الجمعة 12 كانون الأول (ديسمبر) 2014

هل نسيتم غزة بهذه السرعة؟

الجمعة 12 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par الياس سحاب

في صيف هذا العام، وعلى مدى شهر ونيف قامت “إسرائيل” بأحد أشرس عدواناتها على قطاع غزة (ولعله فعلا العدوان الاشرس)، فدمرت البنية التحتية والقطاع السكاني تدميراً شبه كامل، وقتلت ما يزيد على الفي شهيد، وأكثر من عشرة آلاف جريح، القسم الاكبر منهم من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال المدنيين .
وفي المقابل فقد أصلت المقاومة في غزة “إسرائيل” بنيران صواريخها التي غطت للمرة الأولى كامل أراضي فلسطين المحتلة في العام 1948 .
واتفق يومها على أن الإنجاز الأهم، بعد صمود غزة البطولي والاسطوري، هي الوحدة الوطنية التي تجلت في الوفد المشترك الذي تشكل من جميع الفصائل الفلسطينية . وقد تجلت هذه الوحدة ليس فقط بطريقة تشكيل الوفد، بل بأسلوبه في أداء مهماته بروح من الوحدة الوطنية الخالصة .
بعد ذلك، كان المفترض أن يأتي دور الانجازات الحقيقية اللاحقة، والمتمثلة في ثلاثة بنود، بعد تبادل وقف إطلاق النار:
1- إعادة إعمار كل ما تهدم في غزة
2- فتح جميع المعابر المغلقة من جميع الجهات، وعلى الأخص منها معبر رفح الفلسطيني- المصري
3- البحث في إعادة فتح كل من المطار والميناء .
غير أن شيئاً غريباً هو الذي حدث بعد ذلك، وما زال يحدث حتى اليوم، خلاصته أن كل الاطراف انفضّت من حول غزة، وكأن شيئاً لم يكن، وها أن العام يكاد ينقضي بعد أيام معدودات، ولا شيء في الأفق ينبئ بانجاز أي من البنود الثلاثة، سوى تبادل التهدئة، ووقف إطلاق النار .
الشيء المؤكد هو أن المقدمة الطبيعية لظاهرة نفض اليدين هذه كانت مؤسسة على الانفراط السريع لروح وانجازات الوحدة الوطنية الفلسطينية، وكأن باقي الأطراف كانت تنتظر بفارغ الصبر انفراط عقد هذه الوحدة الوطنية الفلسطينية حتى تقوم بنفض يديها نفضا كاملا من موضوع غزة، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً .
أما الجانب “الإسرائيلي” والجانب الدولي، فهم أقل من يجب أن نتوقع منه انجازاً ايجابياً في هذا المجال، لكن يبقى الجانب الفلسطيني، وخاصة حركتي فتح وحماس، والجانب العربي فما يسجل عليه ليس فقط تصرفه فيما تلا العدوان، حتى يومنا هذا، بل أيام العدوان نفسه، التي كانت ردود الفعل العربية فيها أقل بكثير مما كان يفترض أن تثيره وحشية العدوان “الإسرائيلي” ودرجة شراسته، وكثافة أعداد القتلى، ومدى الدمار الشامل الذي طال القطاع السكاني بمجمله .
ولنعد إلى الجانب الفلسطيني، وهو صاحب الشأن الأول في هذا الموضوع الذي يتوقف عليه حاضر ومستقبل قطاع مهم من شعب فلسطين المشرد والمقهور .
لقد اتيح لي أن أتابع أكثر من حلقة تلفزيونية شارك فيها ممثلون من حركتي فتح وحماس . وكنت في كل مرة أشعر بغصة عميقة وأنا أرى لهجة التنافس الحزبي هي الغالبة على أحاديث ممثلي الطرفين، بشكل يغيب موضوع غزة الأساسي، ويتلهى باثبات كل طرف مسؤولية الطرف الآخر، من دون أن الحظ، ولو مرة واحدة، حرصاً من أي من الاطراف على طرح ما يمكن أن يخفف أسباب الخلاف ويقرب الأطراف بعضها من بعض، إكراماً لقطاع غزة وفلسطين .
العكس هو الذي كان يحصل في كل مرة، بدليل أن شهوراً طويلة قد مرت من دون أن نجد في الأفق إلا ما يشير إلى أن كل الإنجازات المتوقعة بعد العدوان لمسح آثاره، أو تخفيفها، قد أصبحت في عالم النسيان الكامل والإهمال .
لا أريد هنا أن أخفف من المسؤولية العربية فيما يحصل في غزة، لكن المنطق يقول إنه إذا لم تبدأ الامور بعودة أواصر الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى لحظات التجلي الرائع في أيام العدوان، فإننا لا يمكن أن نتوقع من أي كان، أن يتحرك ليقدم للفلسطينيين، ما يبخلون بتقديمه لأنفسهم .
الأشد إيلاماً من كل ذلك، هو أننا لا نستطيع بعد هذا النسيان الفلسطيني والعربي والدولي المريع لقطاع غزة، أن نأمل خيراً من أي خطوة متوقعة في مجال أشباه الحلول المطروحة لقضية فلسطين برمتها .
غزة هي المدخل، وهي النموذج، على الحاضر، كما على المستقبل القريب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2166047

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع الياس سحاب   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166047 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010