الجمعة 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

مجرد أدوات للمشروع الغربي ..أولئك هم المفرقون لصف الأمة

الجمعة 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par صالح عوض

أشعر بعظيم الاعتزاز وأنا ألتقي بقراء أعزاء باستمرار يشدون على يدي لدفاعي عن وحدة الأمة وأتلقى مئات الرسائل والهواتف تبارك هذا الجهد المقل الأمر الذي يجعلني أكثر إصرارا على مواصلة الطريق رغم صعوبة المهمة.. ولعل الشعور بالتقصير مرافق للشعور بالاعتزاز لأن الموضوع يحتاج إلى جهود أكثر تركيزا وأوسع نشرا ومواصلة العمل ليل نهار واستنهاض كل الخيّرين في هذه الأمة لتكوين جبهة قوية مضادة لكل عمليات التخريب داخل الأمة لأن إصلاح ذات البين من أقرب القربات إلى الله كما أن إفساد ذات البين هو الحالقة التي تحلق الدين كما وصف الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام.

في المراكز العلمية الغربية التابعة بالضرورة إلى مراكز صنع القرار والرأي في الغرب يتم التركيز على مصطلحات ومفاهيم بخصوص عالمنا الإسلامي ووطننا العربي يقصد منها تفريغ محتوانا الحضاري أو تشويه نسقنا الثقافي.. فهناك يتم التركيز على المصطلحات القومية والمذهبية ويتم إبرازها بشكل تفصيلي مغشوش.. فبعد أن قسموا وطننا إلى أوطان أصغر لها حدود بجرة قلم وعاد الشام أربعة شامات والعراق انتقص من أطرافه ووادي النيل ثلاث دول والمغرب العربي أربع.. وأطلقوا على الشام والعراق والجزيرة العربية ومصر مصطلح الشرق الأوسط.. بعد هذا كله، دخلوا إلى كل وطن من أوطاننا ليزرعوا فيه الفتن .. ففي مصر مثلا، ركزوا على التقسيم الجهوي والطائفي. فهناك صعيد ونوبة وبحري وهناك أقباط ومسلمون. والأمر بأشكال أخرى في العراق والشام واليمن وليبيا والمغرب العربي، يسلطون الضوء على الإثنيات ويكبرون الفوارق بينها ويهمشون المشترك الكبير ويجعلونه طارئا.. وعمدوا إلى الأقليات لينفخوا فيها ويضخموا التنوع ليصبح مثار اختلاف ويجذرون لها لتكوين حالات من الغيتو المتعددة والكانتونات المحاصرة داخل كل مجتمع.. ويجد هذا الجهد رعاية خاصة من صاحب القرار السياسي في الغرب وتمويل من جهات تبدو محايدة والأمر يتم على عين وبأيدي أجهزة الأمن الغربية المنهمكة بهذه الملفات.

ولا يقف الحد عند المسألة المعرفية والترويج الإعلامي والدعم المالي بل وصل الأمر إلى قيام جيوش الغرب في تكريس الحالات الانشقاقية في بلداننا، كما حصل في سوريا والسودان والعراق ولبنان.. هذا جنبا إلى جنب الضغوط السياسية والاقتصادية التي تتلاعب في ثرواتنا تحت عنوان واضح بلا مواربة، إنه النهب الممنهج لخيرات بلداننا وثرواتنا الطبيعية واستنزاف أموالنا.

ولأننا أمة وقعت عليها الهزيمة السياسية والعسكرية والحضارية وأصبحنا ندور في فلك ثقافة المهزومين وأخلاق المهزومين لم نستطع الخروج لمواجهة المشروع الغربي على بوابات حدود الأمة ونشن عليه الغارة تلو الغارة في مفاصل ضعفه وخوره لنتقي شره.. صحيح، نحن في هزيمة متعددة الوجوه ولكن الغرب ليس في حالة صحية بل إنه يكابد أمراضا خطيرة تتسرب إلى روحه وضميره بعد أن تحولت المجتمعات فيه إلى معلبات وآلات تخضع لشهوة الشركات العملاقة ورأس المال المجنون.. ومن هنا بالضبط تكمن سطوة الغرب ونقطة مقتله.. إلا أننا لا نستطيع الآن كمشاريع عملية في الأمة الخروج من حدود أوطاننا لاختراق الغرب ووضع خطط لانهيار مشروعه الاستعماري من داخله وأصبحنا مباحين في أوطاننا لما هو علني وما هو سري لإفساد مجتمعاتنا.. بل وصل الحد أحيانا إلى قيام الغربيين رغما عنا بتفتيش بيوتنا ووزاراتنا ومراجعة موازناتنا والتدخل في تنحية مسؤول أو تقديم مسؤول وذاك إيحاء أو صراحة..

في هذه المعركة المفروضة على أمتنا تتجدد أساليب الاستعماريين وأدواتهم.. والعملية تتم تحت مراقبة دقيقة من قبلهم، فهم يتابعون بأهمية كل التطورات الحاصلة في مجتمعاتنا ويتدخلون وقت الحاجة لحرفها وتوجيهها حيث يريدون وتدخلهم يتم بالوسائل الملائمة فيصنعون الانقلابات والاغتيالات والمؤامرات وهكذا.

إن أخطر إفرازات هذه المعركة هو تولد كتل بشرية منهزمة في أمتنا.. بشر فقدوا الإحساس بالقدرة على مواجهة المشروع الاستعماري وخططه واعتبروا أن الزمن الاستعماري قدر على العالم.. وهؤلاء البشر أحيانا يكونون واعين لما هم فيه وصرحاء بآرائهم وقناعاتهم فيقولون ما استقر في وجدانهم المكسور.. فهؤلاء سلبيون محبطون، لكن بالإمكان تشخيصهم والإشارة إليهم.. وهناك صنف خطير في الأمة أولئك الذين لا يقرون بأنهم منهزمون وينطلقون بحيوية، يتحركون في المجتمع بعنفوان، ولكنهم يحملون كل فيروسات المشروع الاستعماري الغربي.. أولئك المفرقون لصف الأمة بأي دعوى كانت والمثبطون لهمتها والمفسدون لوحدتها أولئك بغض النظر عن أدواتهم ولون خطاباتهم وحروف مفرداتهم تكلموا بالعربية أم بالفرنسية والإنجليزية تكلموا بالمفردات العلمانية أو بالمصطلحات الدينية هم من يقوم بالمهمة القذرة توطئة لسيطرة دائمة للمشروع الغربي الاستعماري على أمتنا.

إن كلامنا هذا لا يعني أننا عرق واحد ورأي واحد وجهة واحدة.. وصعيد واحد.. وكما أن الولايات المتحدة ترى أن قوتها في تنوعها ومن غير المقبول لديها الدعوة إلى تفسيخ الأعراق والاجتهادات والجهات رغم كل ما فيها من مظالم عنصرية لأنها تدرك أن التفسخ وصفة للانهيار.. إن عظمة حضارتنا من لحظات انطلاقتها الأولى جمعت إليها البشرية بكل مكوناتها، وإن مسيرة حضارتنا العظيمة شهدت التنوع والتعدد في القوميات والاجتهادات، وأتباع الديانات، وكان هذا مثار تميزها الإنساني وتفردها بأن تحتوي الجميع وفق منهج راشد يعزز قيمة الإنسان وينشر السلام في المجتمع ويحميه من كل شذوذ عنصري وتطرف مخل لروحه الرحمة للعالمين.. وقد اشترك الجميع في هذه الأمة بالعطاء من أجل الترقية والتطور وجاءت إسهامات الجميع كل حسب قدرته وتخصصه ومن موقعه فتشكلت لنا صفحات المجد فقها وأدبا وفنا وثقافة إنسانية وحياة تليق بالإنسان حيث هو إنسان، وعلوما متخصصة في كل المجالات.

هذا النسيج الرائع الذي قدمته حضارتنا يتعرض اليوم للهجوم في حلقات أخيرة منه بعد أن تمكن الغربيون الاستعماريون من تسجيل نقاط فوز لهم علينا في أكثر من مجال وفي أكثر من بلد.. هذا النموذج الرائع الذي لم تشهد البشرية له مثيلا على المستوى النوعي وعلى مستوى التمدد عبر مئات السنين هو المراد إلغاء كل محاولة لاستئنافه وتكميم كل الأفواه الداعية لاستعادته والتشويش واللغو على كل من يتحدث عنه..

من هنا، نستطيع توجيه الاتهام إلى كل من يحاول تفسيخ الأمة وإثارة النعرات فيها بأي لون كانت.. فالمعركة اليوم هي معركة الدفاع عن الأمة ورسالتها والتصدي لمحاولات تفتيتها وإنهاء دورها.. المعركة اليوم معركة وجود.. أما التنوع والتعدد فهو يعرف قوانين تعايشه السلمي في الأمة دونما إقصاء أو طغيان أو جور وتلك ميادين أخرى ليس الآن وقت الانشغال بها..

أجل.. إن المفرقين لصف الأمة ما هم إلا مجرد أدوات للمشروع الاستعماري الغربي.. تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165911

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165911 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010