الاثنين 15 كانون الأول (ديسمبر) 2014

في الاعتراف والانحراف..........

الاثنين 15 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par أيمن اللبدي

يعلن تيار محمود عباس عن خياره المسمى “الذهاب نحو نهاية الطريق” بالطبع دبلوماسياً عبر التقدّم بطلب انهاء الاحتلال عن الاراضي العربية الفلسطينية المحتلة عام 1967 لتكون هي حدود الدولة الفلسطينية العتيدة، وبدأت التحضيرات من خلال اعداد مشاريع آخرها الفرنسي ليجلس على كرسي الماكياج الخاص ويصاغ بطريقة تقبل عدم الاعتراض الامريكي، والواقع أن احتمالات تمرير هكذا قرار متوفرة سياسياً لعدة أسباب رغم اعتراض نتنياهو المعلن ومطالبته كيري بعدم تمرير هكذا قرار، سيما بعد أن أذاعت التلفزة العبرية في إحدى قنواتها ما اعتبرته تسريبا بنية الامريكان عدم استخدام النقض أو قرار الفيتو.
استشهاد الأخ زياد ابو عين لم يؤثر ولن يؤثر على مجمل الخط الذي اختاره عباس له منذ البداية، وهو لم يؤثر عندما كانت أعداد الشهداء بالعشرات سواء في غزة أو في الضفة وتحديداً بالقدس المحتلة، لا شيئ ينتظر مهما كان دويّه وحجمه ليعكس أو يقطع أو يغيّر هذا الاندفاع لدى هذا الخط بهذا الاتجاه وهذا الخيار ببساطة لأنه لا يمتلك شيئا غيره، بل وليس في نيته أصلاً التفكير بشيئ مختلف حتى لو كانت الخسارة في عظم السلطة ولحمها وليس فقط في بعض الأفراد أو القادة منها، فالمسألة محسومة وأظن على من يحاول جاهداً توقع ما يخالف ذلك أن يقتنع أنه لن يحصل، سواء هؤلاء الذين بشّروا بقطع التعاون المخابراتي مع العدو أو ما يسمونه تخفيفاً“التنسيق الأمني” أو حتى بالذهاب إلى محاكم دولية مثل محكمة روما أو لاهاي.
الظروف الدافعة غربياً والمتمثلة في ترجمة انزعاج الشارع الغربي عموما من أفعال وممارسات الدولة المارقة منذ فترة، والتي أظهرتها عدة استطلاعات للرأي في القارة العجوز بحسب توصيف الأمريكان أخذت طريقها هذه المرة إلى منظومة الدولة الاوروبية، لقد انتقلت من كونها تشكيل رأي عام في الشارع وميادين النقاش الساسي والفكري والمجتمعي في أحيان كثيرة ولا سيما عندما تفجر هذه الدولة في استخدام كل ما لديها من أدوات قتل وتدمير وخراب، أو عندما تري الظروف غطرستها واحتقارها للقانون الدولي الانساني في قمعها للمدنيين المحتلين الفلسطينيين أو حتى في بطشها بالمواطن الفلسطيني الذي تحتله منذ العام 1948 وتدعي أنه مواطن لديها، هذا الانتقال فجأة وصل إلى البرلمانات الأوروبية وبدأت بعض الأحزاب الحاكمة تشعر بالقلق والقرف معاً حيث أنها باتت مكشوفة أمام ناخبيها في هذا الموضوع مما حدا بكثير منها غلى تسهيل موجة الاعترافات في برلماناتها بالدولة الفلسطينية.
لا أظن أن هذه الكرة الجليدية الحارة في آن ستتوقف، بل العكس هو المتوقع تماماً لا سيما بعد أن بدأت القيادات المهزومة في الدولة المارقة بممارسة التنافس الصبياني الخطر في مادة الايديولوجيا، وطرح مسألة يهودية الكيان والحرب على الأديان في القدس لا يستثني الكنيسة بالقطع ويهدّد بافتتاح ما لا تستطيع أي دولة أوروبية علمانية مهما كان عمقها الفكري يميل إلى الايديولوجيا أن تتساوق مع هذه الفاشية الجديدة، ومن المؤكد أن إدارة الولايات المتحدة قد باتت تشعر أنها في طريقها إلى الانعزال عن حليفها الأوروبي في هذه المسألة إن اصرّت على موقفها بإعطاء كرت بلانش الحماية لهذه الدولة المارقة وجعلها دوما بعيدة عن يد القانون الدولي تنجو بجرائمها وخاصة تلكم المرسلة غلى عيون العالم تلفزيونيا وبالمباشر، وهي في نفس الوقت تشعر بنوع من الضجر من تصاعد اليمين الصهيوني وضغطه غير المكبوح ولا المحتوى على الاقليم والمنطقة.
تريد قطعا الولايات المتحدة أن تختبر طريقا ثالثاً، ليس ذلك الطريق الذي يخلي بين هذه الدول المارقة وعداواتها المتعاظمة في العالم وعلى كل صعيد، وليس ذلك الطريق الذي يبقيها وكأنها دولة المكاييل المزدوجة المزمنة المقامرة بكل ما هو في مصلحة الولايات المتحدة من أجل عيون هذه الدولة المتنمرة،مثل هذا الخيار متوفر إن هي وافقت على عدم استخدام الفيتو ضد قرار لا يقدم ولا يؤخر من نمط القرار الجاري تحسين صحته ليتناسب مع الابواب الامريكية الضيقة، فمثلا قرار خارج الفصل السابع مهما بلغت قوته وعضلاته سيولد مجرد صرخة فاقعة، وقرار يحيل الجائزة الفارغة من أي دسم ليد محمود عباس ومنظومة مطالبة أمريكا أن تخفف من غلوائها وتستمع للنجوى الاقليمية سيكون موضع ترحيب، مع ذلك لا يمكن الجزم بما سيؤول إليه المزاج الامريكي لحظة وقبيل وضع هذا القرار على جلسة طاولة مديري العالم.
لن نمر على السقوط المنهجي والأصولي في مسألة السعي لاعلان دولة على حدود عام 1967 والتخلي عن ثلاثة ارباع فلسطين بحجة ودعوى الممكن والى آخر هذه اليافطات التي فقدت لونها تحت شمس الحقيقة الدامغة، إذ فيها ما يكفي من القول ولها ما يكفي من النقض دوما، ويكفي أن منديل عذرية وصك براءة هكذا طرح إن جاء من أي فكر وطني متحدداً بشرط أن يكون ذلك من غير قيد أو شرط إن حصل وأقيمت دولة على جزء من أرض محررة ليس متوافراً في هذه الحالة الأممية، ولا على تخوم هذا البرنامج الهاجم إلى صوغ التخلي التاريخي عن معظم فلسطين بل واستعداده للتساوق مع التنظير الصهيوني للرواية الصهيونية كثمن ممكن لهذا القرار، ولكننا سنمر على مسألتين في غاية الأهمية ربما يحجبها الفرح الشعبي العام البرئ فلسطينياً بتوالي اعترافات هذه البرلمانات الاوروبية بجزء من الحق الفلسطيني متمثلاً في قيام دولة فلسطين على جزء صغير من ارضها التاريخية.
المسألة الأولى أن هذا الاعتراف الممكن سيقدم لتيار التصفية غطاء لتمرير عشرين سنة أخرى من المفاوضات لترتيب انسحابات الدولة المحتلة للدولة الاخرى فيما بينهما، هذه المرة هذه مفاوضات على نزاع بين دول لا تقتضي أبدا وقوف العالم على قدميه عندما تفجر “اسرائيل” وتنكشف عورته أمام شعوبه، فهذه المرة الضمير سيأخذ كما يقول أشقاؤنا المصريون “استمارة 6” وينتهي أمره تماما من حمل أية توابع لهذه المظلمة التاريخية التي سكت عنها زهاء القرن، ومن جهة أخرى فإن وضع ما تمتعت به الحركة الوطنية الفلسطينية طويلاً باعتبارها حركة تحرر وطني تنادي بتقرير المصير سيصبح مختلفاً جدا ومعها وضع سبعة ملايين فلسطيني في الشتات واللجوء القسري، سيقال للفلسطيني أعطيناك الدولة واعترفنا بها واذهب لمحاورة خصمك لتحصيل اتفاق على الحدود المتنازع عليها، ههنا وضع قانوني جديد وصيغ ومنظومات جديدة تماماً.
المسألة الثانية هو وضع المقاومة الفلسطينية التي من الممكن أن تصبح عقب ذلك مهدّدة بالتصنيف في خانة الارهاب وخانة المحاربة الدولية لأن الوضع سيكون قد انتقل بانزياح سياسي وقاوني شرعن احتلال العدو ولم يعط شيئا باستثناء قرار أممي يضاف إلى خزنة القرارات السابقة وكمشة وعود لا حصر لها سابقة ولاحقة، ولا أدري كيف سينظر تاليا إلى منطقة نحسبها محررة هي قطاع غزة مثلاً بينما كان يطيب لتيار التصفية الهمس بتسميتها إقليماً متمرداً، وطبعا ندرك أن المقاومة قد تركت لما يسمى حكومة التوافق ان تتناول من يدها مسألة الشأن المدني والسكاني لكنها لا زالت في مسألة الامن مثلا متهمة وإن استجابت لكل شروط اتفاقات المصالحة، إذ هي ستبقى كذلك حتى تسلّم سلاحها أولاً بحسب مقتضيات البرنامج الدبلوماسي صاحب الخيار الوحيد الذي على اساسه بقيت الفسحة امام عباس ومجموعته وافية للنشاط من خلالها، إن مسألة خنق المقاومة في غحدى تضاعيف هكذا قرار واردة ولا يجب أن يدفن أحد رأسه في الرمال.
حسنا طالما المسألة هكذا فإن الأصل يعود إلى أصله، أي قرار يخص المسألة الفلسطينة لا يحظى باستفتاء شعبي عام لكل هذه الملايين العشرة لا قيمة له، ومن البدهي أن الأفضل أن تلجأ القوى الفلسطينية الوطنية إلى تجديد شرعياتها المتآكلة سيما تلكم البعيدة عن مصدر توليد الشرعيات منذ دهر وهي البندقية المقاومة، لتدعو غلى مؤتمر شعبي عام وطني فلسطيني يحدد الخيارات ويستولد الأجوبة قبل أن تصبح شهيدة هي أيضا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2178390

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178390 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40