السبت 6 كانون الأول (ديسمبر) 2014

حتى إذا بلغ الأربعينَ قال : ....

السبت 6 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par أيمن اللبدي

حتى إذا بلغ الأربعينَ قال : ....

أطلَّت شعلُتنا الأربعونَ في هذا اليوم ِالفاتحِ من كانون لعام خمسٍ بعد الألفين وضّاءةً وضيئة ، تحملُ إصرارَها الذي لا يلينُ، وعزمَها الذي لا يُبارى، وعنفوانَها الذي لا يخبو،وأملَها الذي لا يبارحُ، وبوصلَتها التي لا تنحرفُ ، وثقتَها التي لا تتزعزعُ ، وفداءَها الذي لا ينضبُ ، وحكمتَها التي لا تغيبُ ، ووفاءَها الذي لا ينقطعُ ولا َينسى، وإبداعَها الذي ما انفكَّ شراعاً عتياً على المستحيلِ ، في كل البحارِ وبوجهِ كلِّ الأنواءِ والعواصفِ والأخطارِ.

ومع ذلكَ... فقد أطَّلت للمرة الأولى حزينةً على غياب صانعها وُمشعلها ومفجِّر السدود أمامَها ، أطلَّت بدمعةٍ دافقةٍ ودمعةٍ مخبوءةٍ ودمعة بينهما مختزنةٍ لكلِّ شمعةٍ قادمةٍ وكلِّ شعلةٍ مقبلةٍ حتى تحقيق أمانيِّ هذا القائدِ الشهيدِ والرمزِ الخالدِ والصلاةِ الدائمةِ في محرابِ هذا الشعبِ العظيم ، أطَّلت وهي تعيدُ القسمَ وتجددُ العهدَ وتمارسُ البيعةَ من جديدٍ معلنةً بيانَها المدوي على ملأٍ وعلى رؤوس الأشهادِ بأننا حتماً لمنتصرون، فنمْ قريرَ العينِ يا صاحبَ العلامةِ ويا حاملَ الرسالةِ فقد بلّغتَ ونحن نؤمّنُ خلفكَ ، اللهمَّ فاشهدْ، اللهمَّ فاشهدْ.

- يا صاحبة الشعلة :

قد سبقَ على طريقكِ الرجالُ وسرى في ديجورِ الظلمِ الأشدِّ الأبطالُ من أجلِ فجركِ العنيد ، لا فجراً كاذبَ ولا صبحاً خلَّبَ ، وإنما من أجل فجرٍ منجبٍ ولّادٍ ومن أجل صبحٍٍ مشرقٍ غلّاب ٍ، ومن أجلِ حريةٍ وكرامةٍ ومجدٍ تستحقينهُ ويستحقهُ أبناؤك الأوفياءُ ، وفلذاتُ كبدكِ النجباءُ ، وهم شامةٌ بين الأمم لا ُينكرُ أولُّهم بجَلَد ولا يُنكرُ آخرُهم بوَسَد، فكلّهم آسادُ الشرى وفوارسُ اللقا وأصحابُ الشَمم والإباءِ والعزمِ وصنّاعُ المسيرةِ ، لا نفرُّق بينَ أحدٍ منهم ولا نقدِّمُ فيهم إلا بقدرِ ما قدّمَ واحدُهم وأنكرَ في ذاتٍ لغيرٍ وآثرَ عن نفسهِ طهراً ونقاءً وتضحيةً وسمواً من أجلكِ ومن أجل شعبك.

قالَ البعضُ فيك قبيلةً ونعم القبيلةُ ، وقال البعضُ فيك أسرةً وأكرم بالأسرِ ، وقالَ البعضُ فيكِ عشيرةً وهل أرفعُ وهل أعظمُ وهل أجلُّ !، ومع ذلكَ بقي الأبناءُ على دربِ الآباءِ ، وسارَ الأخوةُ بيد الأخوةِ في كلِّ ظرفٍ وكلِّ زمانٍ على الطريقِ الطويل، تنفتحُ المسائلُ فتغلقُ بالحرصِِ وبالحكمةِ ، وتتبدّى العوائقُ فتجتازُ بالإلهامِ والإخلاصِ والجدِّ ، وتردُ الوعرةُ من الطريقِ تحدياً ، فتصبحُ بالتأني والخبرةِ والعزمِ رهواناً، وتستحقُ الصراحةُ بينَ فئامها شورى ، فتنبلجُ الدروبُ منيرةً ، ولا يعلو سوى صوتِ المنعةِ وحديث ِالعصمةِ وخطابِ الحكمةِ وحقِّ الوفاء.

- يا سيِّدةَ المسيرة :

بينَ إشعالِ الشعلةِ وحفزِ المسيرةِ كنتِ سيدةَ الطريقِ ، وحاديَ الركبِ وجملَ محاملهِ العظيم ،وكانت فيكِ دوماً ملامحُ التقديمِ وصمامُ الأمان ، قدرةُ القيادةِ وقيادةُ التوازنات ، وصنعُ المبادرةِ ومبادرةُ الاشتقاقاتِ ، وحرفةُ الإبداعِ وإبداعُ الاحترافِ ، وصنعُ الموجبِ وإيجابيةُ التناولِ والتداول ، تاريخٌ طويل صنعَ قدرةَ َالبقاءِ في مواجهةِ حرابِ الشطبِ والإلغاء ، بينَ الزرعِ والحصادِ ومحدوديةِ الغزلِِ في العدةِ والعتادِ ، وفوقَ الجمودِ وإطالةِ الوقوف، وقرار (لا قرارَ) فيما طال الكسوفُ، كانت كلُّها قدراتٍ وكلُّها مزايا سواء أنكرها المنكرونَ أو أقرّها الموضوعيون.

وبينَ أخوةِ المسيرة ِورفاق الدربِ كنتِ دوما أماً ومحراباً للجميع ، حاضنةَ الفعلِ ومتحملةَ جريرةِ الأفعالِ ، صاحبة اليدِ الطولى في العطاءِ والرفدِ والشدِّ وفي المغارمِ أكثَرها تحملاً وأبلغَها غرماً ، ومع ذلك رعيتِ حقوق الرحمِ وحميتِ الذمارَ بالحلم ِ، وسعيتِ إلى وحدةِ اللحمِ والعظمِ ، تؤمنين بالوحدة الواحدة واللقاءِ على أرضِِ العمل، وتكثرينَ من غرسِ الحماسِ وزرع ِالأملَ ، نهضتِ إلى أعباءَ جمعِ الشملِ ولمِّ ما أنجبَ الرحمُ ، وأقررتِ به واجباً ونهضتِ له مطلباً ولم تلقِ بالاً لمنْ أنكرَ واتهمَ أو تجاوزَ وتلعثمَ .

- يا أبناءها الميامين:

غابَ أبو عمار ، وتلغَّمَ المسار، ونادينا برفيقهِ على دربِ الوفاءِ بإصرار، وأمامنا من الأسئلةِ أكثرُ مما يتوفر من إجابات، بين البقاءِ حركةَ تحريرٍ والإصرارِ في ذاتِ الوقتِ على البناءِ والتعميرِ، وبين الذهابِ إلى الدولةِ دونَ رؤيا لمستقبلٍ ومصير، بين العدوِ والوثوبِ في ساحةِ الفراغِ الممكن ِالامتلاءِ ، وبين التحمّسِِ لشروطِ هذا الامتلاءِ دونَ إيغالٍ في الرهانِ عليهِ ، بين التحوُّلِ حزباً قبل إنجازِ الدولة ِالسيِّدة ِوإنهاءِ العدوانِ وإقفال فئة الشتاتِ وتشتتِ الجهاتِ ، وبينَ تحقيق الدولةِ في ملامحِ التوازناتِ دونَ حرق ِ المراكبِ وتحطيم الجسورِ.

في الاستراتيجيا يلزمُنا الجلوسُ والتفكيرُ وفي التكتيكِ يلزمُنا المراجعُة والتدبيرُ وفي البرنامج يلزمُنا توضيحُ المسارِ وصياغةُ المصيرِ، وفي الآلياتِ يلزمُنا فحصُ الأدبياتِ ومقارنةُ الوقائعِ وشطب التمنياتِ المعلَّقةِ على لو ، وتجديدُ صياغةِ القافيةِ والأبياتِ ، وفي الهياكلِ والبناءِ يلزمُنا فتحُ الطريقِ إلى تناغم ِالأجيالِ وتداولِ الأعباءِ وتنشيط ِالدماءِ ، وفي الإجابةِ بين المقاومةِ على أيِّ جنبٍ تكونُ، وبين السياسة على أيِّ قدم تسيُر، يلزمنا الوقتُ المقبلُ وقد تحدَّدَ زمانهُ من غيرِ تأجيلٍ ولا تقصيرٍ، وفي قياسِ الأداءِ يلزمنا أكثرُ من وصفة الحنّاءِ ، ومع الأخوةِ الباقينَ لدينا القاسمُ المشتركُ الأعظمُ وهم على ذلك متيقنينَ، ولو لم تكن حماسُ والجهادُ لأوجدنا حماسَ والجهادَ ، ولو لم تعد السماءُ ممطرةً لأمطرناها من جديد.

- يا أخوتنا المقدَّمين :

حملتم الشعلةَ الأولى ونصحتمُ المسيرةَ الكبرى وأديتم الأمانةَ العظمى ولا زلتم على الدربِ سائرون، لكم كلَّ تحيةٍ وكل محبةٍ وكل موضعٍ مقدّم ، وبكم الفخرُ والاعتزازُ فمن بين أضلعكم ارتقى نصابُ الشهداء إلى السماء ، ومن بينكم نهضَ البناةُ الأوفياءُ ، ونفهم كلَّ حرصكم على ما بنيتم وعلى ما استؤمنتم عليه ، ونغلي شدةَ تشبثكم بالرسالة وكيف يجبُ أن تكون وتستمرَّ، ونرقبُ فيكم الحرصَ الشديد على بقاءِ الشعلةِ في الموضع الأعلى ، ومع ذلك فحاملُ الشعلةِ يعلمُ أن سيحملها حتى حين وأن سيودعَها لا مناصَ يوماً أخوةً وأبناءَ مخلصين ، فعليكم يقوم واجبُ التمرين، فهو جزءٌ لا يتجزَّأُ من الحملِِ الحصيفِ الأمين.

هناك استحقاقُ البحثِ عن الوجهةِ مثلُ استحقاقِ البحثِ في المتوجهينَ ، وجوابُ الأزمةِ في ذلكَ ولن ينفعَ عوضاً عن ذلك إدارتُها حتى حين، وبينَ خارجٍ وداخلٍ وعلنيٍ وسري ٍ لم تعد تشفعُ أنصافُ الأجوبةِ ولا أجزاءُ الإشارات، وفي مسائل الأجيال والديموقراطية وصنعِ الحقبة القادمة وعمل المؤسسات لم تعد تنفعُ ما سبقَ من الوصفات، وبينَ الضبابِ السابقِ والضبابِ اللاحقِ لا تقبلُ الاستعاراتُ ، فقد مضى صاحبُ جمعِ العجيبِ إلى رحمة الله خالداً ، ومن الوفاءِ الذي أعلنَ له ومن السيرِ على خطاهُ توثيقُ النظرِ في كيفَ يكون السيرُ الجديدُ بما يلزمهُ ليكونَ تفسيراً وإبداعاً وليسَ تطابقاً في غير موضعِ الممكن، وعلى ذلك فلينطلق التفكيرُ بصوت عالٍ من أجل العهدة القادمة ومرةً أخرى في ذلك جزءٌ من حمل الأمانة لا شك َّ في ذلك ولا مراء.

- يا شعبها العظيم :

من أجلكَ وفي سبيلكَ وسبيلِ وطنكَ كانت وانطلقت لتغيِّرَ منطوقَ واقع العجزِ وعجزِ الواقع ، ومن أجلِ أهدافكَ الإنسانيةِ النبيلةِ تجذَرت وتعملقت ، ومن أجلِ تحقيقِ أمانيكَ وتطلعاتكَ بالعودة الواجبة الحق وممارسة حقِّكَ السيد ِ على أرضكَ الطاهرةِ العربيةِ الكريمةِ وقفت ، وفي سبيلِ صيانةِ هويتكَ النقيةِ وحراسةِ مقداساتكَ وتراثكَ تمترست وقدّمت كلَّ غالٍ وثمين ، فانتقلت بكَ عبرَ المحطات من أوَّلِ اللجوءِ إلى أوَّل القدوم ، ومن آخرِ الشطبِ والإلغاءِ إلى آخرِ الاعترافِ والتسليمِ بالوحودِ وقدرةِ البقاء ِ، ومن أجلِ علمكَ ونشيدكَ وحقوقكَ المقدسةِ تشبثت كالعنقاءِ بكلِّ عزم ٍ وكلِّ شموخْ.

سارت من أجلِ ِ خلاصكَ وابتدعت الممكنَ وما نسيت المتيَّقنَ، وحاولت وحاورت وناولت وناورت لكنها أبت التفريط والانفراط، وستبقى على عهدكَ بها دوماً من غير تبديل ولا تحويل، صنتها فصانتك ورفدتها فأعظمتك وقدّمتها فتواضعت لك وتقوَّت بكَ، لن تكونَ في قادمها إلا كما كانت في سالفها يدكَ القوية وصوتكَ المدوي وقلبكَ النابضَ وحضنكَ الدافيءِ وسلاحكَ المكين، إن أردتها ناراً فهي زلازلكَ وبراكينكَ وغضبكَ الهادر، وإن أرتها سلماً فهي زيتونكَ وجسركَ إلى البردِ والسلام، وإن أردتها برزخَ الخلاصِ إلى الغد فهي دربك العنيد إليه وعزوتك من أجله وفيه شهورها شهورك وأيامها أيامك وشموعها شموعك قرارُها قرارك ، حرّمت ما حرّمتَ وأحلَّت ما أحللتَ ، وستبقى على البقاء رقمه الصعب وميزانهُ الأصعبْ، فالعهدُ هو العهدُ والقسمُ هو القسم ُ وطوبى لأبنائك الشهداء وجرحاك الأبطال وأسراكَ الفوارسُ وإنك وإنها لمن المنتصرين.

أيمن اللبدي
1/1/2005



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165834

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165834 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010