الجمعة 12 أيلول (سبتمبر) 2014

لدى العرب “ناتو” فلماذا لا يفعّلونه؟

الجمعة 12 أيلول (سبتمبر) 2014 par رغيد الصلح

لم يكتم الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، مشاعر الأسى في تعليقه على نتائج اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الأحد المنصرم . جاء في تعليق الأمين العام ان “ميثاق الجامعة ومعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي وغيرها من المواثيق والاتفاقات توفر للجامعة إطاراً قانونياً للتعاون، وان مجلس الجامعة وأجهزته الوزارية المختلفة تسمح للجامعة بالقيام بكل المهمات اللازمة لمساعدة أية دولة عربية على مواجهة التهديدات الموجهة إلى أمنها وسلامتها ووحدة أراضيها بما في ذلك الوساطة، ونشر المراقبين، وإنشاء بعثات حفظ وبناء السلام، بل والتدخل العسكري إذا لزم الأمر” رغم ذلك فإن بعض الدول العربية لم تقتنع بأهمية دور الجامعة وبقدراتها، إذا اعطيت الفرصة، للقيام بهذه المهام، وهكذا “ففي حين تتحرج بعض الدول العربية-يقول الدكتور العربي- من السماح للجامعة بالتدخل في أزماتها الداخلية، يفتح الباب على مصراعيه لتدخل القوى الأجنبية فيها بما في ذلك من خلال استخدام القوات المسلحة” .
انطوى كلام العربي على الكثير من الدقة، إذ إن النظام الإقليمي العربي اثبت، رغم كل العقبات التي عاناها، قدرته على الاضطلاع بمهام صعبة . ولعلنا نذكر، ونحن نقترب من الذكرى الواحدة والأربعين لحرب أكتوبر/تشرين الأول أن الدول العربية، بمجموعها وبالحد الأدنى من التنسيق تمكنت من تحقيق نجاحات ملموسة على أرض الصراع العسكري والاقتصادي مع المحتل . هذا لجهة القدرات العربية الجماعية . كذلك كان الدكتور العربي على صواب في إشارته إلى “التحرج” من الجامعة، وإيثار الاستعانة بالقوى الاجنبية في مواجهة التحديات على استنفار الطاقات والإمكانات العربية من أجل هذه الغاية . ولقد تفاقم أمر هذه الظاهرة بحيث بات من المألوف تهميش دور مؤسسات العمل العربي المشترك، ووضع سقف منخفض لنشاطاتها . بالمقابل بات شائعاً البحث عن أشكال جديدة من العلاقات التي تتخطى المنطقة العربية فتسهم، عملياً، في تفتيتها وتعريضها للأخطار بينما القصد هو تحصينها وتصحيح أوضاعها . فما هو سبب هذه الظاهرة؟ وما هو طريق الخروج منها؟
تقتضي الاجابة عن هذه الاسئلة مجهودات جماعية ومتواصلة . ولكن يمكننا في هذه العجالة أن نذكر سببين، الأول منهما يعود إلى أوضاع الجامعة العربية نفسها . فالجامعة نشأت في ظرف تاريخي تميز بانتشار الفكرة العربية على أوسع نطاق في أوساط الرأي العام العربي وعلى نطاق واسع في اوساط النخب الحاكمة العربية . وخلال تلك الفترة كان يكفي أن تقترن أية مؤسسة بهذه الفكرة حتى تكتسب مشروعية واسعة وحتى يكون العمل من أجلها ومن خلالها مجزياً بالمعايير السياسية . انطلاقاً من هذا الواقع حرصت النخب الحاكمة العربية على التحرك، في حدود المتاح، داخل إطار الجامعة، وعلى مراعاة مبادئ العمل العربي المشترك . ولقد تغير هذا الظرف التاريخي وانحسرت الفكرة العربية . ولقد كان رد فعل الجامعة على هذا الانحسار مخطئاً في جانبين: الأول، في أن الجامعة تصرفت وكأن للفكرة العربية رصيداً دائماً لدى الرأي العام والنخب الحاكمة العربية، وان للجامعة أن تفيد من هذا الرصيد إلى الأبد . ثانياً، انها لم تعمل هي كمؤسسة، بما فيه الكفاية على تعزيز هذا الرصيد وعلى ترسيخه في النفوس . وهكذا هانت الجامعة وأصبح من السهل تسخيرها لشرعنة مواقف وسياسات غير مضمونة العواقب بمعيار المصلحة العربية .
السبب الثاني “للتحرج” هو استمرار الشعور بأن القوى الكبرى، والأطلسية بصورة خاصة، هي الأكثر قدرة على تخليص دول المنطقة من التحديات التي تجابهها . وللمفارقة تكرست هذه النظرة في مطلع السبعينات عندما راجت الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة تملك 99% من أوراق حل الصراع العربي-“الإسرائيلي”، وإن الحرص على المصلحة العربية يقتضي مراعاة هذا الوقع . ان هذه النظرة لا تزال سارية المفعول حتى أيامنا هذه، ولم تعد تنطبق على الصراع مع “إسرائيل” فحسب، وانما انسحبت على كافة التحديات الأخرى التي تواجه العرب ومنها صعود أطراف إقليمية أخرى ترغب في تعزيز نفوذها الشرق اوسطي .
لقد أثبت الواقع أن هذه النظرة انطوت على مغالطات وحسابات بعيدة عن الصواب . ان أمريكا لم تملك في أي وقت من الأوقات الأكثرية الساحقة من أوراق الصراعات التي خاضها العرب . فخلال حرب أكتوبر حاربت الدول العربية “إسرائيل” بالتنسيق فيما بينها وبالسلاح الروسي، وكذلك بالنفط العربي الذي استخدمته الدول العربية في إطار جماعي كأداة للضغط على الغرب . وقد تملكت الولايات المتحدة أكثر الأوراق لفرض الحلول المناسبة لها ول“إسرائيل” فقط عندما سلمت الأوراق العربية . وتمكنت الدول العربية من الحيلولة دون “تصدير الثورة الإيرانية” إلى الأراضي العربية بالاعتماد على طاقاتها الذاتية أولاً، قبل أن تتكل على الدعم الذي تلقته من الخارج . وقدم الجزائريون العرب نموذجاً ناجحاً في دحر الإرهاب خلال التسعينات والحفاظ على نظام التعددية السياسية بالاعتماد على إمكاناتهم وعلى الأوراق التي كانوا يمتلكونها قبل ان يستفيدوا من أي دعم خارجي .
حري بالدكتور العربي أن يرجع إلى هذه الوقائع بأن يذكر المعنيين بهذه الوقائع للتأكيد على أهمية دور العرب ونظامهم الإقليمي في خوض حرب ضد الإرهاب . وحري بنا ان نتبصر اليوم بالمشاريع التي يهيئها الآخرون من أجل مواجهة التحديات وأن نستفيد منها . لقد حذر اندرس راسموسين، الأمين العام لحلف الناتو، في اعقاب القمة التي عقدها الحلف في مطلع هذا الشهر الآخرين من الاعتداء على أية دولة من دول الناتو أو حتى على حليف من حلفائه . وقال راسموسين في تحذيره إن المعتدين المحتملين “سوف لن يواجهوا قوات هذه الدولة لوحدها، بل سوف يواجهون قوات الأطلسي بأسره”، ربما كان اثر هذا التحذير محدوداً . فالناتو يملك قوة تدخل سريع ولكنها محدودة العدد . ولا تزال دول الحلف بعيدة كثيراً عن إنفاق 2% من المدخول القومي على التسلح، كما تقول سياسة الحلف . هذا يعني ان قدرة الأطلسي على التدخل في أوروبا نفسها لا تزال محدودة، كما أن قدرته على التدخل خارج أوروبا هي أقل من ذلك بكثير .
في ظل هذه المعطيات الدولية، يخيل إلينا أن التعويل على “الناتو” لكي يقي البلدان العربية من التحديات المحدقة بها هو اقرب إلى التفكير الرغائبي الذي يعمق معضلات الأمن الاقليمي العربي ولا يحلها . بالمقابل تقتضي الواقعية أن نعول على أنفسنا وعلى الطاقات الجماعية العربية لكي نواجه التحديات ونخرج المنطقة من الاتون الذي ولجته . في هذا السياق فان الواقعية ألا نطلب الخلاص من “ناتو”، بل ان نعمل وبسرعة على تأسيس “ناتو” عربي يقول للذين يهددون الأمن الاقليمي العربي ما قاله راسموسين لمن يهدد الأمن الأوروبي، أو بالأحرى ما قيل في معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي التي وقعت عام 1950 اذ اعتبر ان من يعتدي على أي بلد عربي، يعتبر معتدياً على سائر الدول العربية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2177874

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177874 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40