الاثنين 22 أيلول (سبتمبر) 2014

العقل قبل شجاعة الشجعان

الناطق العسكري : المعركة الأشرس في الضفة ومروّجو بضائع العدو هدف لقواتنا
الاثنين 22 أيلول (سبتمبر) 2014 par د. عبد الاله بلقزيز

كم علينا أن نضيف إلى رصيدنا من الأخطاء حتى نتبين أننا لا نتقن غير هدر مكتسباتنا، وهدم مابنيناه بالعرق والدم والتضحيات الجسام، وأن حالنا تشبه ما قاله محمود درويش يوماً: “وأهلي كلما شيدوا قلعة هدموها”؟

كم من الوقت المهدور نحتاج إليه حتى ندرك أننا نحن العرب: قيادات ونخباً وجمهوراً بسياساتنا، وأخطائنا القاتلة في تلك السياسات، نستثمر في ما يجعل المصير والمستقبل كالحيف؟
كم من الوقت المهدور يكفينا كي نكتشف أننا نحن قبل العدوّ من يصنع مصائبه بنفسه، ويتبرّع للعدو، أو للخصم، بما قد يحتاجه كي ينجز جراحته فينا، فيمسك بمصيرنا كما يمسك الوحش الضاري بفريسته، فنكتشف متأخرين أنه إنما “جنت على نفسها براقش”؟
كم علينا أن نضيف إلى رصيدنا من الأخطاء حتى نتبين أننا لا نتقن غير هدر مكتسباتنا، وهدم مابنيناه بالعرق والدم والتضحيات الجسام، وأن حالنا تشبه ما قاله محمود درويش يوماً: “وأهلي كلما شيدوا قلعة هدموها”؟
يقدم بعضنا من القوميين واليساريين والليبراليين إقدام الواثق المطمئن إلى سداد رأيه على محالفة الإسلاميين تحت عنوان “الكتلة التاريخية”، من دون أن ينتبه إلى أن المحالفة قائمة على الغش، وأنه لا يفعل من ورائها سوى أنه يخلع الشرعية على تيار سياسي لايؤمن إلا بنفسه، لأنه المالك للحقيقة المطلقة وسادنها، ولا يرى في الصورة والسلطة ومرآتيهما غير نفسه . وبعد أن تقع الواقعة، كما وقعت بعد “الربيع العربي”، ويُسفر “الحليف” عن المخبوء الديكتاتوري، يكتفي ذلك البعض منا بعض الأنامل ندامة فات أوانها بعد أن وقع الفأس على الرأس .
ويطبل أكثرنا للحرية والاصلاح والديمقراطية وهو عنها بعيد بُعد النخب الحاكمة عنها فيكتشف، متأخراً، أن أعداء هذه المطالب هم من ركبوا موجة “الثورة”، وأخذوا البلاد والعباد إلى الحرب الأهلية . وحين تسقط الدولة لا النظام وتسفر “المعركة الديمقراطية” عن عشرات الآلاف من القتلى، ومئات الآلاف من الجرحى، وملايين اللاجئين والنازحين، واقتصاد مدمر، وخراب معمم للمدن والقرى والمصانع والبنى التحتية، وملايين أطفال من دون مدارس . . .، لا يسأل أحد من “الديمقراطيين” نفسه عن حدود مسؤوليته في ماجرى، يعلق خطاياه على شماعة الاستبداد وعلى خذلان “المجتمع الدولي” .
ويتوسل بعضنا جحافل “الجهاديين” التكفيريين في صراعه ضد خصومه، وفي ظنه أنهم مجرد مرتزقة وأن خطرهم موضعي، من دون أن يدرك أن جغرافية فتكهم بالكيانات أوسع بكثير مما نظن، وأن لا حدود تحدهم عن طلب الاستيلاء والسيطرة والسلطان . ثم لا يلبث ذلك البعض منا أن يلجأ إلى الأجنبي طالباً تدخله “لحمايتنا” من الوحش الضاري، المنفلت من عقاله، ناسياً أن الأجنبي نفسه يتوسل تلك الجماعات لتصفية حسابه مع العرب، كل العرب: إسقاطاً لهذا وابتزازاً لذاك .
ويستسهل البعض منا إتيان سياسة التدخل في الشؤون الداخلية لغيره، من وراء القول بدعم مطالب الاصلاح والتغيير والديمقراطية، متجاهلاً أكلاف ذلك التدخل على الأمن والاستقرار في المنطقة، وناسياً أن سياسة التدخل في الشأن الداخلي حمّالة أوجه وسلاح ذو حدين، ناهيك بأنها تجافي مبدأ التضامن العربي و“ميثاق” جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة . والأهم من ذلك أنه ينسى أن مطلب الديمقراطية هو، اليوم، “فيروس سياسي” متنقل لا يستقر على كيانات بعينها من دون أخرى .
أمثلة قليلة من وقائع كثيرة، غيض من فيض . لكنها جميعها تقول شيئاً واحداً، لابد من أن العقل والحكمة يعانيان، اليوم، في بلاد عربية الكلام الفصل فيها للحسابات الضيقة، ولسياسات تصفية الحسابات بين زيد وعمرو! ولعمري إن ذلك ما به تزيد أوضاعنا سوءاً، وتتدهور به علاقاتنا الداخلية المهابة أصلاً بالتدهور، وينحدر به مصيرنا إلى المجهول! ومع أن الكثير الكثير من الزمن ضاع هدراً، ورتب علينا جسيم التبعات، فإن الوقت لم يفت للعود عن هذه الخيارات إلى جادة الصواب، من طريق مراجعة مواقفنا وأخطائنا بالشجاعة الأدبية اللازمة التي لا تعدلها في القيمة شجاعة . لا مناص من توسعة مساحة العقل في تفكيرنا، في رسم سياساتنا، في اتخاذ قرارنا، في بناء موقفنا، في إدارة علاقاتنا العربية . لم يتفوق علينا الغرب إلا بالعقل الذي يسري في مفاصل دوله ومجتمعاته، وليس عزيزاً علينا أن نكون مثله . وقديماً قال أبوالطيب المتنبي حكمته: “الرأي قبل شجاعة الشجعان” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2178823

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبدالإله بلقزيز   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178823 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40