يُخطئ من يعتقد أن ليس خلف الإرهاب “فكر”، وليس وراءه مؤسسات، ولا تحكمه إستراتيجية أو هو حقيقة أعمى كما نصف عملياته المختلفة. هو أعمى حقيقة من حيث شكل الممارسات التي يقوم بها، ولكنه يدرك ما يفعل من خلال جوهر هذه العمليات. الإرهاب اليوم صناعة، حقيقة هو صناعة من حيث المنهج الذي يقوده أو الحركة التي يقوم بها في الواقع أو الغاية التي يستهدفها. غير صحيح أنه يتحرك من فراغ ومن غير أيّ بوصلة، وغير صحيح أنه لا يملك قواعد “فكرية” تبرر سلوكه وإلا ما أخذ كل هذا الزخم ولا استمر طول هذه المدة في العالم الإسلامي بالخصوص. بقي السؤال الكبير والمحير الذي ينبغي أن يُطرح: من يصنع الإرهاب على الصعيد الفكري؟ ولماذا؟
أميل إلى تأكيد الفرضية القائلة أن أغلب أدبيات الفكر المؤسِّس للإرهاب إنما تقوم على ركيزتين:
- إطار منهجي قائم بالأساس على أدبيات المدرسة الواقعية الأنجلوسكسونية والتحليل الجدلي.
- تكييف لهذا الإطار مع متطلبات الثقافة الإسلامية والتراث الفكري في الإسلام بمختلف مفرداته.
أي أن أدبيات الفكر المؤسِّس للإرهاب إنما يقوم بإعدادها متمكّنون في ذات الوقت من المنهج الغربي ومن التراث الفكري عند المسلمين. وإلا كيف نفسِّر استخدام عبارات مثل “القوة وعلاقات القوة” و“القوة الكاذبة” و“السيطرة من خلال القوة المركزية” و“خلط القيم” و“المركز والأطراف” و“خارطة المصالح”... الموجودة في أحد المراجع مثلا جنباً إلى جنب مع عبارات سياسية نشأت في العهود الأولى للإسلام؟ وكيف نفسر قدرة هذه المراجع على الربط بين مفاهيم مثل القوة والمصلحة والفوضى والجهاد والتوحش والصراع بين المركز والمحيط.. لولا ذلك الخيط الرفيع بين مفاهيم المدرسة الواقعية التي تعود جذورها إلى طوماس هوبز فيلسوف الإلحاد السياسي الأول الذي اعتبر الإنسان ذئبا وشريرا ووحشا بطبعه، وذلك الفكر الذي يُنسَب إلى المسلمين المتعلق بالتكفير وإباحة القتل والتخريب بوحشية لا نظير لها؟
بل كيف نفسر وجود نوع من التحليل الجدلي في العلاقة بين المتضادين، الغرب والإسلام، في تلك الكتابات؟
أليس في ذلك دلالة على الصناعة المشبوهة لـ“الفكر” المبرر للإرهاب اليوم؟
ألا يكفينا أن نعرف أن أغلب أصحاب هذه الرسائل والمؤلفات والأوراق التي يتم الترويج لها إعلاميا على نطاق عالمي هي إما مجهولة المؤلفين أو تُكتب بأسماء مستعارة أو مثيرة للجدل أو غير قابلة للإثبات؟ ألا يكفينا هذا دليلاً للتساؤل عن من يصنع الإرهاب ومن يصوغ “فكره”، وأن لا علاقة له بروح الفكر والمنهج الإسلامي كبداية أولى للوعي بخطورته والتصدي له؟