الأحد 14 أيلول (سبتمبر) 2014

أساطير “إسرائيل” ومأزقها البنيوي الوجودي

الأحد 14 أيلول (سبتمبر) 2014 par علي جرادات

قبل العدوان الأطول والأكثر همجية على الفلسطينيين من بوابة غزة، وظف قادة “إسرائيل” انشغال العالم بالتحولات العاصفة، عربياً وإقليمياً ودولياً، لتصعيد هجومهم السياسي والميداني بهدف إملاء شروطهم الصهيونية لإنهاء الصراع . ألهب ذلك لسنوات الحالة الشعبية الفلسطينية وحوّلها إلى ما يشبه برميل بارود قابل للانفجار . لكن غياب العامل الذاتي، (الشرط القيادي الوطني الموحد)، كبح جماح تحويل الهبات الجماهيرية المتلاحقة إلى فعل انتفاضي ممتد وشامل . ففي حين تشبثت قيادة “فتح” بخيار التفاوض العقيم والتنسيق الأمني المدمر، تشبثت قيادة “حماس” بخيار تغليب انتمائها التنظيمي الأيديولوجي “الإخواني” على انتمائها الوطني الفلسطيني والقومي العربي . ما قاد إلى اختزال إنهاء الانقسام الداخلي في صفقة تشكيل “حكومة توافق وطني” شكلية لم تنه معضلات: تقاسم “السلطة الفلسطينية”، وإحلال جناحيها المتصارعين محل منظمة التحرير الفلسطينية، وغياب البرنامج السياسي الوطني القادر على توحيد الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وعلى إنهاء تعاقد أوسلو والتزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية، وعلى مغادرة سياسة عشرين عاماً وأكثر من التفاوض لأجل التفاوض، ونحو 10 سنوات من لعبة “التهدئة” المجانية التي تُزيف الصراع وتظهره صراعاً بين دولتين بجيشين متكافئين، بينما هو في الواقع صراع بين احتلال غاشم وشعب يعيش مرحلة تحرر وطني، من حقه أن يمارس المقاومة بمعناها الشامل وأشكالها كافة، وأن يرفع منسوبها أو يخفضه ويختار شكلها المناسب بقرار وطني موحد ودون التزامات تكبله .
في إطار هذه اللوحة السياسية المنقسمة والملتبسة، فلسطينياً، والمجافية، دولياً وإقليمياً وعربياً، وقع العدوان الصهيوني البربري المبيت لضرب البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية المسلحة بمشاربها السياسية كافة، وتأليب شعبها عليها خياراً وثقافة وبنية وتاريخاً، وإقناعه بأن لا خيار أمامه غير خيار العودة إلى التفاوض بالشروط الصهيونية التعجيزية ذاتها، وتحت الرعاية الأمريكية المعادية ذاتها . فماذا كانت نتائج العدوان، ميدانياً وسياسياً؟
بصمود أسطوري ثمنه تضحيات بشرية جسيمة وغالية، ودمار مادي شامل منقطع النظير، التفّ الشعب الفلسطيني حول مقاومته الباسلة، واحتضنها، وحقق إنجازاً ميدانياً، هو بمنطق المقاومة واختلال ميزان القوى، نصر استراتيجي، اعترفت به، بتفاوت، أغلبية منظومة العدو الفكرية والسياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية والشعبية . ما يعني أن إنجاز معركة غزة، بوصفها ليست أولى، ولن تكون آخر، المعارك المفروضة على الشعب الفلسطيني ومقاومته الدفاعية ضد حرب الاحتلال العدوانية المفتوحة منذ بداية الغزوة الصهيونية، يمثل قفزة نوعية في التطور التراكمي لإنجازات المقاومة الفلسطينية، وبرهاناً جديداً على أن النظام الصهيوني السياسي العسكري الأمني والاستيطاني يعيش مأزقاً بنيوياً، لا يتعلق بالعجز عن ضمان استمرار عوامل الأمن والاستقرار والرفاه ل“إسرائيل”، وحسب، إنما بالعجز عن ضمان استمرار عوامل وجودها وتوسعها بالقوة وبتدفق موجات الهجرة، أيضاً . أما لماذا؟
ليس من المستغرب أو المفاجئ، بل من الطبيعي والمنطقى، ألا يصمد النظام الصهيوني الذي تأسس على الأساطير أصلاً أمام حقائق الواقع . فمن اهتزاز أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” في حرب ،1973 إلى الخروج العسكري من التجمعات السكانية الأساسية في الضفة وغزة بفعل الانتفاضة الشعبية، ،1987 إلى فك الارتباط العسكري والاستيطاني الأحادي مع قطاع غزة بفعل انتفاضة الأقصى المسلحة، ،2000 إلى الاندحار العسكري دون قيد أو شرط من الجنوب اللبناني، ،2000 إلى الفشل الذريع، بل الهزيمة، للعدوان على لبنان، ،2006 وصولاً إلى الإخفاق الميداني الكبير بكل المعاني للعدوان الأخير على قطاع غزة، سواء لناحية عجز الجيش الصهيوني عن تحقيق نصر حاسم وواضح، أو لناحية شل حياة “الإسرائيليين” واضطرار أغلبهم إلى العيش داخل الملاجئ طيلة خمسين يوماً، أو لناحية شل الملاحة الجوية “الإسرائيلية” جزئياً، أو لناحية، (وهنا الأهم)، نزوح جميع المستوطنين مما يسمى “مستوطنات غلاف غزة”، بما يذكر بالنزوح المماثل لمستوطني “المستوطنات الشمالية” طيلة مدة عدوان 2006 على لبنان، وبإخلاء الكثير من مستوطني الضفة وغزة لبيوتهم إبان الانتفاضة “الأولى”، ،1987 وأكثر منهم بكثير إبان الانتفاضة “الثانية”، 2000 . وأكثر من ذلك، فإن كثيراً من هؤلاء المستوطنين الذين يعربدون ويرتكبون أفظع جرائم القتل والاعتداء على ممتلكات الفلسطينيين ومقدساتهم في زمن “الهدوء”، لا يفرون من منازلهم إلى مناطق أكثر أمناً داخل “إسرائيل”، فقط، بل يهاجرون إلى خارجها أو تراودهم فكرة مغادرتها، في زمن اشتداد المقاومة الفلسطينية . يلحظ ذلك بيسر كل من يتابع ما تنشره وسائل الإعلام الصهيوني عن تنامي ظاهرة الهجرة المعاكسة، ارتباطاً بتنامي ارتداد حروب “إسرائيل” العدوانية إلى نحر “جبهتها الداخلية” .
كل ما تقدم يقودنا إلى استخلاص أن خيار الوحدة والمقاومة هو الخيار القادر على تعظيم مأزق “إسرائيل” البنيوي وتعميقه، وعلى تحقيق الانجازات الوطنية الفلسطينية، وعلى توحيد خط سير الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات . فاستعداد هذا الشعب للتضحية والتحمل والصمود ليس مجال شكٍ، لكن قياداته إما أن ترتقي إلى مستواه وتقويه وإما أن تهبط دونه وتضعفه . ولا يقلل من شأن هذه الاستخلاص أن الشق السياسي لمعركة غزة ما زال محتدماً . فالعدو مستنداً إلى ما ارتكبه من مجازر غير مسبوقة ودمار منقطع النظير، وإلى ما يحظى به من دعم تقدمه دول الاستعمار الغربي، ورأسها الأمريكي تحديداً، وإلى انشغال مراكز القوة العربية بهمومها الداخلية، وإلى تجدد خطاب الانقسام الفلسطيني الداخلي المدمر، ما زال يعمل في السر والعلن على إجهاض الإنجاز الميداني للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وتحويله إلى هزيمة سياسية عبر تمرير مشاريع تختلف شكلاً وتتفق مضموناً على فكرة: “غزة خالية من السلاح والأنفاق” مقابل إعادة الإعمار وتنظيم الحصار والعودة إلى استئناف المفاوضات الثنائية تحت الرعاية الأمريكية . أما عن “الخطة الجديدة لإنهاء الاحتلال”، فإنه لا جديد فيها إن لم يسبقها وقف التراشق الإعلامي بين طرفي الانقسام الفلسطيني المدمر، توطئة لحل قضايا الخلاف الجدية واستعادة الوحدة بالحوار الوطني الشامل، على طريق إنهاء احتكار الولايات المتحدة لملف القضية الفلسطينية، ونقله إلى هيئة الأمم المتحدة، بدءاً بالانضمام إلى جميع مؤسساتها ومواثيقها ومنظماتها، وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2178522

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178522 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40