لايظنن أحد أن واقع الأمة اليوم هو نهاية المطاف، فلم يكن واقعها في أي مرحلة سبقت هو الخاتمة، إنما تجددت الحياة وتبدلت الأحوال، ألم يكن الاستعمار الفرنسي والبريطاني والايطالي والاسباني في لحظة ما هو القدر الجاثم على صدورنا، ناهبا الثروات، مستعبدا الفقراء من الفلاحين الذين نهب أرضهم والمعذبين من العمال الذين حوّلهم إلى عبيد..ولم يكن أحد من عقلاء الساسة يومذاك قادرا على أن يتخيل واقع الحرية والاستقلال؟ ولكنها إرادة الله وسننه ونواميسه التي يهتدي إليها الأحرار من القادة الربانيين فيتقدمون يبنون على الأسباب ويراكمون فعلهم الحضاري حتى إذا امتلأ الكأس فاض بما فيه من ثورة كافية لطرد المستعمرين وإزاحة سلطانهم.
ولنا عبرة في تجارب الشعوب في أمريكا اللاتينية وآسيا وافريقيا، حيث استطاع المهمشون المعذبون فرض إرادتهم الحرة ضد العنصرية والجريمة رغم طول أيام المعركة وشدة حر لهيبها.. وها نحن نرى دولا في العالم تخرج أو هي في إطار الخروج من ربقة الهيمنة الامبريالية.
الصعوبة اليوم ليست في عودة الاستعمار كرة عدوانه على أمتنا، فنحن نعرف تماما كيف نواجهه ونذل غطرسته، إنما في طريقة عدوانه الخبيثة الماكرة.. لقد وصلت الجريمة به أن حوّل مخابره ومراكز استشراقه إلى صناعة أفكار دينية وسياسية والقائها من خلال مسؤولي أجهزة أمنه في أوساط الهامشيين والمهشمين من أبنائنا ثم يرعى الحالة ماديا وإعلاميا فيضخمها ثم يعلن الحرب عليها ويجند أصدقاءه في المنطقة ويُشرْعِن خطواته والقصد من كل ذلك السيطرة على حقول الطاقة وتكسير قوانا..
ثم تطور الأمر فأصبح بأشكال مستحدثة، حيث أصبح هو في موقف المتدلل فيما بعض مكونات الأمة تستدعيه لحل الاشكاليات، كمن يستدعي الدب لدخول كرم عنبه.. يدخل الاستعمار الغربي الآن على أرضية محاولته حل اشكاليات الديمقراطية وحقوق الانسان في العراق والسودان وليبيا وتونس والصومال وسوريا.. اليوم تبدأ الصراعات بين الطوائف والقوميات والجهويات، فتكون التهيئة قد اكتملت ليمد الاستعمار رجله على أرضنا.
أجل إن الحقبة الحالية حالة خاصة تتميز عن كل الحقبات السابقة في خصائص عديدة أبرزها تغيير العدو الاستعماري الامبريالي أساليبه وقيامه بأكبر عملية تمويه مخترقا بذلك الأعراف والتقاليد الانسانية، مهددا السلم والأمن الدوليين وعينه على تكاليف الحرب التي سيدفعها العرب من خاصة مال شعوبهم.. مع ذلك كله فإن الأمل حقيقة واقعة لأنه الرد المنطقي لتولد جيل من الأحرار الشرفاء في الأمة ليأخذوا بيدها من هذا المأزق نحو مجدها ..تولانا الله برحمته.