الأربعاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

الأصولية المتطرفة خطر على الدين والمجتمع

الأربعاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د. فايز رشيد

أعجبتني مقالة الصديق محمد خالد المنشورة في “الخليج” يوم الاثنين 6 أكتوبر الحالي، فبمثل الروحية التي جاء بها مضمون وعنوان المقالة، يتوجب أن يكون التعايش بين كافة ديانات المجتمع وإثنياته . وللمزيد من إلقاء الضوء على الأصولية في كل الأديان، نقول إنه بعهد انهيار الاتحاد السوفييتي، حاولت الولايات المتحدة والحركة الصهيونية و“إسرائيل” والبعض من الدول الغربية التصوير بأن العدو القادم للبشرية هو “الأصولية الإسلامية”، وجرى التركيز كثيراً على هذا الشعار . كان الأجدر والأوجب التركيز على خطر الأصولية في كل الأديان وليس في الدين الإسلامي فقط! لأن الأخيرة تعتبر وليدة جديدة مقارنة مع الأصوليتين في المسيحية واليهودية، التركيز على الأصولية في كل دين، هو الواجب التحذير منه، باعتباره خطراً على أي دين أو أية مفاهيم قومية، فالأصولية الأخيرة ستقود حتماً إلى الشوفينية والنازية تجاه كل الإثنيات الأخرى .
وبالنسبة للأصولية الإسلامية المتطرفة، أمريكا هي التي لعبت دوراً في إنشائها وتغذيتها حين صرفت عليها مليارات الدولارات من أجل محاربة ما أسمته حينها “الاحتلال السوفييتي لأفغانستان” . هذا ما لا نقوله نحن فقط، وإنما وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون اعترفت مباشرة بأن الولايات المتحدة كانت سبباً في إنشاء “داعش” وغيره من التنظيمات الأصولية المتطرفة . أما ما الذي حصل بعد ذلك في تطور العلاقة بين الجانبين، فهو حديث آخر ويحتاج إلى مقالة أخرى .
للأسف لا نسمع حالياً كما لم نسمع سابقاً عن توجيه الاتهامات للتطرف والأصولية في الأديان والمعتقدات الأخرى، وكأن الأصولية هي حكر فقط على الإسلام، بينما من يدقق ويتابع في معنى وجوهر ومضمون هذا التعبير يرى أنه أيضاً يتوفر بكثرة في الديانتين الأخريين المسيحية واليهودية، ولعل الأخيرة هي الأشّد خطراً بين كافة الأصوليات .
في المسيحية يوجد التيار الواسع الذي يُطلق عليه “الصهيو مسيحية” أو “اليهو مسيحية”، وهو تيار منتشر في الغرب وعلى الأخص في الولايات المتحدة . هذا التيار يعتقد بوجوب دعم دولة “إسرائيل” والدفاع عن بقائها لأنه اشتراط إلهي من أجل أسباب دينية، ولذلك فإن هذا التيار الواسع كثيراً في أمريكا، يقدّم المعونات بكافة أشكالها ووسائلها ل“إسرائيل”، بصورة أكبر مما تقدمه لها الحركة الصهيونية، فهو يملك آلاف الجمعيات والكنائس والفضائيات والإذاعات والصحف وكافة الوسائل الأخرى، من أجل دعم “إسرائيل”، التي تمارس مذابحها وحروب إبادتها الجماعية على الفلسطينيين والعرب . وبالرغم من كل ذلك تملك وتقيم هذه الأصولية، أفضل الصلات مع الكيان وزعمائه .
في اليهودية، فإن ظاهرة التطرف هي الأشدّ خطراً في التاريخ، فالتعاليم المحرّفة للتوراة والتي صاغها الحاخامات اليهود وفقاً لمصالحهم، تنطلق من الذاتية و“الأنا” المطلقة، والعدوان على كل الآخرين واحتقارهم، ففي سفر إشعيا نجد: “ليمت جميع الناس ويحيي”إسرائيل“وحده”، “يرفعك الله فوق جميع شعوب الأرض، ويجعلك الشعب المختار”، و“يقف الأجانب يرعون أغنامكم، أما أنتم بني إسرائيل فتدعون كهنة الرب تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون” .
لم تقتصر الأصولية اليهودية التاريخية السابقة على تحريف التوراة والتلمود على أيدي زعماء الطائفة من الحاخامات، الذين أنكروا على اليهود الحق في كل أنواع التعليم (باستثناء التلمود والصوفية اليهودية)، فدراسة جميع اللغات الأخرى كانت محرمة بصرامة، وكذلك دراسة الرياضيات والعلوم والجغرافيا والتاريخ، بل جاء الحاخامات المعاصرون “الحاليون” ليترجموا هذه العقائد إلى سياسات ممارسة بعد إنشاء “إسرائيل”، “فيجوز قتل العرب حتى نساءهم وشيوخهم وأطفالهم”، و“العربي الجيد هو العربي الميت”، “العرب ليسوا أكثر من أفاعي” . هذه الفتاوى للحاخامات تخرج وتندرج على ألسنتهم في العصر الحالي (القرن الواحد والعشرين)، فقتل اليهودي جريمة كبرى وواحدة من أسوأ ثلاث خطايا (الخطيئتان الأخريان هما عبادة الأوثان والزنا)، وحين يكون الضحية غير يهودي يختلف الوضع كلياً، فاليهودي الذي يقتل غير يهودي فيجب ألا تعاقبه أية محكمة، بل عقابه فقط عند الله، أما التسبب غير المباشر بموت غير اليهودي، فليس خطيئة على الإطلاق . (من يريد الاستفادة في دعوة هؤلاء إلى قتل غير اليهود فليقرأ كتاب المؤرخ “الإسرائيلي” إسرائيل شاحاك بعنوان “الديانة اليهودية، التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة” . لكل ذلك نرى هذا الرقص “الإسرائيلي” على المآسي الفلسطينية .
القائد العسكري “الإسرائيلي” ورئيس الأركان الأسبق رفائيل ايتان هو صاحب مقولة “العرب ليسوا أكثر من صراصير”، لهذا السبب العقائدي التوراتي التلمودي تجد أغلبية اليهود “الإسرائيليين”، أصوليين متطرفين، على شاكلة مئيركهانا، وغولد شتاين، وليبرمان (بالمناسبة نتنياهو ليس أقل تطرفاً ولكن يغطي قبضته الحديدية بقفازات حريرية بحكم استحقاقات منصبه) وغيرهم من القيادات “الإسرائيلية” السياسية والعسكرية .
كافة استطلاعات الرأي تبين بما لا يقبل مجالاً للشك، الامتداد الديني الأصولي اليهودي المتطرف في الشارع “الإسرائيلي”، وإحدى استطلاعات الرأي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” تتوقع: أن حجم المتطرفين “الإسرائيليين” في عام 2025 في “إسرائيل” سيبلغ 65% من سكانها اليهود . في استطلاع جديد أجرته صحيفة “هآرتس” فإن أحزاب اليمين المتطرف الأصولي ستزيد من قوتها بنسبة 32%، فيما لو أجريت انتخابات تشريعية للكنيست في الوقت الحالي . أي ستزيد عدد مقاعدها من 43 إلى 57 . لهذه الأسباب العقائدية تجد أحد المتغيرات “الإسرائيلية” في المرحلة الحالية (منذ عشر سنوات تقريباً): تدخلاً متزايداً من اليمين الديني “الإسرائيلي” المتطرف في الحياة السياسية والاجتماعية، حيث أصبحت المؤسسة الدينية، أحد جناحي السلطة في “إسرائيل” (الجناح الآخر هو المؤسسة العسكرية)، ولذلك ومن أجل إنجاح ائتلافه الحكومي الحالي، لجأ نتنياهو إلى تلبية مطالب الأحزاب الدينية اليمينية الفاشية المشاركة في حكومته، وفي مختلف المجالات .
الأصولية اليهودية تدعو إلى القتل والإبادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين والعرب، ومن يريد الاستزادة في هذا الموضوع فليقرأ كتاب الدكتور مازن حنا المعنون ب“الرأسمالية والتطهير العرقي في التوراة” .
ومع كل ذلك لا يجري التحذير من الأصولية الأشدّ خطراً في التاريخ، وهي “الأصولية اليهودية” أو الاصولية المسيحية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165226

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165226 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010