الاثنين 22 كانون الأول (ديسمبر) 2014

الدولة والأمة . . نصاب الدولة في الاجتماع الوطني

الاثنين 22 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par د. عبد الاله بلقزيز

ليست الدولة أجهزة ومؤسسات فحسب، تقوم منها مقام التمثيل والتجسيد، إنها فوق ذلك - وقبله - فكرة عليا تستبطنها الجماعة الوطنية أو القومية التي تقوم على أرض، وتمارس عليها سيادتها الذاتية بوصفها ملكاً خاصاً جماعياً، مستقلاً، يتولد من السيادة عليه شعور جمعي بالتميز والتمايز عن الجماعات السياسية (الوطنية والقومية) الأخرى . توفر الدولة لهذا الشعور الذاتي بالهوية الجماعية المتميزة أساساته من حيث إنها هي من يحدد نطاق تلك السيادة، التي تدخل فيها الجماعات الاجتماعية، ومن يمارس تلك السيادة باسم الجماعة السياسية الواحدة، وتوفر الأمة، أو الجماعة السياسية (الوطنية أو القومية)، بهويتها الجامعة المتميزة والمستقلة، المسوغ الاجتماعي التحتي لقيام كيان الدولة على الرقعة الجغرافية التي تستوطنها (تلك الجماعة) .
تسويغ الأمة، أو الجماعة الوطنية، مشروعية الدولة ليس مما نقصد به إلى القول إن الأمة سابقة، في الوجود، للدولة أو إن قيمومة هذه مشروطة بقيام الأمة . لقد سبق لنا أن انتقدنا هذه النظرة الأنثروبو - ثقافية إلى الدولة في كتابنا “نقد الخطاب القومي”، وحاولنا بيان صلة التلازم الجدلي بين تكوين الأمة وتكوين الدولة، بعيداً من فكرة الأسبقية الأنطولوجية لأي منهما، مع التشديد على مركزية دور الدولة في حياكة نسيج روابط الاندماج الاجتماعي والوطني والقومي في جسم الجماعة القومية .
لن نضيف كثيراً إلى ما كتبناه، في ذلك الحين، في مسألة العلاقة بين الدولة والأمة (الجماعة الوطنية والقومية) .
نكتفي بالتشديد على علاقة الترابط التكويني بينهما، منبهين إلى أنها علاقة غير متكافئة الفعالية والتأثير بين حدَّيها، ذلك أن سهم الدولة في قيام الأمة أوفر من سهم الأمة في إقامة الدولة . وهذه ليست معادلة نظرية مجردة في وعي علاقات التحديد المتبادل، وإنما من مادة التاريخ وسوابق تكوين الأمم والدول نشتقها .
حين تستبطن الأمة، أو الجماعة السياسية، فكرة الدولة لا تفعل، في الواقع، سوى استبطان ذاتها كجماعة مستقلة متميزة، الوعي بالدولة، هنا، ككيان، هو عينه الوعي بالذات أو الوعي الذاتي . هذا دليل ثانٍ على التلازم بين الدولة والأمة . من يرى في هذا التلازم الماهوي تقديساً للدولة أو تولّهاً وجدانياً استلابياً، لا يعرف - على التحقيق - كيف تتكون الأوطان والأمم، ولا كيف تنهض الدولة بالأدوار الكبرى في تشكيلها . إن نقد تقديس الدولة واجب نظري واجتماعي وسياسي، بل وأخلاقي، من غير شك، لأنه يحرر الوعي من الاستلاب السياسي . ولكن، من قال إن نقد التقديس الأعمى للشعب والأمة لا يقلّ وجوباً عن نقد تقديس الدولة؟ إن الاعتزاز بالانتماء الوطني والقومي فضيلة، لكن الإفراط المَرَضي فيه يحوله إلى رذيلة، فتقديس الشعب ينتهي بالمرء إلى الشعبوية، وهي آفة سياسية واجتماعية، وتقديس الأمة ينتهي بالمرء إلى الشوفينية العنصرية التي لا تقل عن الآفة الأولى سوءاً .
لا تعي الأمة ذاتها إلاّ حين تعي كيانيتها السياسية، أي الدولة، فالدولة ليست شيئاً آخر سوى الأمة وقد تجسدت في جماعة سياسية موحدة ينتظمها نظام جامع، وتقوم فيها سلطة مركزية تدير شؤونها . إنكار الدولة ورفض الاعتراف بها إنكار للأمة ذاتها وإن لم يتنبه إلى ذلك المفكرون . الفارق بين القطيع “البشري” و(بين) المواطنين هو عينه الفارق بين الجماعة الطبيعية والجماعة السياسية، إذ لا وجود للمواطنين إلاّ في دولة يعقدون لها الولاء، بما هي تجسيد مادي للجماعة السياسية . وحيث لا توجد دولة لا يكونون أكثر من أشخاص تجمعهم روابط الطبيعة: روابط الدم والقرابة، وتؤسس لهم الولاء للجماعات الأهلية التي ينتسلون منها ويعتصبون لها الاعتصاب الأعمى . وحين يظل الناس مشدودين إلى تلك الروابط العصبوية التقليدية - ويحصل ذلك حتى في إطار كيان الدولة الوطنية على ما هو الأمر ملحوظ في الاجتماع السياسي العربي اليوم - يمتنع عليهم أن يَعُوا الدولة، وبالتالي أن يَعوا الأمة أو الجماعة السياسية التي ينتمون إليها .
من النافل القول إن مثل هذا الوعي المزدوج بالدولة والأمة يأتي ثمرة تاريخ مديد من التشبع الجماعي بفكرة الدولة، أي بعد أجيال متطاولة من قيام الدولة ورسوخها في المجتمع . وهذا مما ليس يمكن في مجتمعات حديثة عهد بالدولة الحديثة، مثل المجتمعات العربية التي يزدحم اجتماعها الأهلي بالعصبيات التقليدية، والتي ظلت الدولة السلطانية التقليدية تعيد إنتاجها في سياق إعادة إنتاج نفسها . غير أن ما يتعمى وعيه على العموم يُفترض فيه أن يكون في مُكن النخب!.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2181115

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبدالإله بلقزيز   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2181115 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40