الثلاثاء 3 آب (أغسطس) 2010

اللجوء إلى الدبلوماسية السرية

الثلاثاء 3 آب (أغسطس) 2010 par نقولا ناصر

في مواجهة إجماع شعبي وسياسي فلسطيني على رفض استئناف أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي» لم يتمخض عن جولاتها العلنية والسرية التي لم تنقطع منذ مؤتمر مدريد عام 1991 سوى إطالة أمد الاحتلال العسكري وترسيخ الاحتلال الاستيطاني وتوسعه، وهو إجماع لا يشذ عنه سوى القيادة التي ارتهنت القضية الوطنية والقرار الفلسطيني للخيار الواحد الوحيد المتمثل في «التفاوض فقط»، فأوصلت حركة التحرر الوطني الفلسطينية إلى وضعها الراهن المشلول، تبحث هذه القيادة الآن عن «تطمينات» و«ضمانات» دولية، وبخاصة أمريكية، كمسوغ لاستئناف هذه المفاوضات، وسط توقعات باحتمال لجوئها إلى الدبلوماسية السرية لاحتواء ردود الفعل الوطنية الرافضة.

وقد حصلت هذه القيادة، كما كان متوقعاً، في القاهرة يوم الخميس الماضي على «غطاء» اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية التي تركت لها اتخاذ قرار «توقيت» استئناف المفاوضات المباشرة، وهذا مخرج يسمح لكلا الطرفين بتحميل الطرف الآخر المسؤولية عن استئناف المفاوضات المباشرة، فوزراء خارجية لجنة المتابعة يمكنهم القول، إذا استؤنفت المفاوضات ولم تنجح، كما هو متوقع، إن القرار كان بيد الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، وبالمثل يمكن لعبّاس أن يقول في هذه الحالة إن قرار استئناف المفاوضات كان قرارهم هم وإنه كان الموكل بتنفيذه فحسب، أما إذا نجحت المفاوضات فإنها تخريجة تسمح لكلا الطرفين بادعاء الفضل فيها.

واحتمال اللجوء إلى الدبلوماسية السرية واقعي تماماً، لأن مثل هذه الدبلوماسية، أولاً، هي التي أنتجت الوضع الراهن في المقام الأول، ولأنها ثانياً جزء لا يتجزأ من الممارسة التاريخية لهذه القيادة منذ أبرمت اتفاق أوسلو عام 1993 من وراء ظهر الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن ومن وراء بعض حلفائها العرب الذين تتدثر حاليا بغطائهم لاستئناف التفاوض العلني المباشر، ولأنها ثالثاً دبلوماسية سرية لم تنقطع، لا اتصالاً ولا تفاوضا، بالرغم من أن ثمارها السياسية لم تكن أفضل من نتائج الدبلوماسية العلنية، بل أثبتت أنها الأسوأ.

ثم إن الضغوط الأمريكية التي جندت معها الضغوط الأوروبية لاستئناف المفاوضات المباشرة هي عامل ثالث لاقبل لهذه القيادة بمقاومته وإلا قطعت شريان الحياة الذي يمدها بأسباب البقاء، لتكون الدبلوماسية السرية هي المخرج الوحيد المفتوح أمامها للرضوخ لهذه الضغوط، وتفادي مواجهة مكشوفة مع الرفض الوطني لاستئناف المفاوضات.

وهي على كل حال دبلوماسية لا يوجد أي دليل على أن هذه القيادة لا تمارسها فعلاً الآن في غياب المفاوضات المباشرة العلنية، ربما لتضمن «نجاح» المفاوضات، كما حدث في أوسلو قبل سبعة عشر عاماً، قبل أن تنقلها إلى العلن.

والوضع الذي تجد نفسها فيه القيادة الفلسطينية، لا تحسد عليه، فهي «عاجزة» أمام شعبها عن الانتقال إلى مفاوضات مباشرة، من دون «أجندة» و«ضمانات» و«مرجعية»، لأنها سوف «تقوض تماماً» الأسس التي تقف عليها، وهي «غامرت فعلاً ببدء المفاوضات غير المباشرة» بوساطة أمريكية عندما ناشدت شعبها أن «يعطيها فرصة» بعد أن تلقت رسالة من الإدارة الأمريكية تحثها على الدخول في محادثات كهذه.

ما لم يحدث «تغيير في السياسة «الإسرائيلية»»، كما قال كبير مفاوضي السلطة صائب عريقات للفايننشال تايمز البريطانية يوم الأربعاء الماضي . ولا يوجد أي مؤشر إلى احتمال حدوث أي تغيير كهذا في المدى المنظور، لا في سياسة حكومة دولة الاحتلال، ولا في السياسة الأمريكية خصوصاً عشية انتخابات الكونغرس النصفية بعد أقل من مئة يوم.

لا بل إن الأسوشيتدبرس قالت الأسبوع الماضي إنها حصلت على وثيقة فلسطينية كشفت بأن المبعوث الرئاسي الأمريكي جورج ميتشل خلال جولته السادسة الأخيرة في المنطقة قد «حذر عبّاس» بأنه إذا لم يوافق على استئناف المفاوضات المباشرة فإن «الرئيس باراك أوباما لن يكون قادراً على مساعدة الفلسطينيين في تحقيق دولة خاصة بهم».

فالرئيس الأمريكي، الذي يضغط على هذه القيادة بقدر ما يضغط على حلفائه وحلفائها العرب من أجل استئناف المفاوضات العلنية التي لم تنقطع سراً على كل حال، يتباهى بأنه لاعب «بوكر» جيد، كما كتب جون فيفر في «فورين بوليسي إن فوكاس» في 16/9/2009، ملمحا إلى أن أوباما يتعامل مع «عملية السلام» نفسها كلاعب بوكر، بدأ اللعبة في بداية عهده برفع «الرهان» عالياً عندما طالب دولة الاحتلال بوقف كل أشكال التوسع الاستيطاني، كشرط لاستئناف هذه العملية، ليجر معه قيادة التفاوض الفلسطينية إلى الرهان على رهانه الذي خسره بطريقة مهينة، ليتبين بأن «القوة العظمى الوحيدة في العالم إنما كانت تخادع فحسب»، لتترك هذه القيادة «معلقة فوق الشجرة»، كما يقول المصطلح السياسي الدارج إعلامياً اليوم، لا تستطيع النزول عنها لكي ترضخ للضغوط من أجل استئناف المفاوضات المباشرة.

لكن قضية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنهاء احتلال وطنه كشرطين للسلام الذي لا يوجد في العالم اليوم شعب أحوج منه إليه، ليست «لعبة بوكر»، وقد آن لهذه اللعبة أن تتوقف، وليست المفاوضات العقيمة التي يضغطون من أجل استئنافها اليوم إلا جزءاً لا يتجزأ منها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2178808

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178808 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40