الثلاثاء 16 كانون الأول (ديسمبر) 2014

تونس والرهان

الثلاثاء 16 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par د. حياة الحويك عطية

هل تقف الجبهة الشعبية التونسية أمام منطق أهون الشرين في الانتخابات الرئاسية؟ أم أن منطق القبول بالإفرازات الديمقراطية هو الأمر الحكيم الذي لا بديل له إلا واحد من اثنين: إما الاستبداد والشمولية وإما الاقتتال والدمار . حتى لو كان ثمة مجال للقول بأكذوبة الديمقراطية، طالما أن المال السياسي هو العنصر الأكثر حسماً في الانتخابات وقبلها الاستقطابات . علماً بأنها شائبة لا تنجو منها حتى الولايات المتحدة الأمريكية (وأذكر عدداً خاصاً من مجلة الاكسبرس الفرنسية، صدر عام ،1992 بعنوان: ما هو ثمن الرئيس؟ كان المقصود به رئيس الولايات المتحدة . لكن، لم يطل الأمر بالفرنسيين إلى أن شهدوا صعود نيكولا ساركوزي بالطريقة نفسها) .
هكذا ارتسم الواقع التونسي، فجعلنا نفرح بما لم نكن نفرح به لا قبل الثورة ولا خلالها . حيث عادت علينا الإفرازات المذكورة بحكم الحبيب بورقيبة - أي اليمين الليبرالي - ولكن بالتوازن مع إسلاميي النهضة - أي الاسلام الليبرالي . وحشر القوميون واليساريون، في الوسط، بأقلية بدا أنها ستكون بيضة القبان، وتكتسب بذلك أهمية تفوق الأكثريتين القائمتين . لكن أول اختبار على الأرض - رئاسة الجمعية الوطنية - أثبت أن الأمر عكس ذلك، أي إن النهضة والبورقيبيين قادرون على التحالف وعزل الآخرين . هذا التحالف كان يبدو مستحيلاً لمن بنى على عداوات الماضي الدموية، ولكنه لم يبد يوماً مستحيلاً على من يبني على البعد السياسي - الاقتصادي، الذي يحكم العالم في عصر العولمة . كما لم يكن مستحيلاً على من يبني على البعد الدولي حيث مربط فرس كل من الطرفين . وبذلك قد يكونا أكثر قدرة على التعايش فيما بينهما، منهما مع طرف يساري يتبنى - ولو بتأقلم - مفاهيم نقيضة لليبرالية العولمية، أو بشكل أكثر تشدداً، التعايش مع طرف قومي (أياً تكن تسميته) لم تصمم حروب المنطقة العربية كلها - داخلية وخارجية - إلا للقضاء عليه و“اجتثاثه” . لا تعايش بين القومية وما يستتبعها من مبادئ الوحدة والاستقلالية والسيادة مع مشروع التفتيت أو الإلحاق وإلغاء السيادة . كما أنه لا تعايش بين اليسار بشتى صنوفه مع اقتصاد السوق النيوليبرالي . بينما يبدو هذا التعايش ممكناً مع حركات إسلامية “معتدلة” دينياً، ونيوليبرالية اقتصادياً، وعابرة للحدود القومية ببديل هو الآخر، عولمي . مثل “النهضة” أو “الإخوان” أو “العدالة والتنمية” .
نصل إلى هنا، ونقف عند تطور سياسات العدالة والتنمية كإنموذج، لنجد أن هذا الادعاء العولمي الإسلامي قد توقف عند حلم العثمنة، كما تتوقف العولمة الأمريكية عند حلم الأمركة . بمعنى أن ادعاء العولمة في إطار الإخاء ( الليبرالي أو الإسلامي)، لم يكن يوماً إلا وسيلة لتوظيف الضعفاء والجماهير لمصلحة القوي الرأسمالي الذي يغذي حلمه الذي لا يشكل في حقيقته إلا حلماً قومياً بامتياز، يقوم على هيمنة تلغي قومية الآخرين .
من هنا، يبدو من الطبيعي، في تونس وفي سواها، أن يعود التحالف التاريخي (منذ الخمسينات) بين الليبراليين والإسلاميين “المعتدلين”، بشرط واحد هو تخلي هؤلاء عن دعوى إسقاط أولئك . مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات الدولية التي غيرت الأيديولوجيا لكنها لم تغير الجيوبوليتيك . بحيث يستمر الصراع في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، عملية شد حبال في لعبة أممية جديدة - قديمة، تترجم لعبة داخلية قديمة - جديدة .
لعبة تترابط فيها حلقات ضرب المشروع الناصري، بضرب المشروع العراقي، إلى المشروع السوري ووصولاً إلى صراعات الساحات الداخلية . مع فارق يمكن للقوميين واليساريين الافادة منه، وهو أن أجواء - ولو محددة - من اللعبة الديمقراطية، قد تسمح لهم بصعود تدريجي على الساحات الشعبية ومن ثم السياسية، شرط أن يتقنوا تجديد خطابهم وأدواتهم . ومع فارق آخر لا بد من الانتباه له وهو أن الأمور في تونس قد تكون أسهل منها في المشرق لأن الاستهداف في هذا الأخير يتضمن عناصر خصوصية إضافية تتعلق بجوار “إسرائيل”، بثروات الطاقة (ما يفسر الاستثناء الليبي) وبطبيعة تأهيل الدولة لأن تكون قائدة مشروع قومي عربي . ذلك بدليل أن الجيش التونسي لم يستهدف، كذلك المؤسسات الأمنية ومؤسسات الدولة، في حين كان هؤلاء أول من استهدف في العراق وفي سوريا (والآن في مصر) .
ولكن: هل يحكم البعد الأيديولوجي وحده معادلات الانتخابات الرئاسية؟
قد يبدو الجواب سلبياً إذا ما نظرنا إلى المناورات الانتخابية، حيث يرفع المرزوقي شعار فصل الدين عن الدولة ويتحالف مع التكفيريين . فيما يؤكد أن هذا الرجل يمثل نموذج المعارض الذي لا يمثل إلا نسخة بورقيبة وبن علي من حيث هوس التشبث بالسلطة من دون أن يشبههما في قوتهما ووضوح البرنامج السياسي لكليهما . ولذلك كان مستعداً للانخراط غير المحدود في المشروع التدميري، ضد سوريا وضد ليبيا وضد مصر . كما كان مستعداً للتعامل المشبوه مع الاغتيالات بحق زعماء وعناصر الجبهة الشعبية . وهو إذ يرى أن حلمه بالرئاسة مستحيل فإنه يحاول بهذا اللعب على الحبال أن يستفيد من الحملة لتأسيس حزب جديد، بدعم قطري تركي، حزب يتعدى حزبه الحالي الذي لا يمثل إلا أقلية مطلقة في البرلمان والشارع . وربما استطاع أن يستفيد من واقع ما بعد الانتخابات حيث تلوح في الأفق إمكانية الانشقاق في النهضة وربما غداً في “نداء تونس” . عندها ستتوزع اللعبة أكثر وتتعقد أكثر . لكنها ستمنح الجبهة الشعبية فرصة التوازن أكثر مع التركيبة الحزبية الجديدة، إذا استطاعت أن تحافظ على وحدة صفوفها هي الأخرى .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2178384

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع حياة الحويك   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178384 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40