الثلاثاء 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

زيارة ذات “دلالة”

الثلاثاء 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par محمد عبيد

في أي إطار يمكن إدراج إعلان حلف شمال الأطلسي “الناتو” أن أول زيارة لأمينه العام الجديد ينس شتولتنبرغ إلى الخارج ستحط الرحال أولاً في بولندا، المركز التاريخي لحلف وارسو، الذي اتخذ اسمه من عاصمة الدولة الأوروبية الشرقية؟ وهل يمكن أن تكون مجرد عملية دعائية لا أكثر ولا أقل في مواجهة التخوف المعلن من الجمهوريات السوفييتية السابقة؟ أم أن الحلف عازم على خوض المواجهة ضد الدب الروسي وطموحاته الأوروبية والعالمية؟
أي مراقب أو محلل يستطيع الرهان على حصان أحد الطرفين، وقد يسهب في التحليل مورداً الأدلة والبراهين والإشارات المتوقعة والمستبعدة، ليصل في نهاية المطاف إلى إقناع الآخرين بطرحه، فمثلاً سيبدأ المنحاز إلى المعسكر الغربي بتأكيد أن الزيارة رسالة واضحة وصريحة لموسكو، كون بولندا من أوائل الدول التي استنجدت بالناتو لنشر أسلحته الاستراتيجية على أراضيها، في ظل مخاوفها من التطورات على صعيد الأزمة الأوكرانية، وسيتحدث عن المسعى الغربي الشاهر سيف الحلف في وجه الدب الروسي، وسيصل بعد حين إلى استنتاج أن الغرب لا يترك حلفاءه وحيدين .
أما المحلل المتبني وجهة النظر المقابلة، فسيسهب أيضاً في تحليل أبعاد التحرك الغربي، متحدثاً عن مجرد زيارة لرفع مستوى المعنويات المتدني، وحركة استعراضية لا تغني عن الحاجة الحقيقية شيئاً، وسيتجه إلى تحليل الوضع على أساس أن الفعل لموسكو، والقول المفرغ غير المستند إلى أساس حقيقي تخصص غربي بامتياز، وأن الزيارة لا دلائل لها ولا آثار حقيقية .
الطريف في الأمر أن كلا الطرفين محق نسبياً، ولعله ليس طريفاً بقدر ما هو واقعي، وينبع من قاعدة أن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وأن لا طرف بعينه يستطيع الزعم أن لديه كل الأسرار، وعلى ذلك فإن الأوضاع الملتبسة مثل هذه تفرض بالضرورة انحيازاً لهذا الواقع المبني على أساس تشارك الحقيقة بين الأطراف المتقابلة على قاعدة نسبية .
وبعيداً عن اشتباك التحليلات والرؤى، فإن هناك أكثر من جانب ومسألة على درجة من الوضوح تكفي لأي كان لاستيعابها وقراءتها وتتمثل في أن أولويات الحلف ليست واضحة، أو على الأقل ليست معلنة صراحة، وهذا ما يؤدي بكثيرين إلى استشعار عجزه أو عدم امتلاكه الإرادة السياسية للتحرك، ومن هنا ترتفع أسهم المحلل القائل: إن الحركة مجرد استعراض مسرحي، وفي الوقت ذاته يبدو أن المعسكر الغربي ككل الذي لجأ إلى سلاح العقوبات في مواجهة روسيا، من دون حسابات حقيقية للأرباح والخسائر، مدرك لحجم الخطأ الذي وقع فيه، لكنه يكابر، ولا يزال مصرّاً على المضي في لعبة عض الأصابع المدمية ضدها .
أما على الصعيد الروسي، فإن الملاحظ أن سياسة هذه القوة الدولية تتسم بكثير من الهدوء رغم حجم الضغوط الهائل الذي تتعرض له، ومرد ذلك إدراك للواقع وقراءة واضحة للوضع، واستراتيجية تأخذ مجراها منذ سنوات، وذلك لم يأت وليد صدفة أو كرد فعل غير محسوب على تفكك الاتحاد السوفييتي وما أفرزه على صعيد شكل النظام العالمي .
على أي حال، الأوضاع في طريقها إلى التوضيح، ولن يمر طويل وقت قبل أن يفرز المشهد الدولي تطوراً بات منتظراً، وتغييراً مطلوباً في ظل الانسداد السياسي العالمي، في غمرة الانشغال والأزمات والصراعات، فلننتظر إذاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010