الخميس 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

الهجوم المعاكس على الإرهاب

الخميس 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par سليمان تقي الدين

الإسلام واحد كثره المسلمون . هذا أمر بديهي، فالنص يحتاج إلى عقول إنسانية مؤهلة بعلوم واسعة شاملة لكي يفسّر أو يؤول لفهمه، أو لاستنباط الأحكام الملائمة لمجرى الأزمنة والحاجات المستجدة والمعاصرة . ولا يملك أي عقل بشري واحد أن يدّعي الحلول محل النبوة نفسها ويحتكر هذا التفسير، كما لا تمتلك أجيال متعاقبة أن تتوقف عن استنطاق النص للإجابة عن القضايا التي تواجهها هي جاءت من عصور سابقة أو أتت من عصور راهنة . المسألة هنا من هي هذه الفئة من الناس التي تقوم بهذه المهمة والوظيفة وما هي مؤهلاتها، وكيف هي تأهلت لهذا العلم ولأية أهداف وأغراض بعيداً عن الاستنساب والأهواء؟
هذه المسألة كانت مطروحة منذ الزمن الأول ومازالت حاجة لكل زمن، ولن نخوض بالكم الهائل من هذا التفسير والفقه الذي نعجز عن الإحاطة به وعن الخوض الشامل في إعادة النظر فيه ومحاكمته . ما نريد قوله هنا أن الإسلام الذي يتعامل به المسلمون، أو هو مرجعيتهم اليوم هو كل هذا التراث الوفير من النص على السنة إلى الحديث والتأويل والقياس والاستحسان وما إلى ذلك الذي كوّن “التراث الإسلامي” وضخّ فيه الكثير من ثقافات العصور ومن ثقافات الشعوب . إلاّ أن الأهم من كل ذلك أن معظمه جاء فقهاً “سلطانياً” أقرب إلى حاجات الحكام، وبعضه جاء فقهاً سياسياً أقرب إلى حاجات الناس، وبعضه كان على قدر العقول التي تعاطت في هذا الميدان بحسن نية أو بسوئها . هناك تاريخ طبعاً للإسلام السياسي وللإسلام الاجتماعي وحقبات ومراحل جال وصال فيها المفكرون والمؤرخون . لكننا نعتقد أن الأزمة الكبرى التي واجهت الإسلام والمسلمين كانت لحظة صدامه مع الغرب المتفوق حضارياً في القرن التاسع عشر . ففي هذه المرحلة كانت للإسلام إمبراطورية، مهما قيل فيها، على سوية الدول العظمى بدأت تتراجع وتتفكك وتطرح إشكالية الهوية على مجموع شعوبها، ثم هي انهارت مطلع القرن العشرين ولم تنشأ بعدها خلافه ولا دولة إسلامية تحظى بشرعية هذا اللقب أو هذه المرجعية .
لم ييأس المسلمون آنذاك، بل هم في تيار رئيسي منهم طرح فكرة “الرابطة الإسلامية” أو “الجامعة الإسلامية” بينما كانت الموجة الأقوى لمصلحة “العروبة” في عصر القوميات التي لم تقطع مع الثقافة الإسلامية، بل أدرجتها كعنصر أساسي في “الثقافة القومية”، حتى إن المفكرين القوميين كان بينهم مسيحيون وبعضهم بلغ به الأمر حد إشهار إسلامه كميشال عفلق أو كتب “الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية” كأنطوان سعادة، وبعضهم من قال إذا تجردت أو فرزت العروبة عن الإسلام لا يبقى منها شيء مهم .
على أي حال، تطورت الإشكالية التاريخية من إسلام تعددي فقهي علمي ومذاهب ومدارس وتفاسير وتأويلات وفتاوى حتى داخل أي تيار رئيسي، لتتحول إلى “إسلام سياسي” واضح بيّن المعالم في الدول الحديثة التي اتخذت لنفسها الصفة المذهبية أو الانتساب إلى المذاهب جزءاً من الهوية السياسية للدولة، ومن دساتيرها وأنظمتها وتباينت في ما تأخذ به من أحكام شرعية وأخرى وضعية مدنية . فلم نكن إذاً أمام تجربة إسلام مرجعي واحد رغم “التواطؤ” على بعض الكليّات أو العناوين الكبرى أو “المقاصد الشرعية” كالحرية والعدالة والكرامة والتقدم الاجتماعي .
يقول البعض إننا أمام حالة “انفجار” لهذا الموروث الإسلامي كله، ويقول آخرون إننا أمام انفجار المجتمعات الإسلامية . وفي الحالين نحن أمام زلزال غير مسبوق وحالة من الفوضى الفكرية (الدينية) والسياسية والاجتماعية أدت إلى تحويل “الحركات السلفية” إلى حركات عنف مسلح يطيح كل المكتسبات الإنسانية . ولن تحل المسألة عند حدود التوصيف وحده، بل تحتاج إلى ثورة فكرية غير عادية وإلى إصلاح غير عادي وإلى استكمال النهضة الأولى عند البعض وإلى نهضة ثانية عند الآخر . لكننا للمناسبة نقع على نص مرجعي جامع هو نص أهم مفكر برأينا في مطلع القرن الماضي عالج مشكلة انهيار الإمبراطورية الإسلامية وهو عبد الرحمن الكواكبي في كتابيه “الاستبداد” و “أم القرى”، وهذا الكتاب الثاني برنامج واضح للرد على المشكلات التي توقفت عندها النهضة ولم تجب عنها، أو لم تنفذ عناصر الحلول التي كانت محل توافق واسع لدى النخب السياسية والاجتماعية والثقافية . فخرجنا من إسلام سياسي مأزوم إلى فكر قومي حمل لنا أزمات أكبر، لأنه فكر رومانسي محشو بالأيديولوجيا وفارغ من المضمون العملي، وقد حولته النخب الحاكمة (السياسية والاجتماعية والعسكرية . .) إلى حشو جديد يوظف في خدمة السلطان الحداثوي المزعوم .
أخطر ما حدث خلال هذه الحقبة التي تجاوزت نصف قرن والتي تتالت فيها الهزائم والنكبات أن النخب المستنيرة أو المخلصة أو الصادقة أو العارفة أو المؤهلة قد جرى تنحيتها لمصلحة الثقافة السلطانية الجديدة التي لم تكن قومية علمانية خالصة، بل أدمجت الإسلام في منظوماتها الثقافية وحولته إلى ملحق في سياساتها التبريرية أو التأويلية الداعمة لمواقعها ومصالحها . وتحول الاستبداد إلى طارد هائل لهذه النخب التي لم تستطع أن تتواصل مع جمهورها، سواء أكانت أفراداً أم جماعات، فأفرغت الحياة العربية والإسلامية من الحركة والفعل والجدل والعلم، فسيطرت الدهماء عليها وسيطرت الحركات التي تتألف من مجتمعات العالم السفلي أو العالم الظلامي الذي انفجر في وجه أنظمة لم تعد قادرة أن تحكم كما من قبل، ولم يعد الجمهور يطيق حكمها كما في السابق . “لذلك هنا الوردة فلنرقص هنا” وعلى هذه المشكلات ينبغي البحث عن إجابات لا في القصف الجوي ولا حتى الاشتباك البري، لأن هذا هو امتداد للأزمة نفسها، بل تعميق لها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2178863

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

29 من الزوار الآن

2178863 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40