السبت 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

“فردانية” الانتفاضة الثالثة وفرادتها

السبت 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par د. عصام نعمان

للانتفاضة الفلسطينية الثالثة فرادة لافتة . فرادتها في أنها من إبداع الإنسان الفرد لا الجماعة . الفرد الفلسطيني هو المخطط والمنفّذ والوسيلة . إنه متّحد الغاية والوسيلة معاً على نحوٍ غير مسبوق . لا دور للجماعة قبل العمل الفدائي الذي يقوم به الفرد الفلسطيني ولا خلاله . دور الجماعة، من قياداتٍ وتنظيمات وبيئة شعبية، يأتي بعد العملية الفدائية لا قبلها . دورها يتجلّى في الاعتراف والاحتضان والإشادة، وقد تتطور الإشادة إلى تظاهرات شعبية مؤيدة ومحفّزة .
القيادات الفلسطينية كما “الإسرائيلية” تقرّ بهذه الحقيقة . قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تبنّت، في البدء، عملية غسان وعدّي أبو الجمل كونهما ينتميان إليها، ثم تراجعت واكتفت بمباركة العملية البطولية، فعلت ذلك لأنها أدركت أن عمليتهما كانت بقرار فردي منهما .
القيادة “الإسرائيلية” أقرّت، هي الأخرى، بفردانية العملية، رئيس “الشاباك” (الأمن العام ) يورام كوهين صارح أعضاء لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست: “إن منفذي عملية الكنيس تحركا من دون أي خلفية أمنية سابقة ولم ينسقا ما قاما به مع أي منظمة أو فصيل فلسطيني قبل الهجوم” .
لياسر عرفات قول مأثور: “انتمي إلى شعب أكبر من قياداته” . ليس أدل على صحة هذه المقولة من الأحداث التي تجري منذ أن صعّدت حكومة نتنياهو ومستوطنوها اعتداءاتهم على الحرم القدسي ووسعوا رقعة مستعمراتهم في القدس الشريف . ذلك أن جميع العمليات الفدائية التي جرت ، من طعن ودهس وقتل، إنما تمّت بقرار فردي من مناضلين مترعين بحب الوطن وبإرادة الكفاح حتى السديم العظمي . وما كان هؤلاء ليكونوا كذلك ويفعلوا ما فعلوا لولا شعورهم بأن قامات القيادات، جميع القيادات في الضفة الغربية، أدنى من قامة شعب الجبارين . ليس هذا حكماً نهائياً على تلك القيادات، التي يستحق بعضها أسباباً تخفيفية، بل تفسير لظاهرة فردانية الانتفاضة الآخذة بالتعاظم . ومهما يكن من أمر، لا يضير القيادات أبداً أن يكون شعبها أكبر منها . أملنا أن تكون هذه الظاهرة الفريدة حافزاً لها لتنهض وتعمل وتتسامق لتلامس علو قامة شعبها .
إلى ذلك، تكشف عملية جبل المكبّر الفدائية عن ظاهرة أخرى تتنامى وتقضّ مضاجع قادة العدو . إنها ظاهرة الخوف المتصاعد من أن ترتدي موجة المقاومة المتجددة في الضفة سمة الحرب الدينية . مردُّ الخوف معرفةُ العدو أن لجوءه إلى استثارة المشاعر الدينية لتصعيد الاعتداء على المسجد الأقصى، ومضاعفة عمليات تهويد القدس الشرقية، والإصرار على تثبيت “يهودية الدولة”، هي الأسباب المباشرة لاستثارة مشاعر العرب الوطنية والدينية ولجوئهم إلى أقصى درجات العنف الفردي في الرد والدفاع عن النفس والأرض .
لعل وزيرة العدل تسيبي ليفني هي الأكثر تخوفاً من سيطرة الطابع الديني على الصراع الفلسطيني- “الإسرائيلي” . سبقت جميع المسؤولين “الإسرائيليين” إلى التنبيه لخطورة هذا التحدي المتصاعد . تخوّفت كثيراً من إمكانية تحوّل الصراع مع الفلسطينيين إلى صراع مع الإسلام برمته . لهذا السبب دعت إلى تأجيل عرض مشروع قانون “يهودية الدولة” على الكنيست في محاولةٍ لتنفيس الاحتقان المتزايد في صفوف فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 .
رئيس “الشاباك” يورام كوهين شاطر ليفني مخاوفها من الإمعان في استفزاز مشاعر الفلسطينيين . قال لأعضاء الكنيست إن الأسباب التي تدفع الفلسطينيين إلى تنفيذ العمليات “الإرهابية” (الفدائية) هي “قيام يهود بقتل وحرق الفتى المقدسي محمد أبو خضير ما شكّل دافعاً أساسياً لاندلاع المواجهة الكبرى في القدس الشرقية في الأشهر الأخيرة، بل هناك ظاهرة تتمثل في أفراد يسعون إلى تنفيذ عمليات عدائية في أعقاب الأحداث في الحرم” (القدسي) . أضاف أن “البعد الديني الذي يرتديه الصراع خطر جداً وقابل للاشتعال لأنه ينعكس على الفلسطينيين وعلى أن خيار المقاومة الذي يتبناه الشعب الفلسطيني عصيّ على الاحتواء” .
عملية جبل المكبّر زادت الأزمة السياسية في “إسرائيل” تعقيداً . كانت الخلافات تتمحور حول قضيتي الميزانية ومشروع قانون “يهودية الدولة”، لكن العملية دفعت العامل الأمني إلى واجهة الصراع السياسي الداخلي . فالقلق على الأمن الشخصي بات الهمّ الطاغي على مستوى القيادات . كما على مستوى الجمهور . غير أن ردة فعل نتنياهو كانت مجرد هروب إلى الأمام . فقد أمر بحشد المزيد من رجال الشرطة في القدس، ولمحّ إلى تسهيل معاملات الترخيص ل“الإسرائيليين” اليهود بحمل السلاح، فضلاً عن “إجازة” بناء المزيد من المساكن الاستيطانية في القدس .
إلى أين من هنا؟
لا شك في أن عملية جبل المكبّر هزت “إسرائيل”، وشحنت الشعب الفلسطيني وقواه الحية بمعنويات عالية وبطاقة متجددة للنضال والمقاومة والتضحية، وأطلقت حملات تضامن واسعة في شتى أنحاء عالم العرب . إن ذلك كله، على أهميته، لا يكفي لأن خطورة التحدي “الإسرائيلي” وقوى الهيمنة العالمية التي تدعمه بلا هوادة ولا حساب تستوجب استجابة أعلى وأقوى وأشمل . لعل المطلوب هو تعاون الجميع، مواطنين ومسؤولين، قيادات وقواعد، فلسطينيين وعرباً في الوطن السليب خصوصاً وفي كل أرجاء عالم العرب والإسلام عموماً من أجل تأجيج الاعتراض والمعارضة، والرفض والانتفاضة، والكفاح والمقاومة ضد الكيان الصهيوني في جميع أنحاء فلسطين، ولا سيما في الأراضي المحتلة عام 1948 وفي أرجاء العالم قاطبة . كل ذلك من أجل إعادة قضية فلسطين إلى صدارة اهتمامات العرب والمسلمين ما يؤدي، بدوره، إلى تفعيل القدرات وتوظيفها في المقاومة، وحرب التحرير لاحقاً . بذلك يبرهن الفلسطينيون الأحياء . كما قوى المقاومة العربية، على أن بمقدورنا مواجهة أعداء الأمة على جبهتين: جبهة الإرهاب التكفيري الذي جرى إطلاقه لإلهاء العرب والمسلمين عن فلسطين، وجبهة العدو الصهيوني الطامع بأرض العرب ومواردهم وثرواتهم .
التحدي كبير وخطر ما يستدعي أن تكون الاستجابة والمواجهة بمستوى التحدي، بلا هوادة ولا إبطاء .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2180763

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2180763 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40