الأربعاء 4 آب (أغسطس) 2010

طريق للإنتحار السياسي

الأربعاء 4 آب (أغسطس) 2010 par علي جرادات

بعد بلوغ الصلف «الإسرائيلي» زباه، وبعد تجاوز سفور الإنحياز الأمريكي للصلف «الإسرائيلي» كل حد، كانت لجنة المتابعة العربية في اجتماع السابع والعشرين من شهر تموز الماضي، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما مجاراة الضغوط، بل الإنذارات الأمريكية، بصرف النظر عن أشكال التسويق، وإما الذهاب بالقضية إلى الهيئات الدولية رغم إنذار الإدارة الأمريكية بأنها ستستخدم حقها بالنقض (الفيتو).

لم يكن لعارف بألف باء واقع النظام الرسمي العربي الغارق حتى أذنيه في عجزه وتآكله وإنقساماته الداخلية....أن يتوقع اتخاذ لجنة المتابعة العربية قراراً بالتمرد الكامل على الضغوط والإنذارات الأمريكية، لكن في نفس الوقت، فإنه يصعب على المرء استيعاب عدم إقدام مركز القرار الرسمي العربي على استخدام ولو الحد الأدنى من أوراقه في مواجهة الإنذارات الأمريكية، وكأن العرب أصبحوا بلا حول ولا قوة، وهو الأمر الذي لا يمكن تصديقه فعلاً.

والأنكى، أنه فيما يحرص «الإسرائيليون» بدعم أمريكي على التعامل مع ملفات المنطقة ضمن خطة محكمة، تلحظ ما بين هذه الملفات من تشابك واقعي، يمعن النظام الرسمي العربي في تجزئة قضاياه، إذ هل يخفى على عاقل الترابط بين الدفع الأمريكي «الإسرائيلي» بلبنان إلى هاوية الفتنة الداخلية، وبين دفع الفلسطينيين مرة أخرى إلى جحيم مفاوضات ثنائية مباشرة، جرى تجريبها على مدار عشرين عاماً، ولم تسفر عن نتيجة، اللهم عن تكريس المزيد من وقائع الرؤية «الإسرائيلية» على الأرض، وعن المزيد من عناوين التآكل في الموقفين العربي والفلسطيني؟؟!!!

لو كان هذا الترابط القائم في الواقع وفي الخطة الأمريكية «الإسرائيلية» قائماً في عقل مركز القرار الرسمي العربي، لكان العرب تداعوا إلى عقد قمة عربية طارئة، أو في أقله، لكانت عقدت قمة للنافذ من الدول العربية، ولكان انصب البحث على إجراء مراجعة شاملة لمسيرة عشرين عاماً من التفاوض العبثي الثنائي المباشر، فضلاً عن بحث راهن الحالة العربية والمخاطر المحدقة بالعديد من بلدانها، خاصة في ظل موقف «إسرائيلي» تجاوز كل حد في صلفه، وتقوده حكومة من أكثر الحكومات «الإسرائيلية» تشدداً وعنجهية وعدوانية. الحكومة التي يقودها نتنياهو صاحب نظرية : إن الضغط هو أفضل طريقة للتعامل مع العرب، لأنهم يرضخون. وللتذكير، فقد كان نتنياهو قد أفصح عن هذه النظرة العنصرية المقرفة علناً في كتابه «تحت الشمس»، فما بالكم حين يلتئم شمل هكذا نظرية مع موقف ثاني أحزاب حكومة نتنياهو نفوذاً، أي حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة ليبرمان، الذي يطرح رؤيته حول التبادل الجغرافي والسكاني صراحة وعلناً.

بلى، إن بلوغ القضية الفلسطينية أخطر مراحلها، بعد عشرين عاماً من المفاوضات العبثية، وثبوت انسداد أفق إمكانية التوصل إلى اتفاق سياسي يلبي ولو الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، كان يتطلب مستوى أعلى وأعمق من البحث الذي قامت به، (على عجل)، لجنة المتابعة العربية، التي (للأسف) سلكت أسهل الطرق، أي دفع الفلسطينيين إلى الجحيم مرة أخرى، جحيم طريق تجديد الرهان على الرعاية الأمريكية، بل وحتى دون محاولة الحصول على ضمانات، ولو شفوية، وذلك انطلاقاً من المقولة التضليلية القائلة : يقبل الأخوة العرب ما يقبل به الأخوة الفلسطينيون.

عليه، وعلى ضوء موافقة لجنة المتابعة العربية على مبدأ ذهاب الفلسطينيين إلى المفاوضات الثنائية المباشرة، وبصرف النظر عن «تقليعة» ترك التوقيت للفلسطينيين، يكون مركز القرار الرسمي العربي قد انصاع مرة أخرى للصلف «الإسرائيلي»، ومن خلفه الضغط الأمريكي. وبالتالي فإن بدء هذه المفاوضات تغدو مسألة وقت لا أكثر ولا أقل. ولعل هذا ما يفسر تركيز الجدل الرسمي الفلسطيني الداخلي على الخيارات الثلاثة التالية :

أولاً : خيار المطالبة بضمانة أمريكية تكفل تعهداً إسرائيلياً بتحديد حدود الرابع من حزيران كمرجعية للمفاوضات ووقف شامل للأنشطة الإستيطانية.

ثانياً : خيار المطالبة بضمانة من اللجنة الرباعية تكفل ذات التعهد «الإسرائيلي» الوارد في البند الأول.

ثالثاً : خيار الذهاب إلى المفاوضات المباشرة شريطة أن يسبقها لقاء ثلاثي أمريكي فلسطيني «إسرائيلي»، يحدد أسس ومرجعيات عملية المفاوضات.

لكن ما دامت لجنة المتابعة العربية قد وافقت على ذهاب الفلسطينيين إلى المفاوضات المباشرة دون تحديد أية شروط، فإن المطالبة الفلسطينية بالخيارين الأول والثاني لن تكون أكثر من مقدمات للذهاب إلى الخيار الثالث الذي يعني الإندراج عملياً في المفاوضات المباشرة، بل أكثر من ذلك، فإن نتنياهو يصر على أن تقتصر أجندة اللقاء التمهيدي الثلاثي، (في حال حصوله)، على الأمور الإجرائية، وليس على تحديد المرجعيات والأسس، ما يعني السير في الطريق التي رسمتها حكومة نتنياهو- ليبرمان، ودفعت باتجاهها إدارة أوباما، أي طريق التغطية على إجراءات الاستيطان والتهويد والحصار.... الجارية على الأرض على قدم وساق، بعملية مفاوضات عبثية عقيمة. وبكلمات أخرى إنها طريق الانتحار السياسي للفلسطينيين، ناهيك عن أنها طريق من الموسيقى التصويرية للتغطية على ما يجري الإعداد له في أروقة البنتاغون ووزارة الدفاع «الإسرائيلية» من مخططات حربية، يرجح المحللون والمراقبون اشتعال شراراتها، ذلك بصرف النظر عن سؤال متى وأين تقع؟؟؟

خلاصة القول : برغم ما وشى به قرار لجنة المتابعة العربية من تآكل ووهنٍ في الموقف الرسمي العربي، ومع كل الإدراك للانعكاسات السلبية لمثل هذا الموقف على الصعيد الفلسطيني، إلا أن إقدام الفلسطينيين على السير فيما يدفعهم إليه الأشقاء العرب، سيكون ذا نتائج كارثية، هي أعلى بكثير من المردودات السلبية لطريق رفض الانصياع للصلف «الإسرائيلي» المسنود أمريكياً، ومغطى (مع الأسف) بموقف رسمي عربي عاجز، كما جرى التعبير عنه في موقف لجنة المتابعة العربية. فالعودة إلى جحيم المفاوضات الثنائية المباشرة هذه المرة لا يعني مجرد المزيد من التآكل في الموقف الفلسطيني فقط، بل يعني أيضاً التغطية على ما يخطط للقضية الفلسطينية من حلول تصفوية، لعل أبرز عناوينها الدفع العملي باتجاه تثبيت رؤية الدولة ذات الحدود المؤقتة، بل وربما أكثر من ذلك، أعني فرضَ العودة بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى ما كانت عليه قبل احتلالها مع احتفاظ «الإسرائيليين» بما كرسوه عليها من وقائع.

بلى، إن طريق العودة لجحيم المفاوضات الثنائية المباشرة، هي طريق للانتحار السياسي للفلسطينيين وقضيتهم وحقوقهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165610

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165610 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010