الأربعاء 17 أيلول (سبتمبر) 2014

لماذا لا تريد تركيا حرباً على “داعش”؟

الأربعاء 17 أيلول (سبتمبر) 2014 par فيصل جلول

“قبل أسابيع قليلة كانت”داعش“تحتفظ بمعسكر تدريب علني في منطقة غازي عينتاب” المحاذية للحدود التركية السورية بحسب مصدر صحفي تركي موثوق . مصدر صحفي آخر أكد أن تركيا تعالج جرحى “داعش” الذين يلجأون إلى أراضيها هرباً من طيران ومدفعية الجيش السوري .
ويتسع الدور التركي أكثر فأكثر عندما نعلم أن أياً من مقاتلي هذا التنظيم لم يكن قادراً على الوصول إلى الشمال الحلبي من دون موافقة أو رعاية أو دعم تركيا التي تقول بعض مرجعياتها إنها ترد على دعم سوري سابق في التسعينات لحزب العمال الكردستاني، علماً بأن هذا الدعم كان قد توقف مع مطلع الألفية الثالثة لتحل محله علاقات ثنائية جيدة قطعتها أحداث ما عرف باسم “الربيع العربي” .
بما أن تركيا العضو في الحلف الأطلسي والتي تحتفظ بقاعدة انجرليك الحربية الاستراتيجية الأمريكية ما كان بوسعها أن تبقى خارج التحالف الدولي لمكافحة “داعش”، وما كان بوسعها أن تقف معه بحماس متناسب مع حماس الدول الغربية . وقد انعكس ذلك في الموقف الرسمي التركي المعلن: لا مشاركة في ضربات عسكرية ضد “داعش”، والسماح للطائرات الحربية الأمريكية باستخدام قاعدة انجرليك في مهمات إنسانية ولوجستية .
ثمة من يرى أن للأتراك سبباً ظاهراً وكابحاً للحماس في هذه المعركة الجديدة ضد الإرهاب فهم يؤكدون عدم رغبتهم في إثارة منظمة تعتقل 40 شخصاً من بعثتهم الدبلوماسية في الموصل وبالتالي تعريض حياتهم للخطر، مع أن بعض المعارضين الأتراك يعتقدون أن حكومة أردوغان أصرت على بقاء بعثتها الدبلوماسية في الموصل رغم سقوطها بيد “داعش” وأن مواطنيها تعرضوا للخطر كما غيرهم من الأجانب، ويذهب المعارضون بعيداً بالقول إن أنقرة تمكنت عبر هؤلاء الأسرى من التذرع بموقف متحفظ من المشاركة العسكرية في الحملة الدولية . .
أكبر الظن أن الموقف التركي من “داعش” وغيرها من المنظمات المشابهة لا يحتاج تفسيره إلى نظرية المؤامرة، فرجب طيب أردوغان كان وما زال يتصرف بوصفه قائد الحملة الإقليمية لإسقاط النظام السوري، وبالتالي لم يكن منزعجاً من نشوء وتوسع نفوذ هذه المنظمات في الشمال السوري المحاذي وتسهيل عملها وانتقالها من وإلى الأراضي السورية . وفي هذا السياق يمكن النظر إلى أرقام الأجانب المشاركين في القتال في سوريا حيث تحتل تركيا المرتبة الأولى عبر 3000 تركي يليهم المغاربة والخليجيون والأوروبيون . .الخ .
وفي هذا السياق يمكن النظر أيضاً إلى احترام “داعش” وغيرها نصب “سليمان شاه” في الشمال السوري رغم تحطيمها لكل الأنصبة والرموز الإسلامية الأخرى، وذلك كي لا تتجاوز الخط الأحمر الذي رسمه أردوغان حول هذا النصب بقوله إن بلاده ستتدخل عسكرياً لحمايته .
لكن بالمقابل يعتقد أنصار النظام التركي أن أردوغان صار أسير اندفاعه في دعم المنظمات الإرهابية في مواجهة النظام السوري، وإنه ما عاد قادراً على مكافحتها خوفاً من ردود أفعالها داخل الأراضي التركية، فضلاً عن الخوف من عودة المقاتلين الأتراك لتجريب ما اكتسبوه من خبرات قتالية ضد نظام بلادهم، وهذا التفسير للحرج التركي يمتلك قدراً من الصحة غير أنه ليس قاطعاً تماماً فنحن نعرف أن الحكومة التركية اختارت التعاون الاستراتيجي مع تنظيم “الإخوان المسلمين” وإن أدى هذا الأمر إلى التضحية بعلاقاتها الجيدة مع مصر ودول الخليج، ما يعني أن الحسابات التركية في قضية “داعش” لا يمكن النظر إليها من باب أسرى الموصل والخوف من ردود فعل “الجهاديين” الأتراك وإنما من خلال الرهان على “الربيع العربي” لاستتباع المشرق العربي بعد مضي مئة عام على تفكيك الامبراطورية العثمانية بمساهمة عربية لايستهان بها .
من جهة ثانية يمكن النظر إلى الرهان التركي على “الجهاديين” في سوريا والعراق بمنظار كردي، ذلك أن “داعش” شكلت ضغطاً لا يستهان به على البيئة الكردية في سوريا والعراق وهي الحاضنة الأساسية لحزب العمال الكردستاني الذي ارتفعت أسهمه بعد تحطيم الحدود السورية العراقية وزادت قدرته على المناورة بعد تفكيك البيئة الأمنية السورية في الشمال .
وفي السياق نفسه لابد من النظر إلى التغيير الذي يمكن أن يطرأ على الأوضاع في سوريا بعد هزيمة “داعش” المفترضة في الحملة الدولية . ففي هذه الحال سيعود النظام السوري أقوى من ذي قبل وستنشأ على الحدود السورية التركية بيئة عربية مناهضة للأتراك شبيهة إلى حد ما بالبيئة التي نشأت بعد تقسيمات سايكس- بيكو التي استندت أساساً إلى موجة عربية عارمة ضد الاستبداد العثماني . بكلام آخر لن ينحصر ضرر الحملة الدولية على “داعش” بخسارة أداة أساسية من أدوات إسقاط النظام السوري وإنما أيضاً نشوء بيئة سورية وعربية ثأرية ضد الأتراك وأدوارهم المختلفة في الحرب السورية وبذلك يكون الشمال السوري قد انتقل من موقع تتحكم تركيا بحركاته وأدواره إلى مصدر لمتاعب تركية من كل صوب .
يبقى التنافس التركي - الإيراني التاريخي في هذه المنطقة والذي يعود بأصوله إلى القرن السادس عشر حيث كانت إيران تقدم نفسها بوصفها حامية لفئة مسلمة من العرب وتركيا بوصفها حامية للفئة الأخرى واعتراف كل طرف بشرعية الطرف الآخر ونفوذه في أرض العرب، واليوم يرى أتراك أردوغان أن التاريخ ينتظرهم في سوريا والعراق لاسترداد أمجاد العثمانيين ولمواكبة الصعود الإيراني وموازنته واستقبال المتضررين منه وإن كانوا من طينة “داعش” وسائر القتلة .
يفضي ما سبق إلى خلاصة أساسية مفادها أن تركيا ربما تكون الطرف الأكثر تضرراً من الحملة الدولية على “داعش” لأنها ببساطة تتعارض مع رهانها الاستراتيجي على الحرب في سوريا بوصفها حمالة وعود تركية بالعودة إلى ماض لم يمض بعد في ذاكرة الأتراك، وبخاصة زعيمهم الصاعد أبداً رجب طيب أردوغان الذي يستعد لإعلان تركيا العظمى في العام ،2023 تاريخ إلغاء الخلافة الاسلامية على يد تركي آخر مسكون بأحلام العظمة ويدعى . . مصطفى كمال أتاتورك .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010