الهدنة على الأرجح، إذا ما أريد التوصل إلى شيء، ستجر إلى هدن أخرى أطول من الهدنة الحالية . وهذا بدوره يعني الجرجرة التي يكون “التسويف” و“المماطلة” معها تعبيرين مخففين للحقيقة .
ليست لدينا النية للتشكيك في المفاوض الفلسطيني، وقطعاً ليست في المقاومة الفلسطينية الباسلة، ونقدر صعوبة الموقف الذي يجد الجميع أنفسهم فيه، وكذلك الوضع الصعب الراهن بالنسبة لأهل غزة بعد كل جرائم الحرب التي اقترفتها الآلة العسكرية “الإسرائيلية” في القطاع، لكننا فقط ننبه إلى حقيقة نعرفها جميعاً وهي أن الحكومة “الإسرائيلية” قبلت المفاوضات لأنها عجزت عن تحقيق أهدافها من خلال آلتها العسكرية، وهي تريد الآن أن تحقق أكثر ما يمكن منها عن طريق المفاوضات، أي أن نتنياهو يتطلع ليحصل بالسياسة والمفاوضات على ما لم يستطع الحصول عليه بالحرب . ولسنا في حاجة إلى الإشارة أن كل ما خسرناه مع العدو الصهيوني منذ ما قبل 1948 وحتى اليوم من خلال الهدن والمفاوضات، هو أكثر مما خسرناه في الحروب .
إن الحديث يدور عن تأجيل الميناء والمطار، ويقتصر على فتح المعابر والعودة إلى اتفاقية 2005 بهذا الخصوص . كذلك يدور الحديث عن السماح بدخول مواد البناء، مثلاً، مع وجود مراقبة أوروبية لمادة الإسمنت . . . وهكذا . بمعنى أن فتح المعابر سيكون مشروطاً ومقيداً، بينما الميناء والمطار مكانهما في “مفاوضات السلام”، كما قالت تسيبي ليفني ومسؤولون “إسرائيليون” آخرون .
وهناك قضية أخرى يبدو أنها ستغيب في خضم المفاوضات، وهي الاحتلال والوضع في الضفة الغربية، وكان أحد المطالب الفلسطينية في الورقة الأصلية التي تقدمت بها المقاومة الفلسطينية للجهات والأطراف المعنية، والتي هي أصل هذه المفاوضات . إن أحداً منا لا يريد أن يرى المفاوضات حول غزة تتحول إلى نسخة أخرى من مفاوضات أوسلو . . . عندها ستقع الطامة الكبرى .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2176644

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2176644 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40