الأحد 21 كانون الأول (ديسمبر) 2014

قوانين التاريخ ويهودية “إسرائيل”

الأحد 21 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par محمد خليفة

في 20 نوفمبر/تشرين الثاني ،2014 أصدر مجلس الوزراء “الإسرائيلي” قانوناً ينص على اعتبار “إسرائيل” دولة للشعب اليهودي فقط، من دون ذكر الفلسطينيين المقيمين داخل أراضي 48 . والهدف المعلن لهذا القانون الذي اقترحه رئيس الحكومة نتانياهو هو تعريف هوية “إسرائيل” باعتبارها دولة قومية للشعب اليهودي، وترسيخ قيمها كدولة يهودية .
ورغم أن هذا القانون سيعرض على الكنيست للموافقة عليه وليتحول إلى قانون ملزم في “إسرائيل”، لكن من الواضح أنه سيحظى بالموافقة لأن الاتجاه العام في “إسرائيل” يسير اليوم نحو إنهاء محادثات السلام مع الجانب الفلسطيني، وتصفية السلطة الفلسطينية، وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية عبر ضم الضفة إلى “إسرائيل” بشكل نهائي، ذلك أن الفوضى التي حدثت في بعض الدول العربية، وظهور المد الإرهابي المتطرف، ودخول دول عربية عديدة في حروب أهلية، وانهماك الدول العربية الأخرى في شؤونها الداخلية، كل ذلك أفسح المجال أمام “إسرائيل” لتعلن نواياها الحقيقية تجاه الشعب الفلسطيني . والواقع أن القانون الجديد لن يضيف شيئاً على ما هو موجود بالفعل في “إسرائيل”، لكنه إعلان للعالم أجمع بأن “إسرائيل” لن تقبل بعد الآن بأية مطالبات فلسطينية، سواء لجهة عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها عام 1948 .
هذه العقلية السياسية، التي تتعالى على منطق التاريخ في التصور الأسطوري، تعمل على تزييف الحقائق وتشويه جوهر حقيقة الشعب الفلسطيني، معتمدة على جوانب أسطورية طقوسية بدائية، وتعمل على تزييف الحقائق وطمسها وليّها، فقد بدأت بعض الصحف العالمية في الأسابيع الماضية بتركيز كل اهتماماتها على إبراز صورة الكيان الصهيوني، وترسيخ مفهوم يهودية الدولة “الإسرائيلية”، وإبراز مواد القانون الصادر من حكومة “إسرائيل” باسم “قانون العودة” والمُصدّق عليه من البرلمان الصهيوني (الكنيست) في الخامس من يوليو/تموز ،1950 وينص على هذه العناصر، أولها أن أي يهودي في العالم من حقه أن يهاجر إلى “إسرائيل” ويتخذها موطناً، وثانيها أن وزارة الهجرة مفوضة في تنفيذ هذا القانون مع (أي يهودي في العالم) يثبت أنه مولود من أم يهودية فقط، ومحاولة فرض هذا القانون وهذه الآراء لخلق رأي عام عالمي وتهيئة الأجواء لفرض هذه النصوص كواقع لا يمكن تجاوزه، أو القفز عليه في أية مفاوضات مقبلة - لا يُذكر الآن حائط البراق إلا باسم حائط المبكى - وبهذا يتم التفاوض على أساس عدم المساس بالحقائق المفروضة على الأرض، أو اليقينيات الراسخة في الأذهان . ويتفاعل النظام السياسي العالميّ بدرجة كبيرة مع هذا السيناريو القادم، بإعلان “إسرائيل” دولة يهودية فيتحول الفلسطينيون داخل الكيان الصهيوني من مواطنين تحت الاحتلال إلى جالية أو رعايا أوحتى لاجئين ليس لهم حقوق في الأرض التي يعيشون عليها، وتتحول أرضهم التي روتها دماؤهم إلى منفى وسجن لمجموعة من البشر .
إن هذه المزاعم الصهيونية التي يبرر بها اليهود استيلاءهم على أرض الشعب الفلسطينيّ، تحت أكذوبة ما أسموه بالحق التاريخي، وطفقوا يروجون لهذا الزعم بأن ذلك الحق مبنيّ على أساس قيام دولة يهودية قديمة على أرض فلسطين، فهم يزعمون أن الأجداد الأوائل لليهود قد استطاعوا منذ عصور ما قبل الميلاد، إقامة دولة لهم، وأنشأوا لهم فيها حضارة مستشهدين ببعض الآثار التي يزعمون وجودها كهيكل سليمان مستدعين أحداثاً تاريخية مر عليها آلاف السنين، مع أن المصادر التاريخية القديمة والأبحاث، بل كتب اليهود المقدسة، تؤكد أن فلسطين كانت مسكونة بقبائل عربية يرجع أصلها إلى الجنس السامي الذي ينتسب إلى سام بن نوح عليه السلام، وأن هذه القبائل قد خرجت تباعاً من جنوب الجزيرة العربية متجهة شمالاً في شكل موجات بشرية فيما بين سنة أربعة آلاف وسنة ألف وتسعمئة قبل الميلاد، وهي تسبق دخول العبرانيين “الإسرائيليين” إلى فلسطين بآلاف السنين . ومن هنا يتضح أن اليهود لم يكونوا أول من سكن فلسطين، وإنما سبقهم إليها، بآلاف السنين، كثير من القبائل التي ترجع إلى الجنس السامي . وفي عام 721 قبل الميلاد، دمّر البابليون المملكة الشمالية فتشتت اليهود في كل اتجاه، ثم عاشوا في أرض التيه بعد أن انقطعت عنهم وشيجة العقيدة واختلف المنهج والطريق، وانبثقت بين التجمعات اليهودية حركة غيبية تعصبية بقيادة جماعة من المجاذيب تحت شعار “أحباء صهيون” لتقيم (مدينة الله) الدولة اليهودية في فلسطين على أشلاء أبنائها الأصليين من المسلمين والمسيحيين . وما كادت الصهيونية تنغرس في قلب الوطن العربي بأيدي الحقد الصليبي الدفين والجشع الاستعماري المتحفز حتى وجد الشرق الأدنى والأوسط نفسه في طوفان من الفتن، والقلاقل، والحروب، والأزمات، والمؤامرات والمساومات . ويوماً بعد يوم يتأكد للعالم مرة أخرى أن الكيان الصهيوني مازال يعتنق العقيدة الدينية المتطرفة، واغتصاب حقوق الآخرين .
إن العقلية الصهيونية ليست لديها أدنى رغبة في تغيير معتقداتها أو حتى الانصياع للإرادة العالمية، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض الذي يعيش فيها منذ آلاف السنين، ورغم ذلك مازال الشعب الفلسطيني يتجرع طوال عشرات السنين مرارات الذل والقهر والاضطهاد، ولا تزال قضيته العادلة باسترداد حقه الطبيعي مطوية في ملفات هيئة الأمم المتحدة، ولا ينظر إلى تداولها إلا في المؤتمرات التي تزرع الوعود وتسقيها بالتبريرات المثبطة والمخيبة لآماله، في حين أن الكيان الصهيوني ينتشي طغياناً في وطن ليس وطنه، ويزداد الجرح في الجسد فينزف هذا الجرح ممتلكاته وشبابه وأطفاله وهويته، وآخرها إعلان الدولة اليهودية على أرضه لطرده من وطنه، على الرغم من أن هذا الشعب ليس ضعيفاً فهو عضو في مجموعة من الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط، وهو موضع عطف مجموعة الشعوب الإسلامية التي تقارب ربع سكان الكرة الأرضية، وكذلك أكثر سكان الكرة الأرضية ذوي الضمائر الحية . ولكن حكماء صهيون لا يحسبون حساب هذه الأمم الضعيفة، فحكومة الكيان “الإسرائيلي”، متحالفة قلباً وقالباً مع أمريكا، وأتباعها من زعماء وساسة أوروبا، فهي ربيبتهم، وفتاهم المدلل الذي يأمر فيُطاع، بينما أصحاب الحق لا يجدون سوى تعاطف لا يقدم ولا يُؤخر . فمتى يستيقظ ضمير العالم الحر ويُعيد الحق لأصحابه مصححاً خطأً دام عشرات السنين؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165924

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد خليفة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165924 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010