الثلاثاء 3 آب (أغسطس) 2010

فلسطين بانتظار «ويكي ليكز»

الثلاثاء 3 آب (أغسطس) 2010 par د. بثينة شعبان

في زمن العالم الحرّ، الذي يدّعون، ينتظر الناس الأخبار الحقيقية من موقع «ويكي ليكز» الذي أخذ على عاتقه تسريب وثائق ومستندات تخبر عن حقيقة الأوضاع في أفغانستان وعن المشكلة الكبرى التي تواجهها قوات الناتو وقوات الولايات المتحدة في وجه الهجمات المتصاعدة لطالبان، على عكس ما تعكسه وسائل الإعلام «الحرة»، كما ينقل يأس الشعب الأفغاني من التوصل إلى حلول على يد جيوش الناتو التي لم تجلب سوى الدمار والقتل للمدنيين الأفغان. وبدلاً من أن يتم التعامل مع الوثائق والمستندات كمؤشرات جديدة تستوجب وقفة جدية، وربما تحركاً مغايراً للمألوف والمتوقع، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإن جلّ الاهتمام الرسمي السياسي والإعلامي انصبّ على كيفية حدوث التسريب، والأشخاص المسؤولين عن هذا التسريب، والأهداف المرتجاة من ورائه ضمن نظرية تحويل كلّ من يقاوم هذا التوجّه العسكري الأميركي الرسمي إلى مشتبه به وربما إلى «إرهابي».

ومع ذلك ورغم التسريبات والضجة الرسمية المصطنعة التي أثارتها هذه التسريبات فقد قرر الكونغرس منح 37 مليار دولار من أجل الاستمرار في الحرب على أفغانستان والعراق، حتى وإن تزامن هذا مع الكشف عن «ضياع» عشرات المليارات في العراق، وعدم وصول الأموال إلى الأهداف التي رُسمت لها في واشنطن. هذا في مسألة تمسّ أمن واقتصاد وسمعة الولايات المتحدة في الصميم بسبب انخراطها المباشر والمعلن في أفغانستان والعراق، فكيف بنا إذا ما أردنا القياس على هذا الوضع في الأخبار المتداولة في الغرب عن فلسطين وحصار المدنيين في غزة وتهويد القدس وتشريد فلسطينيي 1948 والاستيطان في الضفة الغربية، حيث يمثّل المستوطنون المتحكمون بالسلطة في «إسرائيل» المصدر الوحيد لأخبار هذه البقعة الجغرافية من العالم، ولا يمكن لمنظمات حقوق الإنسان الوصول إلى أماكن الحدث حيث تمارس قوات الكيان بمساعدة المتطرفين المستوطنين تطهيراً عرقياً لا مثيل له في القرن الواحد والعشرين دون أن نقرأ ولو خبراً واحداً في وكالات الأنباء العالمية عن جرائم هذا التطهير، ناهيك عن إدانته.

لقد دمرت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» منذ أيام قرية العراقيب عن بكرة أبيها ولم تسمح للسكان حتى بأخذ مقتنياتهم العائلية. بحيث وقف ثلاثمائة وعشرون إنسان عاشوا وأجدادهم في هذه القرية قبل نشوء الكيان الصهيوني، كما تدل مقابرهم على ذلك، وقفوا يعاينون تاريخهم وماضيهم وعلاقاتهم وقد تحولت ركاماً أمام أعينهم بفعل آلة عسكرية عنصرية بغيضة جرّدتهم من إنسانيتهم وصبّت جام غضبها عليهم، لا لذنب ارتكبوه سوى لأنهم فلسطينيون، نابتون من أعماق هذه الأرض التي يطمع بها الصهاينة والمستوطنون، ويستولون عليها جزءاً بعد جزء بقوة السلاح، وبدعم غربي، وصمت دولي معيب يجب أن يندى له جبين الإنسانية. وقرية العراقيب هي واحدة من خمسٍ وأربعين قرية تتعرض للإبادة والتطهير العرقي من قبل كيان استيطاني سبق وجود هذه القرى وجودَه بمئات السنين، ومع ذلك يصمت «الإعلام الغربي الحر» عن مصير هذه القرى فيما يغطي القرى الروسية التي دمرها حريق الغابات الأخير. أضف إلى ذلك تهجير الفلسطينيين من حيفا ويافا والقدس ومدن وقرى إلى الضفة الغربية، وتقطيع أوصال العوائل الفلسطينية التاريخية والاجتماعية. ويتزامن كلّ هذا مع تدمير المنازل العربية في القدس وشنّ غارات على قطاع غزة وقتل الأبرياء وترهيب السكان. ويحدثك القادمون من هناك عن إجراءات عنصرية لا يعلم بها أحد سوى من يعايشها من السكان الفلسطينيين حيث تطلق قوات الاستيطان العنصرية كلّ ليلة الخنازير البرية في قرى ومدن الضفة الغربية لتطلق أصواتاً وتعيث فساداً وترعب وترهب السكان، وذلك لدفعهم إلى الهجرة ومغادرة الأرض التي هي هدف الاستيطان العنصري. ومع كل هذا وذاك تجد إجراءات البيت الأبيض تتجه إلى تجميد أموال أشخاص سوريين «يهددون استقرار لبنان!» حيث يقول أوباما للكونغرس في رسالته بهذا الصدد : «إذا كان سجل تطور إيجابي في العلاقة بين سورية ولبنان فإن استمرار نقل الأسلحة إلى حزب الله بما فيها أسلحة أكثر تطوراً، يؤدي إلى تقويض سيادة لبنان ويساهم في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، ولا يزال يشكل تهديداً للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة». في حين أن تغاضي حكومات الولايات المتحدة عن الجرائم العنصرية التي ترتكبها «إسرائيل» وسياسة التطهير العرقي التي تنفذها بتشجيع وتمويل ودعم من الولايات المتحدة، هو الذي «يشكّل تهديداً حقيقياً وجوهرياً للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة»، لأنه من جهة يفقد العرب أي ثقة بمصداقية وحيادية الولايات المتحدة ومن جهة ثانية يفلت العنان لشيطان العنصرية والطائفية والتطهير العرقي في «إسرائيل» والذي إذا انفلت من عقاله لن يجلب الدمار والكوارث لمنطقتنا فحسب، بل للعالم برمته، ولن يكون أحد بمنأى عن آثاره المدمرة. وإذا كان الرئيس الأميركي أو أحد من فريقه يعتقد أن في ذلك مجانبة للواقع فإني أشير عليهم قراءة جدعون ليفي في «هاآرتس» 25 يوليو 2010 بعنوان : «الناس يريدون شرطة تقتل، ولكن فقط العرب». في هذا المقال يتحدث جدعون ليفي عن قتل الفلسطينيين الأبرياء على أيدي الشرطة «الإسرائيلية» ومن ثمّ تبرئة هذه الشرطة من قبل المحاكم «الإسرائيلية» ويسوق مثالاً على ذلك الشرطي شاهار ميزراهي الذي أعدم مواطناً فلسطينياً كان يحاول الهرب وبلغت حدة التعاطف معه أن حوّله الجمهور «الإسرائيلي» من قاتل إلى بطل، كما يتحدث عن تبرئة الشرطي شموئيل يهزيكل والذي أطلق الرصاص في عام 2005 على الفلسطيني سمير داري وأرداه قتيلاً. ويضيف ليفي : «لا يمضي أسبوع دون أن تضرب الشرطة وتقتل مدنياً، وبدلاً من مقاومة هذه الظاهرة الخطيرة نقبل دعم جرائم الشرطة ويترافق هذا مع صمت معيب من قبل رئيس الوزراء نتنياهو ووزير العدل ياكوف نيمان والمدعي العام يهودا فيسنتاين. المحكمة العليا مرة أخرى وحيدة ضد كلّ هذه الموجة من العنف والتي نادراً ما تذكر في الصحافة». ويختتم ليفي بالقول : «البارحة قتلوا دون سبب يذكر محمود غانم، وغداً هم مرشحون أن يقتلوا مدنيين يهود أيضاً. حينذاك فقط سوف نحتج بالتأكيد».

إذا لم تكن هذه هي العنصرية فما هو تعريف العنصرية إذاً؟ ولصالح من هذا الصمت الدوليّ المريب في وجه هذا المدّ العنصري المتنامي والمتصاعد في «إسرائيل»؟ وفي مقال يفيد أن ذات التوجه متجذر ومتصاعد في «إسرائيل»، يتحدث أمنون شموش عن عنصرية أخرى في «إسرائيل» بين أم يهودية أشكنازية وأخرى يهودية مغربية أو إثيوبية ويضيف : «إن الافتراض الأساس الذي يقود إلى الفشل هو أن فهم العرب مناقض لفهمنا، فهم أقل حكمة منا ومقاتلو العرب من أجل الحرية هم إرهابيون مثيرون للاشمئزاز مختلفون جذرياً عن الإرهابيين اليهود الذي أعجبنا بهم خلال الحكم البريطاني، وأن الحياة غير مقدسة لديهم كما هي مقدسة لدينا وأنهم إذا لم يحصلوا على الحلويات سوف يطيحون بحكومة حماس التي انتخبوها بغباء» (يديعوت أحرونوت، 23 يوليو 2010). وإذا كانت هذه الآراء والتحليلات لا تمثل تسريباً مهماً لحكومة الولايات المتحدة والغرب فليقرأوا أيضاً نيف غوردون في جريدة «الغارديان» البريطانية بعنوان : «التطهير العرقي في النقب «الإسرائيلي»»، (مع أنه النقب الفلسطيني لأن كلّ قراه فلسطينية) حيث يقول الكاتب «إن إبادة القرية (الفلسطينية) بكاملها من قبل الشرطة «الإسرائيلية» يُري المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الدولة لتحقيق هدفها وهو تهويد منطقة النقب». ماذا ينتظر الغرب والولايات المتحدة من أخبار مسربة كي يعلموا علم اليقين أن صمتهم وتغاضيهم عن أخطر جريمة تطهير عرقي وإبادة عنصرية ترتكب في القرن الواحد والعشرين سوف تمثل خطراً كاسحاً ليس للأمن القومي الأميركي فقط وإنما لأمن منطقتنا والعالم أجمع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2178032

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178032 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40