الثلاثاء 27 تموز (يوليو) 2010

الدورة التاريخية : «حماس» تحت المجهر (3)

الثلاثاء 27 تموز (يوليو) 2010 par د. أكرم حجازي

ما أن أُعلنت «حماس»، كحركة إسلامية جهادية لا علمانية، عن نيتها المشاركة في الانتخابات البلدية، ثم دخول العمل السياسي الحكومي عبر المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي حتى بدا، للمراقبين ولكل متابع للشأن الفلسطيني أو عامل به، أن الحركة بدأت تنقلب على ماضيها وثوابتها بمقدار 180 درجة، خاصة كلما اتجهت نحو التسوية السياسية، وبحثت عن حل سياسي للقضية الفلسطينية. وحدها حركة «حماس» ومعها مؤيدوها وقواعدها من جماعة الإخوان المسلمين في شتى أنحاء العالم مَنْ يرون أنها ما زالت متمسكة بتراثها وتاريخها ومبادئها. لكن الاعتقاد بالحل السياسي والبحث عنه، بلا شك، هو اختيار ينكره تاريخ الحركة وكل وثائقها وتصريحات رموزها ابتداء من الانطلاقة وحتى الإعلان عن المشاركة في العمل السياسي الرسمي. كما أن مزاعم التمسك بأمر والعمل به؛ يفنده واقع الحال جملة وتفصيلاً.

مع ذلك؛ فإذا كان التوجه السياسي لـ «حماس» يثير حفيظة من آمن بها وراهن عليها ودافع عنها في السنوات الماضية باعتبارها أهم القوى الفلسطينية المقاتلة، ورأى فيها أملاً للخروج من مستنقعات السياسة المدمرة لمنظمة التحرير ووليدتها المسماة، زوراً، بـ «السلطة الفلسطينية» فإن هذا الأمل يبدو أنه آخذ بالتلاشي ليس لأن راهن الحركة يناقض ماضيها، ولا لأنها تعيش وقائع هدنة اختيارية مع «إسرائيل» جمدت بموجبها العمل العسكري وطاردت من يخالفها الرأي، بل لأن الخطاب السياسي الراهن لها، وهو يماثل سلفه العلماني، بات يحمل من المهانة والانحطاط بما يكفي أو يزيد في المنافسة عما حمله خطاب المنظمة زمن الراحل ياسر عرفات. فالسلوك السياسي نفسه، وكذا التصريحات والعلاقات والتحالفات والتوجهات، كلها أفعال متشابهة ومتماثلة لدرجة التطابق في أغلب الأحايين. فما الجديد إذن سوى تغير الوجوه في زمن لا تهب عليه رياح التغيير إلا لتخلف انهياراً أو تراجعاً ما؟

في هذه المقالة لا يعنينا قط مناقشة حال المنظمة أو السلطة اللتين سقطتا تباعاً في دائرة السيطرة الصهيونية والأمريكية سقوطاً تاماً، ولا مناقشة أطروحات حركة «حماس» السياسية ومدى تناسقها مع ميثاق الحركة، فقد سبق لنا وناقشنا هذا المحور باستفاضة في كتاب «حديث الإفك / ص 76 - 78» أو عبر سلسلة «ثمانون عاماً .. حماس والمشاريع الخادعة - 3»، بل قراءة جوهر كل هذه الأطروحات في ضوء التصريحات السياسية لرموز الحركة والتبريرات الشائعة وكذلك في ضوء الواقع والتجارب السابقة والمحتملة.

«حماس» والاعتراف بـ «إسرائيل»

فبعد أن نقضت الحركة تعليمات الميثاق؛ وإعلان خالد مشعل عن تجاوزه بصريح القول، خلال مقابلة له على شبكة «بي بي إس - 6 /6/2010» الأمريكية : «على العالم بأسره التعامل مع حماس، ومع ما تمارسه، ومع موقفها السياسي المُعلن، وليس مع الميثاق الذي وُضع منذ عشرين عاماً»؛ وكذا، بعد تصريحات القادة الأوائل المنكرة لوجود «إسرائيل»؛ وبعد أن شاركت الحركة في الانتخابات البلدية، ومن ثم دخلت العملية السياسية كشريك لـ «السلطة الفلسطينية» في انتخابات العام 2006؛ صارت «حماس» تنادي بحل سياسي للقضية الفلسطينية يقبل بدولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود العام 1967 مع التمسك بما يسمى «الثوابت» أو «الحقوق الفلسطينية الثابتة» بشرط عدم الاعتراف بـ «إسرائيل» والاستعاضة عن ذلك بهدنة مؤقتة لمدة عشر سنوات. وعليه فهي ترفض مبدأ حل الدولتين الذي وافق عليه العرب والغرب ممثلاً باللجنة الرباعية المكلفة بمتابعة حل الصراع بين الفلسطينيين واليهود. هذا هو الموقف الشائع لدى حركة «حماس» وخاصة عند قواعدها التنظيمية وأنصارها وعموم الإخوان المسلمين داخل فلسطين وخارجها بلا استثناء.

والحقيقة أن كل مواقف «حماس» السياسية وتبريراتها معطوفاً عليها مواقف مؤيديها ومناصريها تصطدم بمئات التساؤلات التي يثيرها المعارضون والمتخوفون والخصوم والمحللون والمراقبون دون أن تجد لها جواباً شافياً يمكن الاطمئنان إليه. بل أن التبريرات التي يجري تسويقها بلا أدنى منطق لا يمكن لها أن تصمد حتى في أول اختبار لها سواء على مستوى الواقع أو التحليل أو حتى عبر تصريحات قادة «حماس» التي تتوالى دون حساب لتعمق من الهوة بدرجة يصعب معها الترميم والترقيع.

باختصار؛ فقد باتت اللغة الوحيدة عند «حماس» هي لغة السياسة، وغدا كل القادة في الداخل والخارج يقبلون بالتسوية والحل السياسي للقضية الفلسطينية، وبالتالي لا وجود لأية لغة عقدية في الصراع مع «إسرائيل». وكي تكون الصورة واضحة لمن خفي عنه الأمر، فإن من يبحث عن التسوية أو السلام مع «إسرائيل» سيستعمل، بالضرورة، مصطلحات مقبولة من قبيل «الثوابت السياسية» للشعب الفلسطيني، وتبعاً لذلك فهو بالتأكيد لن يجرؤ على التحدث بلغة «الثوابت الشرعية» ولا بلغة «الحقوق التاريخية» بل بلغة الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة التي تحظى باحترام «حماس»، وبما قررته الأمم المتحدة وأسمته بـ «حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف» كحق العودة وتقرير المصير أو بقضايا اللاجئين والقدس والمستوطنات والسيادة والعدل. ولا يخفى أن مثل هذه الحقوق والثوابت يجري استنزافها على قدم وساق جغرافياً وديمغرافياً، وعبر تفريغ القضية من بعدها العقدي والتاريخي، وحتى عبر الاستنزاف المجاني والخطير جداً في المواقف السياسية. ولما تصل الأمور إلى هذا المستوى من الانحدار فلا شك أن علامة فارقة غدت ترتسم في الأفق لا معنى لها إلا القول الصريح بأن الفاعل الاستراتيجي الوحيد المتبقي في زجر «حماس» وغيرها أو التأثير على سياساتها بات من نصيب الدورة التاريخية التي تجري وقائعها دون أن يستطيع أحد وقفها.

فالمتابع لتصريحات قادة «حماس»، فيما يتعلق بالاعتراف بـ «إسرائيل» أو بعلاقاتها الدولية، لم يعد قلقاً بقدر ما تتملكه الدهشة والإثارة مما يسمع أو يشاهد أو يقرأ بغض النظر عن كون «حماس» جماعة إسلامية أو وطنية أو حتى سياسية. إذ أن بعض التصريحات لم يسبق أن أدلى بها أعتى رموز التيارات العلمانية بكافة أطيافها حتى تلك الحريصة على التقرب من دوائر السياسة والإعلام الغربية والدولية.

فحين كتب بسام أبو شريف مقالته الشهيرة في صحيفة «الواشنطن بوست» متحدثاً فيها عن سلام بين الشعبين الفلسطيني و«الإسرائيلي» واعتراف متبادل قامت الدنيا يومها ولم تقعد عليه خاصة وأنه كان يشغل آنذاك منصب مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. والحقيقة أن المقالة، المدفوعة الأجر، كانت إحدى مقدمات العلاقة مع المنظمة والتصالح لاحقاً مع «إسرائيل» على قاعدة «اتفاق أوسلو» الذي وُقِّع مع «إسرائيل» سنة 1993. لكن في 17/4/2008 فوجئنا بمقالة أخرى في ذات الصحيفة كتبها هذه المرة إسلامي هو د. محمود الزهار بعنوان صريح لا لبس فيه : «لا سلام بلا حماس». وهو عنوان مطابق لما سبق وعبرت عنه المنظمة حتى صار شعاراً سياسياً لها : «لا سلام بدون منظمة التحرير الفلسطينية»! وهو شعار جديد لـ «حماس»، بنسخة شخصانية بائسة، كرره الدكتور يوسف رزقه، المستشار السياسي لإسماعيل هنية، في تصريح لوكالة «معا - 10/3/2010» حين قال : «أن العالم أدرك أنه بدون الحديث إلى هنية وحماس ومشعل لا يمكن أن يحقق ما يسميه الغرب بالتسوية والمفاوضات وأي نجاحات على أرض الواقع، مشدداً على أن حماس والحكومة المقالة تمثلان رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية والدولية لا يمكن تجازوها».

لا ريب، لمن يدرك العمل الصحفي ويعرف خباياه وقوانينه، أن الكتابة في صحيفة بحجم «الواشنطن بوست» ليس متاحاً حتى لأعتى الصحفيين في العالم ما لم يكن ثمة ما يبرر الكتابة أو يقدم ثمناً ملائماً لمنبر لا يتسع إلا لنخبة النخب وذوي المصالح الكبرى، وبما أن د. الزهار كتب عن «السلام» وليس عن «التسوية» فليس من المتوقع ولا من المعقول أن يهاجم «إسرائيل» أو الولايات المتحدة. لكن من هي الجهة التي استهدفها د. الزهار بالمقال؟ وماذا أراد أن يقول لها بالضبط؟ وما هي الحاجة للكتابة في الصحيفة خاصة وأن المراسلات والحوارات السياسية والاستطلاعية لم تنقطع، كما أن قنوات الاتصال مع الأمريكيين متعددة ومفتوحة سواء في غزة أو في الدول العربية أو الأوروبية؟!

في 26/7/ 2009 أعلنت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني عن توصية تقدمت بها إلى الحكومة البريطانية قبل سنتين دعت فيها إلى فتح حوار مع حركة «حماس». وقد تبع الإعلان البريطاني هذا عاصفة من التصريحات التي استبشرت بقرب انفراج الموقف السياسي تجاه الحركة وفك الحصار عن غزة لدرجة أثارت شهية سامي أبو زهري وهو يعلق على الموقف البريطاني على قناة «الجزيرة» واصفاً إياه بـ «الموقف الحكيم»! لكن من يرى في الموقف البريطاني حكمة تستحق الثناء؛ عليه أن يخسر من رصيده ورصيد الشعب الفلسطيني حين يحدد ما إذا كانت بريطانيا حكيمة أم حمقاء لمّا أصدرت «وعد بلفور» قبل أن يطالبها بالاعتذار عنه، وعليه أن يخبر الناس عن السبب الذي جعل بريطانيا توجه نصيحتها لشقيقاتها الأوروبيات، وعن مضمون الحوار والجدوى منه! فالذي نعلمه ويعلمه الجميع أنه لا بريطانيا ولا أوروبا ولا الولايات المتحدة ولا حتى روسيا أو الصين مجبرة على الترحيب بشروط «حماس» لإقامة دولة فلسطينية لا تعترف بـ «إسرائيل». وعليه فإن كل ما في الأمر يكمن في أن الاعتراف ليس سوى ورقة سياسية ينبغي المحافظة عليها والحذر من التفريط بها، بلا ثمن، كي لا تكون نهاية «حماس» كنهاية منظمة التحرير، لأن المنطق السياسي يقول أن الاعتراف بـ «إسرائيل» مسبقاً سيعني بالضرورة دعوتها للاندماج بالسلطة الفلسطينية أو حتى إسقاطها وتغييبها عن الفعل السياسي نهائياً.

لكن الحذر من التفريط الصريح بورقة الاعتراف بـ «إسرائيل» لا يعني، شكلاً أو مضموناً، أن الورقة محصنة وغير قابلة للاختراق سياسياً وواقعياً، إذ أن (1) إعلان خالد مشعل في أول مؤتمر صحفي عقده في العاصمة السورية - دمشق، بعد فوز الحركة في الانتخابات التشريعية، بأن «حماس» مستعدة للتسوية إذا عرض عليها مشروع قابل للنقاش، وكذا (2) احترام الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة مع «إسرائيل» كما جاء في وثيقة الوفاق الوطني بين حركتي «حماس» و «فتح»، و (3) تفويض مشعل للرئيس أبو مازن، بعد اتفاق مكة (8/2/2007) ، لملف التسوية وإنجاز اتفاق سلام مع «إسرائيل» : «بشرط أن يقبله الشعب الفلسطيني في استفتاء أو يقبله مجلس وطني فلسطيني منتخب جديد»، و (4) تأكيده بأن «حماس» : «لن تكون عقبة أمام أي تحرك جاد ينهي الاحتلال «الإسرائيلي» ويؤدي إلى قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأرض وعلى الحدود (1967) وعلى كل مظاهر السيادة»؛ كل هذه الالتزامات والتلميحات، معطوفاً عليها سلسلة طويلة من التصريحات المماثلة لقادة «حماس»، ليست من قبيل إبداء المرونة فقط بل من آليات التقدم نحو الاعتراف الرسمي بـ «إسرائيل» بقطع النظر عن المبررات الشكلية.

واضح أن المسألة سياسية بحتة قابلة للاختراق وإلا ما كان أحمد يوسف مستشار إسماعيل هنية مضطراً لأن يصرح لصحيفة «الشرق الأوسط - 14/3/2007» بأن : «فكر حماس قد يشهد تحولات أيديولوجية خلال الفترة المقبلة»، وهو ذات التصريح الذي كرره لاحقاً وزير داخلية «حماس» فتحي حماد خلال الحوار الذي أجرته معه صحيفة «الأسبوع القاهرية - 19/6/2009» حين قال : «قدمنا تنازلات قد تمس عقيدتنا». فما هي المواضع التي ستمس الأيديولوجيا أو العقيدة إنْ لم يكن الاعتراف بـ «إسرائيل» أبرزها وأكثرها حضوراً على المنابر الإعلامية والقواعد التنظيمية وحتى عامة الناس؟

لا شك أن تخريج مسألة الاعتراف إعلامياً وسياسياً ستأخذ وقتاً عبر انسياب المزيد من بالونات الاختبار الصريحة تارة والغامضة تارة أخرى والمتبوعة بين الحين والحين بنفي أو صمت بحسب ردود الفعل عليها. ففي تصريحات لصحيفة «الإكونومست البريطانية - 1/8/2009» نفاها لاحقاً بحجة وجود «خطأ في الفهم أو تلاعباً في الترجمة» قال د. أحمد يوسف مخاطباً مراسل الصحيفة : «دعونا نجلس ونتحدث.. من الظلم أن نضع شروطاً مسبقة» مشيراً إلى سلسلة قرارات الأمم المتحدة التي تقول إن «إسرائيل» تجاهلتها على مدار السنوات من دون أن يتم منعها عن المفاوضات كنتيجة لذلك «فـ «الإسرائيليون» خدعوا المجتمع الدولي بقولهم إن حماس لا تعترف بـ «إسرائيل»، فقد قلنا إننا نقبل بدولة فلسطينية على حدود 1967 التي تمثل 20% من أرض فلسطين، فقد اعترفت فتح رسمياً بـ «إسرائيل» لكن علام حصلت في المقابل؟ لقد عرضنا هدنة ما بين عشر لعشرين عاماً من أجل بناء الثقة ومن أجل خلق مناخ أفضل».

لكن في رسالة وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وتناقلتها وسائل الإعلام في 23/9/2009، ولم يتبعها أي نفي، قال رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية : «لن نضع العراقيل أمام أي جهود لتحقيق دولة فلسطينية حرة ومستقلة على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، والقدس عاصمة لها»، هكذا وكأن الأمر شيك على بياض يمكن تعبئته بما تشتهي الولايات المتحدة و«إسرائيل». وحتى لا يكون ثمة مجال لأي غموض أوضح هنية : «بالرغم من أن التوثيق التاريخي الطويل يبين أن المجتمع الدولي دعم بثبات وبطرق مختلفة حل الدولتين القائم على انسحاب «إسرائيلي» كامل إلى حدود حزيران/ يونيو 1967، وحل قضية اللاجئين القائمة على حق العودة والتعويض، إلا أن «إسرائيل» والولايات المتحدة رفضتا هذا الحل باستمرار». ومن يدقق في التصريح سيلاحظ أن «حماس» قبلت بحل الدولتين، وفقاً لشروط الحد الأدنى (21% من مساحة فلسطين)، والطريف في التصريح أنه لم يتحدث لا عن هدنة ولا عن شرط عدم الاعتراف بـ «إسرائيل»!!! والسؤال : لماذا يضطر أحمد يوسف لنفي تصريحاته بينما لا يفعل هنية ذلك علماً أن تصريحات هذا الأخير أخطر من تصريحات الأول؟ لا بأس. فلنتابع.

في 17/3/2007 أجرت مجلة «المشاهد السياسي» حواراً مع خالد مشعل تعرض فيه لمسألة الاعتراف بـ «إسرائيل» فأجاب : «حركة حماس تعترف بوجود «إسرائيل» كحقيقة على أرض الواقع، لكن الاعتراف الرسمي بها لن يتم إلا بعد قيام دولة فلسطينية. ونحن كما تعلم ويعلم الجميع، أننا في حماس، ومع الموقف الفلسطيني الوطني العام والموقف العربي، مجمعون على ضرورة قيام دولة فلسطينية بحدود 4 حزيران (يونيو) 67، بما فيها القدس وحق العودة والانسحاب «الإسرائيلي» لهذه الحدود». هذه الإجابة متوافقة تماماً مع عموم الموقف الفلسطيني الرسمي والقرارات الدولية والمبادرات العربية وما يسمى بالمجتمع الدولي، وكل هؤلاء لا ينكرون الاعتراف بـ «إسرائيل» إذا تم التوصل إلى تسوية معها، بل أن بعض الدول العربية تقيم مع «إسرائيل» معاهدات سلام رسمية. فكيف لـ «حماس» أن تخرج عما تضع نفسها رهينة له؟ وما قيمة شرطية الاعتراف بعد قيام الدولة إلا أن تكون ورقة سياسية تتحصن بها الحركة كي لا تقع فريسة كما وقعت من قبلها منظمة التحرير الفلسطينية حين خسرت ورقة الاعتراف مسبقاً؟

نفس الإجابة كررها مشعل في مؤتمر صحفي نظمته وكالة «نوفوستي 8/2/2010» خلال زيارته لروسيا، وفي مداخلته أشار إلى قبول العرب والفلسطينيين بسلام عادل وشامل وحقيقي يلبي تطلعات العرب ويعيد الحقوق العربية والفلسطينية، مؤكداً أن «إسرائيل» هي «العقبة» وليست «حماس» التي هي جزء من الحل وليست جزء من المشكلة. وعلى موقع الوكالة قال : «نحن وافقنا على قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 هذا جزء من المرونة التي قدمتها الحركة. لكن نقول إننا لا نعترف بـ «إسرائيل». فالدولة الفلسطينية عندما تنشأ على حدود 1967 وبحريتها وبقرارها المستقل وباستفتاء شعبها في الداخل والخارج تقرر هذا الموضوع. وأضاف أن حماس، وبصرف النظر عن قناعاتها، تحترم قرار الأغلبية في الشعب الفلسطيني ولو خالف بالرأي موقفها».

باختصار؛ ما الذي تريده «حماس» بعيداً عن اللف والدوران؟ إذ ليس من المعقول أن يكون موقف الحركة من مسألة الاعتراف يحتاج كل هذا السيل من التصريحات في بضعة سنين. فلا تكاد تمر مناسبة أو لقاء أو حوار إلا ونجد تصريحاً جديداً وكأن مسألة الاعتراف باتت حدثاً مستمراً لا ينفك عن التفاعل في كل حين.

لنستطلع بعض تصريحات د. محمود الزهار فسنجد فيها ما يثير الدهشة حقاً ويحل أغلب الألغاز. ففي مقابلة له مع صحيفة «المصري اليوم - 25/6/2010» تعرض الزهار للسؤال التالي :

«السؤال : أنتم توقفون إطلاق الصواريخ على «إسرائيل».. وليس هناك أي عمل عسكري لـ «حماس»؟».

«الزهار : أنتم لا تفرقون بين المقاومة والعمل العسكري، الانتفاضة الأولى كانت مقاومة غير مسلحة، نحن متمسكون بخيار المقاومة، ونحن هنا في غزة حققنا هدفنا بتحرير غزة، والباقي هو إتاحة الفرصة لتحرير الضفة، وبالتالي لا مبرر لإطلاق الصواريخ من غزة، والصحيح أن تطلق من الضفة لكن «أبو مازن» لن يسمح بذلك». وهو موقف سبقه إليه خالد مشعل حين صرح لصحيفة «النيويورك تايمز 5/5/2009» بأن : «مقاتليه أوقفوا إطلاق الصواريخ من قطاع غزة».

إذن «حماس» تعتبر غزة محررة، وعليه فلا يجوز لأية قوة أن تطلق النار على «إسرائيل». وهذا يفسر إلى حد كبير استماتة «حماس» في طلب الهدنة والدفاع عنها حتى لو كلفها ذلك مطاردة المجاهدين ونزع سلاحهم وسجنهم وحتى قتلهم في المساجد، ووصف الصواريخ بالمشبوهة ومطلقيها بالخيانة والعمالة والعابثين بمصالح الشعب الفلسطيني! وهي التهم التي ساقتها ضد من عاب عليها ذات الفعل في زمن السلطة. كما يفسر الاستماتة السياسية لـ «حماس» في توجهها نحو الغرب وخاصة الولايات المتحدة كحركة تعتقد أنها معنية بالحل وفي نفس الوقت قريبة منه، كما يفسر رغبتها في ممارسة الحكم والسلطة بعيداً عن أية معارضة أو مخالفة لسياساتها. وإذا أضفنا إلى ذلك فرض التهدئة ولو من طرف واحد، سراً أو علانية، وتبريرها بالحفاظ على مصالح الشعب الفلسطيني، أو عدم قدرة غزة على تحمل حرب أخرى فضلاً عن الحصار المضروب عليها؛ فهذه كلها مصالح تنظيمية صرفة وليست مصالح الشعب الفلسطيني لا سياسياً ولا عقدياً. كما أن هذه السياسات والتبريرات تكذبها أيضاً تصريحات د. الزهار نفسه وهو يتحدث عن «حل مشرف» للصراع مع «إسرائيل». ففي مقابلة له على قناة «الجزيرة» (8/2/2009) دعا الزهار إلى : «بذل الجهود للتوصل إلى اتفاق مشرف يحفظ للشعب الفلسطيني حقه وكرامته».‏ ولا ريب أن التحدث بلغة التشريف وحفظ الكرامة من شأنه أن يلغي ويسقط كافة الشروط المعلنة كالهدنة الطويلة أو الاعتراف بـ «إسرائيل» أو معارضة حل الدولتين باعتبارها مجرد أوراق سياسية ليس بعيدا أن تنتهي إلى «حل» لكن «بلا شرف»، خاصة وأن قيمة ورقة الاعتراف لم تعد تساوي أكثر من قيمة ورقة المصالحة الفلسطينية في بورصات السياسة العربية.

آخر العنقود من التصريحات البغيضة هي تلك التي أدلى بها خالد مشعل حول العلاقة مع الولايات المتحدة، والتي ما سبقه إليها أحد من شياطين «أوسلو» و«دايتون». ففي مقابلة له مع شبكة «بي بي إس - 6/6/2010» الأمريكية قال : «ليست لدينا أي مشكلة من أي نوع مع الولايات المتحدة أو مع المصالح الأميركية». هذا الكلام يقوله مشعل بينما تضع الولايات المتحدة حركة «حماس» على قائمة المنظمات «الإرهابية»!!! كما أن مقر الحركة الصهيونية «إيباك» في واشنطن منذ سنة 1942، وأن الولايات المتحدة بزعامة الرئيس ترومان هي من قررت أن يكون النقب (صحراء فلسطين) ضمن حدود الدولة اليهودية قبل التصويت بقليل على قرار التقسيم. لسنا ندري ما نقول إزاء هذا الجنون من التصريحات المهينة إلا أن يكون القوم قد فقدوا صوابهم وهجروا العقيدة والتاريخ والواقع.

حتى ياسر عرفات الذي قال عبارته الشهيرة، بعد توقيع «اتفاق أوسلو»، في واشنطن : «وجدت صديقاً في البيت الأبيض» لم يعطوه شيئاً! بل هددوه وحاصروه وأذلوه وقهروه ثم قتلوه. فماذا ينتظر خالد مشعل من تبرئة أمريكا بحق الشعب الفلسطيني؟ وأي مكر أو خديعة حضّرها مشعل لأمريكا من وراء هذا التصريح؟!! كنا قد رددنا على خطاب الرئيس باراك أوباما في جامعة القاهرة بسلسلة مقالات طويلة بعنوان : «الساحر وخطاب السحرة : صراحة أوباما وصراحتنا» خاصة وأنه طالبنا بنسيان الماضي فاضطررنا، وهو عدونا التاريخي، إلى تذكيره، رقمياً، ببعض وقائع الماضي التي ما زالت جارية إلى يومنا هذا، وقلنا له في حينه : «مشكلة الخطاب أنه يريد منا عدم التفكر في الماضي! أما أوباما فمن حقه أن يتذكر 11 سبتمبر جيداً، لكنه يتناسى تماماً، ويريدنا أن ننسى كون الإدارات الأمريكية استعملت حق الفيتو في مجلس الأمن، ظلماً وزوراً وعدواناً، 36 مرة في 41 عاماً ضد القضية الفلسطينية والقضايا العربية. وأن هذا يعني أن الولايات المتحدة وقفت وحدها في مجلس الأمن ضد الإجماع الدولي ومنعت إدانة «إسرائيل» 36 مرة. وينسى أوباما أن الولايات المتحدة رفضت حتى قرار محكمة العدل الدولية ضد «إسرائيل». وينسى أن «إسرائيل» حليف استراتيجي لأمريكا وتلتزم بأمنها ومصيرها أكثر مما تلتزم بأمن ومصير الولايات المتحدة. هذه هي الحقيقة التي يشهد عليها العالم الإسلامي وتشهد عليها المؤسسات الدولية قاطبة». ولما يكون خالد مشعل ينكر هذه الحقائق فمن الأولى والإنصاف المعاملة بالمثل، وتوجيه هذه الفقرة له قبل توجيهها للرئيس الأمريكي. لا بأس ثانية. قل ما تشاء يا خالد مشعل. فقد قيل فيمن سبقك : «إن مما أدرك من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت».

حل الدولتين

سنفترض أن ما كتبناه أعلاه غير ذي بال. وأنه يدخل في نطاق مناورات «حماس» كما يحلوا لمناصريها ومؤيديها أن يبرروا لها تصريحاتها. وسنتغاضى عن تبريرات الحركة فيما يتعلق بدخول العملية السياسية وزعمها بأن المرحلة تجاوزت «اتفاق أوسلو» بالرغم أنهم واقعون في السلطة عبر «مؤسسات أوسلو» ومنظومته السلطوية بكافة مؤسساتها وعلاقاتها وهيئآتها. لا بأس. لكن لنناقش مختلف جوانب الصورة فيما يتعلق بحل الدولتين حيث تسعى «حماس» إلى إنجاز مطلب الدولة الفلسطينية المستقلة دون الاعتراف بـ «إسرائيل».

المشهد الأول : الثقة

ثمة من يبرر كل تصريح مريب لقادة «حماس» بأنه مناورة سياسية من قبل القادة وحكمة وذكاء وحنكة، لكن المشكلة تكمن في قصور الناس عن فهم سياسات «حماس» وليس في تصريحات الرموز. وبالتالي فالمطلوب من الناس أن يكونوا على ثقة بأن «حماس» لن تفرط في الحقوق ولا في القضية الفلسطينية. والحقيقة أن ما نسمعه أو نشاهده أو نقرأه ليس سوى أطروحة تنظيمية صرفة. فإذا كان أبناء «حماس» ومناصريها ملزمون بطاعة قياداتهم فما هو المعيار المنطقي الذي يلزم أمة بها؟ هل الثقة بـ «حماس» وأطروحاتها وقياداتها موضوعاً عقدياً حتى تلتزم به الأمة؟ ثم من قال أن الرموز معصومين من الخطأ أو الكذب حتى تكون الثقة بهم مطلقة؟ ألا يوجد في الأحكام الشرعية ما تجتمع عليه الأمة ويطمئنها إلا الثقة بقادة «حماس»؟ وماذا لو لم تكن الثقة في محلها ووقعت الكوارث؛ فما الذي ستجنيه الأمة من إيداع قضية بحجم فلسطين في مستودعات الثقة التنظيمية؟

فقد سبق وصرح إسماعيل هنية قبل أربع سنوات، لفضائية CBS بأنه لن يرسل ابنه في عملية استشهادية، وأنه يرغب في وقف إراقة الدم. ومنذ ذلك الوقت لم نسجل أية عملية استشهادية لأن «حماس» أوقفت هذا النوع من العمليات، بينما ظلت أوساط «الإخوان» والحركة يبررون تصريحات «هنية» هذه بمداراة الغرب خاصة وأنه يتحدث أمام فضائية غربية! أليس هذا المثال البسيط بكاف لنسف مبدأ الثقة بالقيادة والمبررين لها؟

الدخول في دهاليز السياسة كمن يختار السير طواعية في حقل ألغام وهو فاقد لأهلية الخروج منه. بمعنى أنك لما تدخل الحقل عليك أن تخضع لشروط المسير فيه وإلا سينفجر أحدها بك ويودي بحياتك. والسؤال : ما هي الشروط التي دخلت بها «حماس» حقول السياسة والعلاقات مع الغرب والتسوية والحلول السلمية؟ وما هي مصادر القوة لهذه الثقة التي ينبغي الركون إليها في المسائل المصيرية وليس فقط في عملية استشهادية؟

المشهد الثاني : الاعتراف بـ «إسرائيل»

يقول المدافعون عن مواقف «حماس» فيما يتعلق بحل الدولتين والاعتراف بـ «إسرائيل» أن «حماس» تقبل الدولة المستقلة، والكاملة السيادة على حدود العام 1967، وبدون الاعتراف بـ «إسرائيل». أي أن «حماس» لم تتخلّ عن ميثاقها، وبالتالي لن تتخلى عن الحق التاريخي في فلسطين من البحر إلى النهر. والسؤال المنطقي : هل تتوجه «حماس» بذات الخطاب إلى الولايات المتحدة والغرب والصين وروسيا؟ رغم أن التصريحات السابقة تقول بغير ذلك؛ إلا أن المدافعين عن أطروحة «حماس» يتحدثون بوجهين. الأول : يراهن على أن «إسرائيل» لن تقبل بشروط «حماس». والثاني : يقول لنعطِ «حماس» فرصة ونرى، فهي متمسكة بعدم الاعتراف وهذا يحسب لها، ونحن نثق بها فلماذا لا تثقون بها؟

لكن بما أنه لا مستحيل في السياسة والعمل السياسي فعلينا توقع أن تقبل «إسرائيل» والغرب بأطروحة «حماس» بقيام دولة فلسطينية مستقلة مشفوعة بهدنة أو بأية وسيلة أخرى. هنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار قدرات الخصم السياسية والدبلوماسية على المراوغة وإطالة أمد المفاوضات لعقد أو أكثر. فما الذي يمكن أن يحصل خلال هذه الفترة الزمنية؟ وما الذي يمنع «حماس» من تقديم ورقة الاعتراف كلما بدا لها أن المفاوضات تسير في تقدم؟ ثم هل لدى «حماس» مناعة من دخول المفاوضات أو الانزلاق بها بحيث يمكنها التراجع إذا ما شعرت بعدم جدواها، أو لاحظت أن ما يجري هو استدراجها لفخ شبيه بفخ «أوسلو»؟ وهل تضمن «حماس» ثقة الشعب الفلسطيني بها إلى الدرجة التي تكفي أن يتقدم حيث تتقدم هي ويتراجع حيث تتراجع؟

المشهد الثالث : دولة مع هدنة

لنفترض أن «حماس» توصلت إلى اتفاق مع «إسرائيل» على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس الهدنة. فهذا يعني أنها إما أن تستغله لتهيئة الشعب والأمة للاعتراف بـ «إسرائيل» وإما أنها تعد العدة لتحرير ما تبقى من فلسطين. والواقع أن خالد مشعل كان صريحاً حين قال في كلمة وجهها إلى مجلس العموم البريطاني وصف فيها المقاومة لدى حركة «حماس» بأنها : « وسيلة وليست غاية». هذه العبارة جرت ترجمتها مؤخراً في المقابلة التي أجرتها معه شبكة «بي بي إس - 6/6/2010» الأمريكية حيث قال : «إسرائيل هي التي بدأت الاحتلال، والمقاومة نشأت كردّ فعل. لذلك حين ينتهي الاحتلال، ستنتهي هذه المقاومة. الأمر بهذه البساطة. إنْ انسحبت «إسرائيل» إلى حدود عام 1967، لن يعود للمقاومة الفلسطينية أي وجود».

هذا التصريح يعني أن «حماس» لن تتوقف عن المقاومة فحسب بل وعن الإعداد. وهكذا لا مقاومة ولا جهاد، ولا هذا النوع ولا ذاك. لكن لنفترض أن الشعب الفلسطيني رفض الاعتراف في استفتاء عام فهل ستقبل «إسرائيل» بهذه النتيجة؟ وهل ستكون «حماس»، بالمقابل، جاهزة لإعلان الحرب عليها؟ أم أنها ستطارد من يقاتل «إسرائيل»؟

المشهد الرابع : خداع «حماس»

حقاً فالحرب خدعة. فقد يقول قائل أن توصل «حماس» إلى تسوية مع «إسرائيل» سيكسبها الوقت في الإعداد للمعركة الفاصلة معها بحيث يمكن تحرير باقي أجزاء فلسطين نسبياً أو كلياً أو على مراحل. فـ «حماس» ليست من الغباء أن تكشف أوراقها أو نواياها. لكن ماذا عن نوايا وخطط الطرف الآخر؟ هل هو نائم؟ أو مغفل لدرجة يمكن معها لحركة صغيرة أن تخدعه طوال سنين التهدئة؟

فاليهود ملة بشرية من النوع الذي ينهشها الخوف على مر التاريخ. وفي كل تسوية أو حوار أو محاولة للتفاهم السياسي معها يكون مصطلح الأمن لديها حاضراً في كل شارع ومنزل وزاوية وسرداب وكهف وخندق وواد وسهل وجبل ومؤسسة ومصنع وورشة ومدرسة وجامعة ومسجد ومعتقد ونظام وحتى نمط حياة واجتماع، ومهيمناً على كافة البنود الأخرى مهما كانت أهميتها بالنسبة للخصم. هذه هي الشخصية اليهودية، وهذه هي سماتها. شخصية لا يروقها الجوار الحضاري أو التعايش الثقافي ولا تستحي من سلوكها. فإن لم يقع ردعها بالقوة المسلحة، كما هو حالها عبر التاريخ وبين جميع الأمم والشعوب، فلن ترتدع بالمفاوضات والمساجلات. فهل من العقل الاعتقاد بأن «حماس» ذاهبة لإعداد العدة؟!! وهل من العقل وقف القضية على قارعة الزمن ومطالبة الأمة أن تتحلى بالثقة وتصمت حتى يتم الإجهاز عليها؟

لعله من الطريف التذكير بأن الترتيبات الأمنية بين السلطة و«إسرائيل» عقب توقيع «اتفاق أوسلو» 1993 تدخلت حتى في نوعية الطلقات التي تستعملها قوات الشرطة الفلسطينية ومداها النهائي.

المشهد الخامس : الفشل

بعد شهور أو سنين تبين لـ «حماس» أن عملية التسوية فاشلة ولا جدوى منها خاصة وأن عناصر فشلها أكثر من نجاحها. فقد سبق لعرفات أن واجه نفس الموقف وأقرّ بأن الكفاح المسلح كان أهون عليه ألف مرة من التفاوض مع «إسرائيل». فما هي الخيارات المتاحة أمام «حماس»؟ لنسأل السؤال بطريقة أخرى : لو افترضنا أن «إسرائيل» رفعت الحصار عن قطاع غزة اليوم؟ هذا الأمر حقيقة كشف النقاب عنه منذ بضعة أيام عبر ما عرف بخطة وزير الخارجية «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان القاضية بـ : «رفع مسؤولية «إسرائيل» عن قطاع غزة بشكل كامل وجعله كياناً مستقلاً تماماً»، فما الذي أعدت له «حماس» لمواجهة موقف من هذا النوع؟ لا شيء. إلا أنها رفضت المشروع على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري. أما لماذا فعلت ذلك؟ فلأنها ترى فيه : «انتزاع ثمن سياسي يتمثل بإعفاء «إسرائيل» من مسؤوليتها القانونية والعملية عن القطاع». فعن أية مسؤولية قانونية وعملية يتحدث هؤلاء؟!

والحقيقة أن «حماس»، مبدئياً، غير قادرة على تحمل مسؤولية سياسية بهذا الحجم لأنها لا تمتلك تصوراً دقيقاً عما تؤمن به أو تسعى إلى تحقيقه، ولا تدرس خيارات الواقع ولا تطورات المستقبل ولا هي مدركة لنمط التفكير اليهودي. فكيف يمكن لها أن تنجح في تسوية؟ ومع ذلك لنقل أن التسوية فشلت لأكثر من سبب فما هي الخيارات المتاحة أمام «حماس» للعمل بها؟

- الخيار الأول : أن تعلن «حماس» فشلها وتنسحب من العملية السياسية كي لا تتهم بالتفريط. لكن هل تستطيع أن تعود إلى مربع المقاومة أو الجهاد بعد أن تكون قد استنزفت نفسها؟

- الخيار الثاني : أن تواصل سقوطها في مستنقع التسوية وتنتهي لما هو أسوأ مما انتهت إليه منظمة التحرير. وفي هذا السياق فإن تاريخ فروع الإخوان المسلمين لا يبشر بخير سواء في أفغانستان أو العراق أو الصومال أو الجزائر أو في علاقاتهم بالسلطة أياً كانت هويتها.

- الخيار الثالث : أن تعود إلى كونها جماعة دعوية أو خيرية أو اجتماعية. لكن من سيثق بها؟ ومن سيؤمن بدعوتها آنذاك؟

أخيراً

في 24/5/2010 نظمت حركة «حماس» لقاء مطولاً مع خالد مشعل في قاعة أفراح المزّة جنوبي العاصمة السورية دمشق بعيد لقائه مع الرئيس الروسي ميدفيدف، وحضر اللقاء جمع من الصحافيين والكتاب والإعلاميين، وفي مدخل القاعة انتشرت عناصر الأمن لمنع دخول كاميرات الفيديو، وطُلب من الحضور عدم تسجيل اللقاء بكاميرات الفيديو، إذ اقتصر التوثيق على كاميرات «حماس». ولما دخل خالد مشعل قاعة اللقاء صحبة عزت الرشق، وطالب الحضور، ثانية، بعدم تسجيل اللقاء بكاميرات الفيديو أو مسجلات الصوت، قائلاً : أن «حماس» فقط من يوثق اللقاء بالكاميرات.

خلال اللقاء توقف أحد الحضور قائلاً لمشعل : كيف تقبل بقيام دولة فلسطينية على حدود 67، وفي نفس الوقت تجاهر برفض الاعتراف بـ «إسرائيل»، ما هو الفرق؟

بدت علامات الانزعاج على وجهه، إلا أنه قال : نعم أوافق على حدود العام 1967، لكننا نرفض الاعتراف بـ «إسرائيل»، وبدأ شرح الفارق بينهما، قائلاً : أن رفضنا للمبادرة العربية نابع من رفضنا الاعتراف بـ «إسرائيل»، وأننا لم نقبل يوماً بصيغة حل الدولتين بل وافقت على حل باستعادة الأراضي حتى حدود العام 1967 دون الاعتراف بـ «إسرائيل».

بطبيعة الحال استمرت الأسئلة تلاحق مشعل، وسط قدرة عجيبة على التهرب من الإجابات، إلى أن فوجئ الحضور بأحد الصحافيين، يسأل أبو الوليد :

أنتم تحدثتم عن لقائكم المطول مع الرئيس الروسي ميدفيدف، وشرحتم له وجهة نظر «حماس»؛ فما هو رد الرئيس الروسي؟ أما خالد مشعل فقد أجاب قائلاً : لست مخولاً بإعلان ردود الرئيس الروسي على مقترحاتنا! فمن هو المعني إذن بالإجابة؟ ومن هو المخول بإعلام الأمة بمواقف خصومها؟ وما قيمة الحوار مع رئيس دولة عظمى لا يدري الشعب الفلسطيني ولا الأمة ماذا قيل فيه؟

سؤال : ما الذي يخيف «حماس» من توثيق اللقاء؟ وما الذي تخفيه؟ وهل ما يتحدث به مشعل هو نفس الخطاب الذي يتحدث به إلى وسائل الإعلام؟ وهل ما قاله الرئيس الروسي غير ما قاله خالد مشعل؟ إن لم يكن ثمة إجابات كالعادة فهو المؤشر القاطع على أن الدورة التاريخية ماضية في طريقها.

هوامش النص :

حديث الإفك / ص 76 - 78.

ثمانون عاماً .. «حماس» والمشاريع الخادعة - 3.

حوار مع مشعل : «حماس» تقبل بدولة ضمن حدود 1967 ومصلحة أميركا بعدم لوم سورية.

لا سلام بلا حماس (No Peace Without Hamas).

مستشار هنية : بدون الحديث مع مشعل وهنية الغرب لن يحقق ما يصبو اليه.

النائب الأول لرئيس «حماس» أبو مرزوق لـ «الشروق» : السلطة الفلسطينية تجسست على الجزائر.

لجنة برلمانية بريطانية توصي بالتحاور مع «حماس».

الأسطل نطالب بريطانيا بالاعتذار للفلسطينيين عن «وعد بلفور».

مشعل : نريد دولة ضمن حدود 1967 وإطلاق الصواريخ توقف.

«حماس» تقبل اتفاق سلام مشروطاً وواشنطن تتعاطاه بحذر.

مستشار هنية لـ «الشرق الأوسط»: فكر «حماس» قد يشهد تحولات أيديولوجية.

«حماس» قريبة جداً من الاعتراف بـ «إسرائيل».

المستشار يوسف : المطلوب من الصهاينة أن يعترفوا بحقوق الشعب الفلسطيني.

هنية : لن نضع أي عراقيل أمام جهود قيام الدولة الفلسطينية.

خالد مشعل : إذا قبلت «إسرائيل» بحدود ما قبل 67 نقبل بها.

(شريط فيديو - مقابلة وكالة «نوفوستي» الروسية).

مشعل : قرار الاعتراف بـ «إسرائيل» يصدر عن دولة فلسطينية قائمة على حدود 1967.

الزهار : أبوالغيط يفاجئنا بتصريحات تستفز الناس.

بدلاً من الرابط أعلاه.

مشعل : نريد دولة ضمن حدود 1967 وإطلاق الصواريخ توقف.

الزهار : أي إنسان يخرق التهدئة يعتقل وينزع سلاحه.

الزهار : عملية اطلاق الصواريخ على جنوب «اسرائيل» «عمل مشبوه يخدم العدو».

الزهـــار : أولوياتنـــا التوصل إلى اتفـاق مشـرف وترميـــم ما دمـــره العدوان..الاحتـلال يقطــع إمدادات الوقود عن محطات الكهربـاء ويتوغل فـي خــان يونس.

«حماس» : لايمكن الاعتراف بـ «إسرائيل» كمخرج للمصالحة.

حوار مع مشعل : «حماس» تقبل بدولة ضمن حدود 1967 ومصلحة أميركا بعدم لوم سورية.

الساحر وخطاب السحرة : صراحة أوباما وصراحتنا

هنية ليصرح لفضائية CBS بأنه لن يرسل ابنه في عملية استشهادية، وأنه يرغب في وقف إراقة الدم.

مشعل يخاطب العموم البريطاني ويدعو للضغط على «إسرائيل».

حوار مع مشعل: «حماس» تقبل بدولة ضمن حدود 1967 ومصلحة أميركا بعدم لوم سورية.

«حماس» ترفض خطة ليبرمان لرفع مسؤولية «إسرائيل» عن غزة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 109 / 2165410

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165410 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010