الأربعاء 4 آب (أغسطس) 2010

مأزق استحالة مشروع الدولتين ومشروع الدولة الفدرالية في فلسطين

الأربعاء 4 آب (أغسطس) 2010 par مصطفى الأسير

(*) منذ مجيء الرئيس باراك أوباما إلى الحكم وتكليف جورج ميتشل بمهمة الوساطة في حل النزاع العربي «الإسرائيلي» من خلال مشروع الدولتين «الإسرائيلية» والفلسطينية. ومع مجيء تكتل «الليكود» مع أحزاب اليمين نتيجة للانتخابات الأخيرة في «إسرائيل»، وبعد مضي أكثر من أربع سنوات على ميلاد اللجنة الرباعية التي عقد لها لواء حل النزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني دون أي جدوى، وجدت السلطة «الإسرائيلية» نفسها في مواجهة ضغوط أميركية وأوروبية خصوصاً بعد استفحال حالة المقاومة في الداخل الفلسطيني بمراحلها الثلاث، حيث بدا أن الأمر لا يمكن أن يستمر على حاله، في أرض جرى احتلالها بالقوة منذ ما يزيد على ثلاثة وأربعين عاماً، ناهيك عن أوضاع عرب الثمانية وأربعين داخل الكيان «الإسرائيلي»، وأصبح المشروع الصهيوني في فلسطين مهدداً فعلاً وهو المشروع الاستيطاني الذي يهدف إلى الاستيلاء على الأرض الفلسطينية برمّتها.

لم تجد الحكومة «الإسرائيلية» من وسيلة للالتفاف على هذا الزخم من المواجهة بمشروع الدولتين سوى الإيغال أكثر فأكثر في التوسع بعملية الاستيطان في الضفة الغربية وبشكل أخص في القدس الشرقية، وذلك بغية إيجاد أمر واقع جغرافي وديموغرافي في آن معاً.

أمام هذا الواقع وبمواجهة التسويف المستمر، وعدم القدرة الأميركية على الضغط وعجزها عن القيام بدور الوسيط النزيه في حل الصراع القائم، حصلت ظاهرة جديدة تستحق التوقف عندها، بالتبصر والتحليل، ولعلها تكون ضارة نافعة، أو عودة إلى الأصول والمبادئ الأساسية التي بقيت غائبة عن الفريق العربي منذ بداية الصراع.

منذ أشهر ومع بداية جولات جورج ميتشل وتعنت الحكومة «الإسرائيلية» وإيغالها في توسيع رقعة الاستيطان خاصة في القدس الشرقية، سمعنا تصريحاً خطيراً لرئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات يقول : «أمام استمرار سياسة الاستيطان «الإسرائيلية» لم يعد من مكان لما يسمى بمشروع الدولتين. فلنتكلم بمشروع دولة واحدة نعيش فيها نحن العرب كمواطنين من البشر أسوة بأي إنسان يقيم على أي بقعة من الكرة الأرضية ويتمتع بحقوق المواطنة والمساواة ولتكن فلسطين دولة بقوميتين إذا أمكن». وبعد أقل من شهر على هذا التصريح جاء التصريح الأخير من الرئيس محمود عبّاس بالمعنى ذاته.

هنا يطرح السؤال عن حقيقة هذا الطرح وجديته؟

للجواب عن هذا السؤال يقتضي التعرض لعدة نقاط أساسية :

1- حقيقة وتاريخ الصراع القائم حول المسألة اليهودية والمشروع الصهيوني لإقامة كيان قومي لليهود على أرض فلسطين.
في البدء لم يكن الصراع في الأصل، وقبل بدايات حركات الاستيطان لليهود الوافدين إلى فلسطين في ثلاثينيات القرن الماضي، وقبل صدور قرار التقسيم الرقم 181 عام 1947، وقيام كيان صهيوني على أرض فلسطين وطرد سكانها الأصليين من العرب وتحويلهم إلى لاجئين في الشتات من العالم… لم يكن أي صراع إثني أو ديني أو قومي بين العرب والمسلمين في أي جزء من أوطانهم مع ما يسمى الشعب اليهودي بأي شكل من الأشكال، بل على العكس من ذلك كان للكثيرين ممن ينتمون إلى الطائفة اليهودية في أي بلد من البلدان العربية أو الإسلامية مكانة رفيعة على مستوى النشاطات الثقافية والفنية والاقتصادية والسياسية. وحتى يومنا هذا فإن الجاليات اليهودية لم تزل تتمتع بحقوقها كاملة في بعض بلدان المغرب العربي. غير أن المشكلة اليهودية في أساسها التاريخي لم تكن موجودة إلا في المجتمعات الغربية، كروسيا مثلاً منذ عهود القيصرية وما حصل من مجازر أيامها بحق اليهود الروس، وكذلك في إسبانيا إبان قيام محاكم التفتيش، انتهاء بألمانيا حتى قبل مجيء النظام النازي الهتلري ومحارق (الهولوكست).

وما إن انتهت الحرب العالمية الثانية في العام 1945 وانتصار الحلفاء على المشروع النازي القائم على العنصرية وانبثاق النظام العالمي الجديد المبني على ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان اللتين حرمتا بشكل قاطع أي نوع من أنواع التفرقة والتمييز بين البشر على أساس العنصرية الدينية أو العرقية أو اللون أو الجنس، وبعد سنتين فقط من إعلان ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، عمدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة وبتأثير من الغرب المنتصر على ألمانيا النازية إلى إصدار قرار رقمه 181 قضى بإنشاء دولة عنصرية لليهود على أرض فلسطين.

كأن العالم الغربي قد أراد أن يزيح عن كاهله أعباء الصراع الغربي مع اليهود، ليلقي به على كاهل العرب من مسلمين ومسيحيين في فلسطين.

وهنا لا بد من الإشارة ولو بشيء من الإيجاز إلى الأسباب التي كانت تحرك النزاعات العرقية أو الطبقية باتجاه ما سمي بالمسألة اليهودية في بعض بلدان أوروبا الغربية على النحو الذي ذكرناه أعلاه. وهو أن العنصر اليهودي ومن منطلقاته الدينية والاقتصادية في آن معاً يعتقد أنه «شعب الله المختار»، وأنه بالتالي يجب أن يكون متميزاً ومتفوقاً على الآخرين، وبالتالي لم يكن يؤمن كثيراً بالرابط الوطني والهوية الجامعة في أي وطن من الأوطان، طبعاً باستثناء أرهاط كبيرة من كبار المفكرين والعظماء الذين تركوا آثاراً لا تحصى على مستقبل البشرية. إنما الكلام ها هنا فإنه معني بمن كان يحمل مشروع الكيان الصهيوني في أرض الميعاد فلسطين ابتداء من مؤتمر (بازل) عام 1897 وفيلسوف الحركة الصهيونية هرتزل.

إلا أن المفارقة الكبرى تكمن في الفارق الكبير بين محتوى المشروع الصهيوني لفكرة الكيان «الإسرائيلي» وبين المفهوم المعلن حالياً من قبل الحكومة «الإسرائيلية»، حيث إن أصحاب المشروع الصهيوني الأوائل، أو على الأقل الفريق الأكبر منهم، لم يفكروا إطلاقاً في قيام وطن لليهود وحدهم، بل وطن يمكن أن يكون وطناً يعتبره اليهود وطناً قومياً لهم، بالاشتراك مع سائر السكان العرب، على أساس إقامة دولة ديموقراطية ذات قوميتين.

ومن هؤلاء على سبيل المثال بعض كبار مؤسسي الحركة الصهيونية أمثال (هانس كوهين) وغيره ممن اعترضوا على استعمال وسائل العنف التي لجأت إليها الحركة الصهيونية في فلسطين انطلاقاً من ثورة (البراق) عام 1929، وانقلاب المشروع الصهيوني من منطلقاته في الأساس في السعي السلمي لإقامة وطن لليهود في فلسطين، بالاشتراك مع العرب، وبالتفاهم معهم، بخلاف ما يطالب به حكام «إسرائيل» وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية وبعض الدول الأوروبية حالياً، حيث يشترط هؤلاء على السلطة الفلسطينية وعلى العرب أن يعترفوا أولا بحق «إسرائيل» بإقامة دولة يهودية، أو دولة لليهود، ليتسنى للسلطة «الإسرائيلية» التفاوض معهم.

وبالرغم من هذه المقولة الغريبة، لم نسمع مسؤولاً عربياً أو حتى فلسطينيا يقول للسيدة هيلاري كلينتون أو الرئيس أوباما كيف له هو أن يعترف بدولة تقوم على أساس التمييز العنصري الديني والعرقي، وهي لم تزل قيد الإنشاء، وبالتالي كيف له أن يقبل ذلك في ظل النظام العالمي القائم على احترام ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، وهو النظام الذي تعتبر الإدارة الأميركية أنها راعيته، وهو يحرم تحريماً مطلقاً الاعتراف بأي شكل من أشكال التمييز العنصري، وهو الأمر الذي حدا بكل من رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات والرئيس محمود عبّاس إلى نعي مشروع الدولتين والمطالبة بدولة واحدة يتساوى فيها المواطنون بحقوق متساوية كبشر لا أكثر.

وهنا تجدر الإشارة إلى الفارق الكبير بين مشروع إقامة دولة حديثة على أساس عنصري ديني وبين وجود بعض الدول التي تعتمد الإسلام نظاماً للحكم لديها. ذلك أن شعوب هذه الدول كانت ولم تزل شعوباً تعتنق بأكثريتها الساحقة منذ أكثر من ألف عام الدين الإسلامي ولم تعمد يوماً إلى أسلوب الاستيطان وطرد سكان آخرين ينتمون لديانات أخرى مما يجعل الأمر بالنسبة لمثل هذه الدول مسألة داخلية.

وبالرغم من تحفظنا المبدئي على وجود أنظمة دينية لدى أي دولة من الدول، إلا أن الأمر يختلف عندما يكون مشروع إقامة دولة يهودية يهدف إلى إقامة كيان لم يزل قيد الإنشاء وذلك عن طريق الاستيلاء على أرض ووطن يعود لطوائف أخرى بأكثريته، وبعقيدة عنصرية قائمة على التمييز بين اليهودي وغير اليهودي من السكان.

أمام هذا الواقع الذي أوجدته السلطة «الإسرائيلية» وهو استحالة الوصول إلى حل الدولتين عن طريق التفاوض نتيجة التعنت والاستكبار وغطرسة القوة واستفحال حال الاستيطان حيث لم يبق فيه مجال للعمل عند العرب والفلسطينيين سوى مشروع دولة واحدة فدرالية بقوميتين، يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، وهو أمر سيوقع «الإسرائيليين» في مأزق كبير من شأنه أن يقسم الرأي العام «الإسرائيلي» والعالمي ويقوي الموقف المبدئي العربي والفلسطيني أساساً.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن من يراقب التطور التاريخي للنزاع العربي «الإسرائيلي» يلاحظ التقهقر التدريجي للموقف العربي وغياب الرؤية الاستراتيجية والواقعية عن القيادات العربية وسقوط البعض منها في مهاوي الجهل والأنانية وإيثار المصالح الذاتية على مصلحة الشعب الفلسطيني منذ بداية الصراع عام 1948.

كما حصل بنتيجة الحرب الأولى مع الكيان الصهيوني عام 1948 حيث احتفظ نظام شرق الأردن آنذاك بالضفة الغربية، وأعلن من خلال ضمها قيام مملكة الأردن الهاشمية، وتحويل سكان فلسطين العرب إلى مواطنين أردنيين وسلخهم عن جنسيتهم الأصلية كشعب فلسطيني عريق في عروبته.

إلا أن هذا الخط البياني ( Parabole ) بعد أن وصل إلى الحد الأدنى في تقهقره وربما بسبب هذا التقهقر وانسداد الأفق، أدى للمسؤولين في السلطة الفلسطينية، إلى إطلاق صرختهم هذه لعلها تكون إيجابية، إذا عرف المفاوض الفلسطيني كيف يتعامل معها.

وهنا نجد أنه من المفيد في سياق البحث، فيما آلت إليه الأمور بشأن المفاوضات القائمة واضمحلال مشروع الدولتين، التعويل ولو سريعاً على القرارين الدوليين اللذين نشأ الكيان «الإسرائيلي» نتيجة لهما، وهما القرار الرقم 181 تاريخ 29 تشرين الثاني 1947 والقرار الرقم 194 تاريخ 11 كانون الأول 1948، لتبيان الهوة بين ما أرساه القراران المذكوران وواقع المستحيلات القائم حالياً.

ففي مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، أي في السنوات الأخيرة من عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، نجد بريطانيا، في شباط 1947، تعترف بعجزها عن إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وتعلن عن عدم رغبتها في إدارة فلسطين إلى ما لا نهاية، وتدّعي أن العرب واليهود لا يستطيعون الاتفاق على الحل الذي ترتئيه، وتطلب بعد شهرين إدراج القضية في جدول أعمال الدورة الثانية للجمعية العامة للأمم المتحدة، لكي تدلي هذه الجمعية بتوصياتها حول نظام الحكم المقبل في فلسطين.

وفي 28 نيسان 1947، تلتئم الجمعية العامة في دورة استثنائية وتتخذ أربعة قرارات، الأول يمنح الوكالة اليهودية فرصة الإدلاء بشهادتها، والثاني يمنح الهيئة العربية العليا لفلسطين فرصة مماثلة، والثالث ينشئ لجنة خاصة بفلسطين، والرابع يدعو الحكومات والشعوب، ولا سيما سكان فلسطين، إلى الامتناع عن اللجوء إلى القوة أو التهديد بها.

وتعقد اللجنة الخاصة المكونة من 11 عضواً عدة اجتماعات فلا تتفق على حل واحد، فتقدم إلى الجمعية مشروعين مختلفين : مشروع الأكثرية (7 أعضاء من 11) الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين ترتبطان باتحاد اقتصادي، وبتدويل القدس تحت وصاية الأمم المتحدة، ومشروع الأقلية (4 من 11) الذي يقضي بإنشاء دولة اتحادية عاصمتها القدس.

وتعين الجمعية العامة لجنة خاصة أخرى لدراسة المشروعين، فتقر مشروع الأكثرية وترفع الأمر إلى الجمعية التي تصدر، في 29/11/1947، قراراً يحمل الرقم 181، ويعرف باسم قرار التقسيم (33 صوتاً، ضد 13، وامتناع 10 عن التصويت).

كانت نيات بعض الدول العربية إبان مناقشة قرارات الأمم المتحدة منصرفة إلى طمس الهوية الفلسطينية، وتقاسم الأجزاء العربية من مشروع التقسيم في ما بينها، غير أن السلطة «الإسرائيلية» كانت، منذ 13/12/1949، قد أعلنت القدس عاصمة للدولة العبرية، وأن توسيع حدود بلدية القدس كان، منذ اغتصاب الجزء الأكبر من فلسطين في العام 1948، الشغل الشاغل لزعماء العدو. وإذا كان التوسع قد اتجه غرباً قبل حرب العام 1967، فإن مرحلة التوسع الأساسية قد تمت بعد هذه الحرب، أي بعد احتلال «اسرائيل» القدس الشرقية وقيامها بضم مساحات شاسعة من الأراضي المجاورة وإدخالها في نطاق حدود بلدية القدس.

1- بعد الاطلاع على ما جاء في هذا القرار يمكن استنتاج ما يلي :

بالرغم من أن القرار المذكور قضى بإنشاء كيانين دوليين على أرض فلسطين ـ كيان يهودي وآخر عربي (تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان العربية واليهودية والحكم الدولي الخاص لمدنية القدس المبين في الجزء الثالث من هذه الخطة)، غير أن تعبير الدولة اليهودية بالرغم من تحفظ جميع الدول العربية عن هذا القرار آنذاك، لم يكن يعني إنشاء كيان عنصري بالمعنى الشوفيني للكلمة، باعتبار ان القرار قد أورد في عدة مفاصل أساسية منه، على أن يكون لهذا الكيان وكذلك الكيان العربي ان يتبنى الموجبات التي فرضها ميثاق الأمم المتحدة شرعة حقوق الإنسان واحترام مبادئ الحكم الديموقراطي في تشكيل السلطة السياسية ومبدأ المساواة بين مواطني الدولة إلى أي طائفة أو قومية انتموا، ورفض أي نوع من التمييز بين السكان بسبب الأصل أو الدين أو اللغة أو الجنس (الفقرة الثانية من الفصل الثاني من القرار).

كما أقر حقوق الأقليات وحقهم في التعليم وشؤونهم الدينية واستعمال لغاتهم والتمتع بحقوقهم السياسية والمدنية على قدم المساواة مع سائر مواطني الدولة.

وتأكيداً على اتجاه المجتمع الدولي بعدم السماح بوجود كيان عنصري ديني على الوجه الذي ذكره القرار 181 وعلى اثر طرد السكان العرب من المناطق التي جعلها قرار التقسيم ضمن نطاق الكيان اليهودي عن طريق القوة عام 1948، أصدرت الجمعية العامة على اثر ذلك القرار الرقم 194 تاريخ 11 كانون أول 1948 والذي جاء كشرط إضافي على عدم القبول بكيان أحادي الانتماء الديني، في فلسطين، وقد حصل ذلك بدعم من الرئيس ترومان رئيس الولايات المتحدة آنذاك الذي رفض الاعتراف بدولة لليهود وحدهم في فلسطين. وقد نص القرار في فقرته الحادية عشرة على ما يلي :

«تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر عندما يكون من الواجب وفقا لمبادئ القانون الدولي والإنصاف ان يعوض عن ذلك الفقدان او الضرر من قبل الحكومات او السلطات المسؤولة».

الأمر الذي شكل وحدة متلازمة بين هذا القرار والقرار الرقم 181.

الأمر الذي يمكن ان يستفاد منه ان المجتمع الدولي آنذاك أراد ان يعوض على فئات كبيرة من اليهود الذين اضطهدوا من قبل النظام النازي في ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية وإعطاء هذه الأقليات الدينية موطناً على أرض فلسطين. حيث تعتقد هذه الأقليات، وهي أقليات يهودية، أنها تنتمي من خلال إيمانها الديني إلى هذه الأرض، أسوة بسائر أبناء الديانات الأخرى الإسلامية والمسيحية وعلى قدم المساواة بحسب هذين القرارين اللذين يقتضي النظر إليهما بكليتهما وليس من خلال تجزئتهما.

2- إن قرار التقسيم الرقم 181 قد أقام من الوجهة القانونية والسياسية والاقتصادية نظاما يمكن اعتباره شكلا من أشكال الكونفدرالية بين الدولتين، فأقام وحدة اقتصادية جاء النص عليها في الفقرة (د) من القرار المذكور تحت عنوان : (الاتحاد الاقتصادي الفلسطيني) وبهذا المعنى فقد بقيت عبارة فلسطين إطاراً جامعاً للدولتين.

وقد قضى بإنشاء :

أ ـ وحدة جمركية.

ب ـ إقامة نظام نقدي مشترك يتضمن سعر صرف واحداً.

ج ـ إدارة السكك الحديدية والطرق المشتركة بين الدولتين، ومرافق البريد والبرق والهاتف والموانئ والمطارات المستعملة في التجارة الدولية على أساس من عدم التمييز في سبيل المصلحة العامة.

د - الإنماء الاقتصادي المشترك وخصوصاً في ما يتعلق بالري واستصلاح الأراضي وصيانة التربة.

هـ - تمكين الدولتين ومدينة القدس من الوصول إلى المياه ومصادر الطاقة على أساس من عدم التمييز مع ضمان حرية المرور والإقامة دون أي عاتق.

3- اخضاع القدس لنظام دولي خاص على أن تتولى الأمم المتحدة إدارتها ويعين مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الإدارية نيابة عن الأمم المتحدة.

الأمر الذي أخرج النزاع على هوية المدينة المقدسة من الفريقين وجعلها في الوقت عينه مفتوحة للفريقين، ويتمتع سكانها من الفريقين بكامل حقوق المواطنة وواجباتها.

4- أما في ما يتعلق بالحدود التي رسمها القرار لكل من الدولتين بموجب الخريطة المشار إليها أعلاه، فلا يمكن أخذ هذه الحدود بجدية إذا ما أردنا تقسيم أرض فلسطين تقسيماً بين كيانين دوليين (Etatique) مستقلين كامل الاستقلال، أي بدون الأخذ بعين الاعتبار العلاقات الاقتصادية والمالية والمدنية التي اشترطها القرار لإقامة هاتين الدولتين.

إضافة إلى أن هذه الحدود تختلف اختلافا كبيراً عن الواقع الذي كان قائما حتى عام 1967، فعلى سبيل المثال فان مدنية عكا وكل الأراضي المتاخمة للحدود اللبنانية في الجنوب (الجليل الغربي) هي بموجب هذه الخريطة داخله ضمن أراضي الدولة العربية إضافة إلى أن مدينة يافا هي بالتالي بموجب الخريطة ذاتها تتبع الدولة العربية.

أضف إلى ذلك ان رسم الحدود بالنسبة لهذه الخريطة وكما هو في الواقع الراهن أيضاً لا يمكن ان يشكل حدودا طبيعية يمكن الدفاع عنها بشكل مستقل عن سائر أقسام الأرضي الفلسطينية، ذلك ان أجزاء من كل من حدود الدولتين متداخلة مع الأخرى كغزة مثلاً ناهيك بحدود الدولة «الاسرائيلية» ابتداء من مدينة حيفا حتى حدود غزة على طول هذا الساحل فان المسافة ما بين أي قرية او مدينة «اسرائيلية» ومنها على سبيل المثال «تل ابيب» لا تبعد عن قرى الضفة الغربية المواجهة كطولكرم مثلا أكثر من ثمانية عشر ميلا وبالتالي يكون أمر الدفاع عن مثل هذه الحدود شبه مستحيل.

الأمر الذي يجعل من اللجوء إلى خيار الدولة ذات القوميتين أي الدولة الفدرالية الحل العقلاني الوحيد، علماً بأن قرار مجلس الأمن الرقم 242 تاريخ 22 تشرين الثاني 1967 الذي جاء تحت عنوان (إقرار مبادئ سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط) لا يعدو كونه قد أعاد الاعتبار لحدود الهدنة عام 1948.

ولم يشر هذا القرار الصادر عن مجلس الأمن إلى ما يعتبر الغاء للقرارين 181 و194 الصادرين عن الجمعية العامة المتحدة، وبالتالي ليس من حقه ولا من صلاحياته ان يلغي القرارين المذكورين الصادرين عن سلطة أخرى، بل جل ما فعله انه جعل من حدود 1967 قاعدة للتفاوض لا أكثر.

وبعد الاطلاع على هذا القرار نرى انه هدف إلى :

1- انسحاب القوات «الاسرائيلية» إلى الحدود من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير، ويقصد بهذا التعبير ـ حدود 1967 أي حدود الهدنة العائدة لعام 1948.

2- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.

3- إيجاد تسوية سلمية عن طريق مندوب خاص يعينه الأمين العام للأمم المتحدة يرعى مفاوضات بين الجانبين على أساس حدود عام 1967 وهو أمر لم يصل إلى أي نتيجة حتى يومنا هذا.

وبالتالي لا يمكن اعتباره بديلاً عن القرارين 181 و194 من الناحية الجوهرية.

من المعلوم ان الدولة «الاسرائيلية» لا تمتلك من هذه الشروط سوى شرط واحد هو وجود السلطة لا غير، إذ ان حدودها الجغرافية لم تزل مجالاً للتفاوض، وحدود جنسية شعبها لم تحدد وإنما بقي بموجب دستور الدولة الحق لكل يهودي في العالم في أن ينال الجنسية مجرد أن تطأ قدماه أرض «اسرائيل».

الأمر الذي يتأتى منه المأزق القائم والذي جرى تناوله أعلاه، وبعد انسداد أفق أي نوع من التفاوض مع الكيان «الاسرائيلي» من جهة، وبالرعاية الدولية الحالية الممثلة بالولايات المتحدة العاجزة من جهة ثانية، وأمام سياسة الاستيطان التي تسعى إلى خلق واقع جديد على الأرض من جهة ثالثة، لم يبق من وجهة نظرنا سوى العمل على دعوة الجمعية العمومية للأمم المتحدة للانعقاد واتخاذ قرار جديد يقضي بإنشاء دولة فدرالية موحدة ذات قوميتين على ضوء المبادئ والحدود التي رسمها قرارا الأمم المتحدة الرقمان 181 و194 المذكوران أعلاه.

ونقترح على المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب بعد مناقشة هذه الدراسة وبالتفاهم التام مع الإخوة في الوفد الفلسطيني إصدار توصية تتضمن تبني المكتب مشروع الدولة الفدرالية ذات القوميتين عن طريق الأمم المتحدة ومجلس الأمن مباشرة وذلك بعد انصرام المهلة الزمنية التي حددها مجلس الجامعة العربية وتبنتها السلطة الفلسطينية دون الوصول إلى حل الدولتين.

(*) ورقة مقدمة إلى المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2177543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2177543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40