الثلاثاء 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

شراكة فلسطينية أم إقصاء؟

الثلاثاء 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par هاني المصري

تتوالى الصدمات الناجمة عن استمرار الانقسام برغم الاتفاقات التي لا تنتهي والجداول الزمنية المتلاحقة، وبرغم تشكيل حكومة وفاقية وحل حكومة «حماس». وقد عقدت الحكومة اجتماعًا لها في غزة، وأعلن رئيسها نهاية عهد الانقسام، وأن حكومته ستمارس مهمّاتها، وأن الوزراء سيتواجدون في غزة حتى يقوموا بالواجبات الملقاة على كاهلهم، الذي هو في أمسّ الحاجة إلى رفع الحصار، وفتح المعابر، وإعادة الإعمار، وإيواء المشرّدين، ومعالجة المصابين، ومواساة ذوي الإعاقات الدائمة، أو من فقدوا عزيزًا ومعيلاً.
برغم كل ذلك، تبين أن حرص الحكومة على عقد اجتماعها في غزة هو لزوم ما لا يلزم. فالاجتماع الذي نظم عشيّة عقد مؤتمر إعادة الإعمار كان يستهدف إنجاح المؤتمر، بدليل أن المهاترات والاتهامات المتبادلة عادت في الأيام التالية، تأسيساً على الخلاف حول المعابر والحدود وموظفي السلطة القدامى والمستنكفين عن العمل بقرار حكومي، ورواتب الموظفين، وحول المسؤولية عن اندلاع الحرب وتقييم نتائجها، وجدوى المقاومة ومكانها في إستراتيجية الكفاح الفلسطيني في ضوء دروس وعبر العدوان الأخير، وأخيرًا حول السلطة الواحدة والسلاح الشرعي الواحد.
باختصار، «عادت حليمة لعادتها القديمة» برغم المخاطر والكوارث المحدقة بالقضية الفلسطينية، التي تهدد أكثر من أي مرة سابقة بتصفيتها، وتعرّض الفلسطينيين، خصوصًا في القدس، لأسوأ المخاطر والعواقب.
في ضوء ما سبق، ما الذي يفسر استمرار الانقسام برغم اتضاح أهواله على القضية الفلسطينية والفلسطينيين؟ هل صحيح أن الانقسام مستمر لأن الفلسطينيين مختلفون بين طريق المقاومة وطريق المفاوضات، وما يعنيه ذلك من وجود خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا، أم أن الأمر يرجع إلى الخلاف والصراع على السلطة والتمثيل والقرار الفلسطيني، بدليل أن «فتح» و«حماس»، وهما أكبر تنظيمين وطرفا الانقسام، يتقاطعان في العديد من النقاط الجوهرية، وهو ما تظهره الوثائق الوطنية المشتركة من «إعلان القاهرة»، مرورًا بـوثيقة الأسرى ووثيقة الوفاق الوطني، وانتهاءً باتفاق المصالحة وملحقاته و«إعلاني الدوحة والشاطئ».
إن استمرار الانقسام يرجع أساساً إلى العوامل والتدخلات الخارجية، خصوصًا العامل الإسرائيلي. وما يديم الانقسام هو عدم مبادرة إحدى القوى القائمة، وعدم نشوء قوة جديدة تقدم طريقاً للخلاص الوطني من خلال البرنامج والممارسة كما كانت حركة «فتح» تفعل في يوم من الأيام، ولم تعد، وكما حاولت «حماس» أن تفعل ولم تستطع، حين فشلت في تقديم بديل ملموس قولاً وعملاً.
كل ذلك يحدث في ظل توفر قناعة تكاد تكون إجماعية، بأن طريق المفاوضات الثنائية برعاية أميركية قاد إلى الكارثة، ولا يمكن الاستمرار به. كما تتزايد القناعة بضرورة اعتماد مقاربة جديدة تجمع ما بين استخدام كل أشكال العمل السياسي وغير السياسي، بما في ذلك المقاومة المسلحة، لكن من دون اعتبارها صنمًا نعبده، بل وسيلة لتحقيق الأهداف والمصلحة الوطنية. وحتى تكون فاعلة، يجب أن تكون جزءًا من إستراتيجية جديدة، وتخضع لمرجعية وطنية تحدد التوقيت والمكان وأشكال النضال المناسبة، وتأخذ بالحسبان الظروف والخصائص المميزة لكل تجمع فلسطيني، وتأثير المتغيرات والمستجدات العربية والإقليمية، التي لا تسمح في هذه المرحلة بتبني المقاومة المسلحة كإستراتيجية للتحرير، لأنها بحاجة إلى دعم وعمق عربي وإقليمي ودولي، وهو ما يجعلها إستراتيجية للدفاع في وجه الاعتداءات الصهيونية في الوقت الراهن.
إن ما يمنع المصالحة الحقيقية والشراكة هو اعتقاد كل طرف أن من حقه وبمقدوره وحده قيادة السفينة الفلسطينية من دون مشاركة القوى الأخرى إلا كملاحق ذيليّة. وهذا الأمر قاد ويقود إلى اتباع سياسة إقصاء من كل طرف للطرف الآخر. وعندما تتخذ خطوات وحدوية، يتم ذلك مؤقتًا وتحت ضغوط اضطرارية، وعلى اعتبار أنها تكتيك لا إستراتيجية، بينما الوحدة في حقيقة الأمر ضرورة لا مجرد خيار من الخيارات. وعندما يتم التعامل معها على هذا الأساس، تطوى صفحة الانقسام إلى الأبد.
يجب أن تؤسس الشراكة على أخذ كل طرف ما يمثله في الساحة الفلسطينية بناء على نتيجة صندوق الاقتراع إذا أمكن الاحتكام إليه، وإذا كان من المناسب الاحتكام إليه، وعلى أساس الوفاق الوطني ومبادئ الجبهة الوطنية عندما يتعذر إجراء الانتخابات. فقانون الوحدة على أساس قواسم مشتركة وتنظيم الخلافات، تحتمه طبيعة المرحلة، حيث تقع فلسطين تحت احتلال إحلالي استعماري واستيطاني عنصري، لا يزال مفتوحًا على تطبيق أهدافه الجذرية، وحيث إسرائيل غير مستعدة لتسوية ولا لمساومة أو حل وسط، برغم أن أي حل وسط ينطوي على ظلم تاريخي لا سابق له للفلسطينيين.
لا يمكن أن تتحقق الوحدة من خلال المناشدة والمطالبة وانتظار صحوة الضمير فقط، وإنما عبر الضغط الممارس من الشعب الذي يرفض الانقسام بغالبيته، بما في ذلك معظم أعضاء وكوادر «فتح» و«حماس».
أما الانتظار حتى يتمكن طرف من هزيمة الآخر نتيجة تطورات خارجية إسرائيلية أو عربية أو إقليمية، أو التعايش مع الانقسام والاكتفاء بإدارته انتظارًا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولاً، أو استخدام الحاجة لرفع الحصار وإعادة الإعمار لحلول سلطة محل أخرى، فما تقدم ما هو إلا وصفة للخراب الذي عانينا ولا نزال نعاني منه.
نعم، نريد منظمة واحدة تمثّل حقًا وفعلاً الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه، وقيادة واحدة، وإستراتيجيات واحدة، وحكومة وفاقية ـ حقًا ـ تكون أداة لخدمة البرنامج الوطني، ووزاراتها وأجهزتها الأمنية وكل هيئاتها تخدم الشعب والمصلحة الوطنية، ونريد سلاحًا واحدًا. كما نريد مقاومة لها قيادة ومرجعية واحدة وخاضعة للمصلحة الوطنية، وهذا كله لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال شراكة كاملة. هل هذا سهل؟ كلا. هل هو مستحيل؟ لا، إنه صعب. ولكن من دون ركوب الصعاب لا يمكن تحقيق الأماني والأحلام والأهداف الكبيرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2181094

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع هاني المصري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2181094 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40