السبت 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

ثلاثة محاور تتصارع في “سوراقيا” وعليها

السبت 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د. عصام نعمان

شئنا أم أبينا، تنظيمُ “داعش” ألغى حدود سايكس - بيكو بين سوريا والعراق . “دولته” قامت وهي تسود في “إقليمها” الذي يضم محافظات العراق الغربية ومحافظات سوريا الشرقية، وقواته تنشط على حدود سوريا مع تركيا، وحدود سوريا مع فلسطين في الجولان الذي تحتله “إسرائيل”، وحدود سوريا مع لبنان في منطقة عرسال .
الولايات المتحدة تقر عملياً بالوضع المستجد، وتتعامل معه، وتحارب “داعش” من الجو داخل “اقليمها” العابر للحدود . مثلها يفعل حلفاؤها الاطلسيون والاقليميون .
تركيا تقر سياسياً بالوضع المستجد، لكنها لم تحسم أمرها حياله عسكرياً بعد . فهي راغبة بل مستعدة للعمل داخل سوريا إنما متحفظة بشأن العمل داخل العراق .
محور الممانعة والمقاومة (إيران وسوريا وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة) يشكك في مرامي الولايات المتحدة وينتقد نهجها في التصدي العسكري لتنظيمِ “داعش” حيث يتواجد وينشط، لكنه يتعامل مع الوضع المستجد كأمر واقع مرفوض سياسياً وأمنياً في الحاضر، لكنه غير محسوم المصير في المستقبل .
يتحصل من هذه الواقعات ان ثمة وضعاً امنياً وجيوسياسياً قد نشأ فعلاً بين سوريا والعراق تُمكن تسميته “سوراقيا”، وأنه مسرحٌ لصراع محتدم، طويل ومعقد .
ممَ تتكون، أطراف الصراع؟
إنهم، في الواقع، ثلاثة محاور: الأول قديم نسبياً يتكون من سوريا نفسها، حيث الصراع فيها وعليها، ومن ايران وحلفائها .
والثاني يتكون من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ودول عربية ودول أخرى أطلسية وإسلامية أما الثالث، البازغ حديثاً، فيتكون من تركيا وقطر التي تشارك ايضاً في المحور الثاني .
المحوران الثاني والثالث يضمهما، نظرياً، “التحالف الدولي ضد الإرهاب” المتمثل ب “داعش” واخواتها من تفرعات “القاعدة” . ظاهر الحال يوحي بأن الولايات المتحدة هي قائد التحالف، وواقع الأمر يشير إلى حقيقة مغايرة هي أن دور واشنطن في التحالف لا يتعدى التنسيق بين اطرافه ذوي المرامي والأغراض المتعارضة وأحياناً المتناقضة .
يتضح من تصريحات باراك أوباما ومساعديه أن الولايات المتحدة تريد احتواء “داعش” لا سحقه، وتريد إزاحة الرئيس بشار الأسد لا إسقاط نظامه، وتريد تسويةً سياسية للأزمة السورية تضمن مشاركة واسعة لأنصارها وانصار غيرها في الحكومة الانتقالية المرتجاة، ولا تعارض إقامة ثلاث مناطق عازلة على الحدود بين تركيا وسوريا، وبين سوريا و“إسرائيل” في الجولان المحتل، وبين سوريا ولبنان في منطقتي القلمون والبقاع .
بريطانيا تشاطر الولايات المتحدة أغراضها فيما تميل فرنسا الى التوافق في أغراضها مع دول عربية .
تركيا تبدو غامضة بشأن مراميها القصوى . غير أن أغراضها في الحاضر تتمحور حول إزاحة الأسد ودعم حلفائها الإسلاميين (الإخوان المسلمين) المتحالفين مع المعارضة السورية الليبرالية المدعومة من الولايات المتحدة والدول الغربية وبعض الدول العربية والساعية الى المشاركة الوازنة في حكومة انتقالية تتجاوز النظام السياسي القائم .
وتعارض تركيا أي صيغة لحكم ذاتي للأكراد السوريين في شمال شرقي البلاد مخافةَ أن تنتقل عدواها الى جنوب شرقي تركيا حيث تقيم أغلبية الأكراد الأتراك . أما في المدى الطويل، فما زال رجب طيب أردوغان يدغدغه “حلم عثماني” بمد نفوذ تركيا إلى مجمل مشرق العرب، ولهذا السبب تراه يعادي مصر والرئيس عبد الفتاح السيسي الذي نجح في إزاحة حكم الإخوان المسلمين، حلفاء الرئيس التركي وأداته في تحقيق حلمه العتيق .
وإذ تبدو تركيا متأهبة للتدخل برياً في سوريا بدعوى إنقاذ ضريح جد العثمانيين سليمان شاه في منبج، شمال شرقي حلب، وتفادي اجتياح “داعش” لبلدة عين العرب (كوباني) السورية الكردية، فإن إيران وسوريا تبدوان مطمئنتين .
فقد صرح الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي شمخاني، بعدما قابل الرئيس الأسد عقب زيارته لبنان واجتماعه الى رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بأنه “لا يتوقع أن يشن التحالف هجوماً برياً في سوريا” . الهجوم البري وإقامة منطقة عازلة قد تعارضهما الولايات المتحدة في الوقت الحاضر، لكنها تسلم بالأمر الواقع اذا ما استطاعت تركيا فرضه في شمال سوريا عاجلاً او آجلاً .
الجانبان السوري والإيراني يتشككان في مرامي الولايات المتحدة ونهجها في سوريا والعراق . وهما لا تستبعدان مشاركتهما عسكرياً في مواجهة الإرهاب التكفيري مباشرةً في سوريا والعراق . لكن جرس الإنذار سيدق عندما يدخل الجيش التركي شمال سوريا تحت أي ذريعة .
ذلك أن طهران ودمشق تشكان بوجود تواطؤ بين أنقرة و“داعش” يهدف الى تحقيق مرامي جيوسياسية في العراق وسوريا، ما يشكل تهديداً سافراً لأمنهما القومي كما لوحدة سوريا وسيادتها . ساعة اتخاذ القرار ستكون، على الأرجح، عند تأكدهما من قيام الأتراك بإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا وتطبيق حظرٍ للطيران فوقها لعرقلة نشاط سلاح الجو السوري ضد “داعش” وسائر المجموعات المسلحة .
انفراد تركيا بخطوةٍ استراتيجية كهذه، دليل ساطع على وجود مرامٍ وأغراض متعارضة لدى أطراف “التحالف الدولي” وبالتالي وجود محورين داخله، وعلى أن الولايات المتحدة تمارس بينهما دور المنسق لا القائد . وفي هذه الحال، فإن الصراع بين المحاور الثلاثة سيطول ويتشعب ويتعقد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010