الجمعة 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

عباس في مواجهة “معسكر السلام” الصهيوني

صالح النعامي
الجمعة 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

- صالح النعامي

في وقت يزهد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في عقد لقاءات مع ممثلي القوى والحركات السياسية الفلسطينية، وتحديداً التي تعارض، أو تتحفظ، على برنامجه السياسي، فإنه يكثف لقاءاته مع قادة اليسار الصهيوني، أو ما يعرف بـ “معسكر السلام الإسرائيلي”، بهدف التشاور. لكن، هناك ما يدلل على أن عباس الذي يستمع لقادة اليسار الصهيوني يعمل تحديداً وفق رغبات قادة اليمين المتطرف في تل أبيب. فقادة اليسار الصهيوني باتوا يجهرون بأن سلوك الحكومة الصهيونية يضفي شرعيةً على رفض الشعب الفلسطيني توجهات عباس وبرنامجه السياسي، بل منهم من بات يتفهم العمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، وهي المقاومة التي يصر عباس على وصفها بـ“العبثية”. ونظراً لأن زهافا غلؤون، رئيسة حركة “ميريتس”، تعد من الضيوف الدائمين في مقر رئاسة السلطة، فإن لما يصدر عنها، في هذا الشأن، دلالة خاصة. فقد كتبت غالؤون أخيراً: "نتنياهو يريد أن يقول، من خلال سياساته في الضفة الغربية، إن التحقير فقط ينتظر المعتدلين من الفلسطينيين. لذا، لا يتردد في أن يبصق على عباس في كل فرصة ممكنة (موقع وللا،12-10).
ويضيق الجنرال شاؤول أرئيلي، القائد الأسبق لقوات جيش الاحتلال في قطاع غزة، وأحد منظري “معسكر السلام” الإسرائيلي، الخناق على عباس، عندما يدلل على أن إصراره على التعاون الأمني مع إسرائيل لم يسفر إلا عن مصادرة مزيد من الأراضي الفلسطينية وتهويدها. فقد كتب أرئيلي (من الزوار الدائمين للمقاطعة في رام الله): "نتنياهو جعل من عباس أضحوكة في نظر أبناء شعبه، فبدلاً من أن يكافئه على ضبط الأوضاع الأمنية في الضفة، في ذروة الحرب على غزة، وفي ظل تواصل الاستيطان، فإنه يعاقبه بمصادرة أراضي الضفة (هآرتس،18-9).
وينسف يوسي ميلمان، معلق الشؤون الاستخبارية في “معاريف”، مزاعم عباس بأن التعاون الأمني مع إسرائيل في مواجهة المقاومة يخدم المصالح “الوطنية” للشعب الفلسطيني. فقد كتب ميلمان: “إسرائيل معنية بضرب حماس، لكنها، في الوقت نفسه، معنية بتكريس مكانة السلطة كلب حراسة يلتزم بتعليمات إسرائيل التي تجد نفسها في حل من تقديم أية تنازلات” (معاريف،7-9). ويؤكد حنان كريستال، معلق الشؤون السياسية في سلطة البث الإسرائيلية، وذو التوجهات اليسارية، أن محصلة التعاون الأمني الذي يعكف عليه عباس مع إسرائيل ستكون دوماً صفراً بالنسبة للفلسطينيين. ويكرر كريستال، أخيراً، عبارته: “لو قدم عباس رؤوس قادة حماس على طبق من ذهب لنتنياهو، لن يوقف الاستيطان، ولن يسمح بإقامة دولة فلسطينية”. ويبدي الكاتب رويت هيخت خيبة أمل من حرص عباس الشديد على تقديم بوادر حسن النية لإسرائيل، على اعتبار أنها تفضي إلى نتائج عكسية. فقد كتب هيخت، وهو من منظري اليسار الصهيوني: “حرص عباس على التقرب من نتنياهو لا يدفع الأخير إلا إلى توجيه مزيد من الإهانات له، عباس يبدي ميلاً واضحاً للتصالح، ونتنياهو يصر على الرفض” (هارتس،21-6).
لكن، مما لا شك فيه أن أكثر ما صدر عن نخب اليسار الصهيوني، ويمثل إحراجاً كبيراً لخطاب عباس الذي ما فتئ يهاجم المقاومة “العبثية” يتمثل في مقالات كتبها، أخيراً، رئيس الكنيست الأسبق أبراهام بورغ، والذي كان أحد قادة حزب العمل، ويعد حالياً من رواد مدرسة “ما بعد الصهيونية”. فقد كتب: “الاحتلال هو المسؤول عن دفع الفلسطينيين لعمليات الاختطاف، إن كنا نغضب لخطف جنودنا ومستوطنينا، فإننا نختطف المجتمع الفلسطيني بأسره منذ عشرات السنين، ولا يمكن مطالبة الفلسطينيين بوقف سلوكهم هذا قبل تخليصهم من الاحتلال” (هآرتس،18-6). ولا داعي، هنا، للتذكير بالتصريح الشهير الذي أطلقه رئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك، عندما تسرح من الجيش عام 1991، قال: “لو ولدت فلسطينياً لكان من الطبيعي أن انضم لإحدى المنظمات الإرهابية الفلسطينية”. وكان يتوجب على عباس الاستماع لشهادة حاييم غوري، أشهر شعراء إسرائيل، الذي كتب، قبل أعوام، مقالاً في “يديعوت أحرنوت”، كشف فيه أن ديفيد بن غوريون الذي كان رئيساً للوكالة اليهودية، في ثلاثينيات القرن الماضي، اعتبر في خطاب أمام مؤتمر نشطاء حزب “مباي” (أواخر عام 1935) أن استشهاد الشيخ عز الدين القسام، الذي سقط في أحراش يعبد مقاوماً للانتداب والوجود الصهيوني، يعد “أكبر حدث أخلاقي، يسفر عنه السلوك العربي حتى الآن”.
ويستحث رهان عباس على الإدارة الأميركية ودورها في العملية التفاوضية انتقادات إسرائيلية لعباس. فجدعون ليفي، أبرز منظري اليسار غير الصهيوني في إسرائيل، يتميز غضباً من رهان عباس على الدور الأميركي في التسوية، ويلفت نظر قادة السلطة إلى حقيقة أن الولايات المتحدة تتدخل فقط لتكريس الاحتلال، ولإبقاء الفلسطينيين تحت نير العبودية. وفي مقال نشرته “هآرتس”، الأحد الماضي، لفت ليفي الأنظار إلى أن الولايات المتحدة لم تكن، في أي يوم، وسيطاً نزيهاً لحل الصراع، وليس في وسعها أن تقوم بهذا الدور. ونوه إلى أن جميع اتفاقات التسوية التي انجزت تمت من خلف ظهر الولايات المتحدة. ويدعو ليفي الفلسطينيين إلى عدم الانفعال من انتقاداتٍ يوجهها البيت الأبيض للمشاريع الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، حيث يرى أن هذه الانتقادات تعد “بشعة بحد ذاتها”، حيث تشرع فقط المستوطنات، علاوة على أنها فارغة من أي مضمون، ولا تأثير لها.
إن كان عباس لا يريد الاستماع للدعوات التي تنطلق حتى داخل حركة “فتح” لإعادة تقييم برنامجه السياسي، فليفكر بما يقوله جلساؤه من الصهاينة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2177273

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2177273 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40