الاثنين 1 أيلول (سبتمبر) 2014

حرب الخمسين يوماً تعمّق المأزق الإستراتيجي لإسرائيل

الاثنين 1 أيلول (سبتمبر) 2014 par حلمي موسى

خرج ثلاثي القيادة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو وموشي يعلون وبني غانتس، عن طورهم وهم يحاولون إقناع الجمهور الإسرائيلي أن النصر كان حليفهم في الحرب التي شنوها على قطاع غزة. ولكن هذه المحاولة لا تبدو ناجحة ليس فقط من وجهة نظر الفلسطينيين الذين، رغم مشاهد الدمار الواسع والثكل الكبير خرجوا يحتفلون بالنصر، وإنما من وجهة نظر الإسرائيليين، جمهورا ووزراء. فتصريحات كثير من الوزراء لا تشي بأن نصرا إسرائيليا تحقق كما أن استطلاعات الرأي تظهر أن حوالي ثلثي الإسرائيليين لا يرون أن يد إسرائيل كانت العليا في حرب الخمسين يوما.
وربما أن هذا ما قاد الكثير من المعلقين والخبراء العسكريين، حتى في إسرائيل، للقول بأن كلمة «التعادل» هي التوصيف الأفضل لنتيجة الحرب كما يبدو. بل إن مجلة «أيكونومست» الاقتصادية البريطانية العالية الصيت وصفت نتائج الحرب بأنها تعادل، مشيرة إلى أن منسوب الدماء والخسائر في الجانب الفلسطيني يتعادل مع منسوب الخسائر في هيبة ومكانة إسرائيل المعنوية والاقتصادية والسياسية. وبداهة، إن لا أحد يناقش حجم الفارق بين القوة النارية لإسرائيل والقوة النارية الفلسطينية وخصوصا مع قطاع غزة المحاصر من كل جانب والفقير بموارده.
ومن الجائز أن محاولة قراءة تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية لتكاليف الحرب تشهد على بعض ما يجري من صراع داخل الحلبة الإسرائيلية ذاتها. فخبراء المالية يقولون إن الجيش الإسرائيلي كان مسرفا جدا في الحرب التي خاضها ضد قطاع غزة وأنفق خلال خمسين يوما ثلث رصيده المعد لمحاربة العرب في أي سيناريو طوال عام اعتيادي. إذ إن الرصيد الجاري للاستعداد الحربي طوال عام هو 26 مليار شيكل (حوالي 7.5 مليار دولار) والجيش أنفق، وفق تقديراته، 9 مليارات شيكل (أكثر من 2.5 مليار دولار) في الحرب هذه على غزة.
ويبدو أن الجانب الاقتصادي، على أهميته، ليس قصرا على تكاليف الحرب العسكرية. إذ تبين أن الحكومة الإسرائيلية في قرارها الأولي بتعويض المتضررين في مستوطنات غلاف غزة استثنت بشكل واضح تعويض كل من يسكن أبعد من 7 كيلومتر عن حدود القطاع، ما عنى أن مدينة كبيرة مثل عسقلان، لن تنال أي تعويض. وهذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية التي تحاول تقليص أعباء الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي مضطرة لمواجهة مطالب اجتماعية واقتصادية تزداد إلحاحا. ففي نظر الكثيرين دفعت الحرب على غزة إلى تغيير جدول الأعمال القومي والعودة للتركيز على الجانب العسكري بدلا من تطوير الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. وتشهد على ذلك بشكل أولي قرارات الاقتطاع الأولية بحوالي ملياري شيكل من ميزانية كل الوزارات لتغطية نفقات الحرب. كما يشهد على ذلك أيضا تزايد التقديرات باحتمال ارتفاع نسبة العجز في ميزانية العام المقبل من ما دون 3 في المئة إلى حوالي 4.8 في المئة. من المهم معرفة أن كل واحد في المئة يعني ثلاثة مليارات دولار من الانتاج القومي الخام.
ولكن لا يقل أهمية عن هذا الجانب ما يتصل بالأفق الذي تتجه إليه إسرائيل. صحيح أن بنيامين نتنياهو تحدث عن أفق سياسي جديد قد يكون الواقع الإقليمي أفرزه. لكنه أشار إلى أن هذا الواقع الجديد يعني أن بعض القوى العربية لم تعد ترى في إسرائيل عدوا وإنما شريكا في محاربة الأصولية الإسلامية المتطرفة. وقد أدرج نتنياهو حركة حماس ضمن هذه الأصولية ليقول إنها وداعش باتا يشكلان عدوا لإسرائيل وللأنظمة العربية على حد سواء. وبديهي أن نتنياهو يقصد بذلك ان وحدة حال تتجاوز الموقف العربي التقليدي من القضية الفلسطينية قد نشأت وانها تسمح بتحالفات إقليمية على حساب القضية الفلسطينية. لكن، نتنياهو يتجاهل أن أفق كالذي يتحدث عنه غير موجود سوى في أحلامه حيث يصعب تخيل محرك للصراع في المنطقة أشد خطرا من وجود إسرائيل ذاته والذي يصعب التسليم به على الأقل من دون حل معقول للقضية الفلسطينية.
إن نتنياهو يحاول الإيحاء داخليا بأنه يرغب في حماس ضعيفة أكثر مما يرغب في أبو مازن قوي، في نوع من التبرير لعدم توجهه نحو حسم الحرب في غزة. وبديهي أن هذا يتناقض أيضا مع طرحه بوجود أفق جديد لشراكات إقليمية ضد الأصولية الإسلامية وضمنها حماس. ولهذا السبب نرى أنماطا جديدة من التضارب في الموقف الإسرائيلي بين من يعتبرون أن لا فائدة من المفاوضات التي ستجري في القاهرة لتثبيت وقف النار وبين الجيش الإسرائيلي الذي يوصي بتقديم تسهيلات واسعة لمنع العودة إلى القتال بعد انتهاء مهلة الشهر.
في هذه الأثناء يضطر نتنياهومن جديد لخوض معارك متعددة الوجوه داخليا وخارجيا، محليا وإقليميا ودوليا في ظل واقع متغير وبسرعة كبيرة. فالعالم ينظر بخطورة إلى التطورات التي قادت إلى تحول داعش إلى قوة إقليمية. والعالم يعرف أن وجود إسرائيل لعب دورا في تنامي خطر الأصولية الإسلامية المتطرفة. ولذلك ينظر نتنياهو بعين على غزة وأخرى على الجبهة الشمالية وثالثة على التحالف العربي «المعتدل» وفي قلبه مصر وعلى مخاطر قد تنشأ في الأردن ولا يدري ما العمل: هل يتقدم نحو حل سياسي أم يبقى يدير الأزمة التي لا حل لها؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165549

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165549 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010