الثلاثاء 23 كانون الأول (ديسمبر) 2014

صراعات فتح بين التشفي والتمني

صابر عارف
الثلاثاء 23 كانون الأول (ديسمبر) 2014

“فخار يكسر بعضه”، “هذا صراع على الكراسي والمصاري”.. “هذه الحرب ﻻ تعنينا”.. “هواهم اسرائيلي ويتنافسون على حمايتها” … وما الى هنالك من تعليقات وتوصيفات اشد واقسى، اتسمت بها ردود الافعال الشعبية العربية قبل الفلسطينية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة على الصراع المحتدم ويزداد أوارا بين ابو مازن رئيس حركة فتح وبين محمد دحلان القيادي الفتحاوي المفصول من الحركة، وعكست هذه التعليقات، الى حد كبير حقيقة المزاج الشعبي المدين والمستنكر للطرفين وللصراع بينهما، حيث تعتبر عامة الناس انه:
■ صراع شخصي ،ﻻ علاقة له بالقضية الوطنية ، لا من قريب ولا من بعيد ، بدا بالمصالح المالية عندما اتهم دحلان ابناء ابو مازن بالفساد وسرقة المال العام، وانتهى بالصراع على الكراسي.. كرسي قيادة فتح، وبالتالي كرسي قيادة المصالح، المسماه قيادة السلطة الفلسطينية.
■ صراع بلا اي مضمون سياسي او وطني، فلا يوجد اي فرق بيتهما في اي قضية من القضايا الوطنية، سياسية كانت ام تنظيمية ام اصلاحية ام اقتصادية ، فكلاهما غربيي الميول والهوى ، والعلاقات والارتباطات، وكلاهما يتسابق على فعل الخير والامن “للجار” ويتسابق على بناء مؤسسة امنية باسم السلطة الوطنية لتنفيذالتنسيق الامني “المقدس″ بدقة وامانة، ولادارة مصالحهم ومصالح الطبقة او الفئة الفلسطينية الحاكمة لتحقيق هاتين الغايتين. فمواقفهم شبه متطابقة في قضايا السياسة والامن والفساد والافساد وشراء الذمم والاتباع …الخ، ولا يختلفان الا حول المصالح الخاصة والنفوذ. والمشكلة الكبرى ان كلا منهما يتهم الآخر بالاستقواء بالاسرائيلي!!! اما الكارثة الكبرى فهي مسألة الاستقواء بحركة حماس.
■ صراع مرفوض من حيث المبدأ، ومرفوض شكلا ومضمونا وتوقيتا، فالمأساة التي تعيشها الساحة الفلسطينية ليست بحاجة للمزيد ،ويكفيها ما فيها من انحدار واندثار على الصعيدين الداخلي والخارجي وعلى كل المستويات ، فنحن في مرحلة لا نحسد عليها ابدا. فشكرا لممثلي الشعوب الاوروبية الذين يذرون الرماد في العيون، ليس الا، بالدعوة غير الملزمة لحكوماتهم للاعتراف بالدولة الفلسطينية “جكرا” بنتنياهو لانه يحتقرهم وبشكل معلن كل يوم، وليس بفضل من يزعمون ويدعون الفضل .
■ صراع باسم الحرص على حركة فتح ، وهو ادعاء باطل لانتزاع الشرعية والاستقواء بتاريخها النضالي ،وبجماهيرها الاكثر حضورا في الساحة، صراع على قيادة فصيل لعب دورا وطنيا وقياديا للشعب الفلسطيني، يبدو ان هذا الفصيل ما زال عصيا الى حد ما على الانكسار النهائي او على التفريط النهائي بالقضية الوطنية ،رغم ما اصابه من وهن ومن تراجع مريع في القيم والاخلاق.. قيم النضال والتعاون والتضامن، ومن تراجع في وسائل واشكال النضال التي كانت مفخرة للشعب، ومن تغليب هائل للمصالح الشخصية على المصالح العامة والانتماء الوطني، ويبدو انه لم يكن كافيا ما تعرضت له حركة فتح من تآمر داخلي وخارجي لاحتوائها وارغامها على الخيانة الوطنية، فلا بد من تدميرها وشرذمتها، عبر صراع داخلي بدون اي مضمون وطني، وهذا هو الذي يتم الان. والا فما المقصود من اعادة اثارة ملف دحلان عشية وعلى ابواب انعقاد المؤتمر؟. وما المقصود من سرعة وقوة ردة فعله وفعل اتباعه. والمؤتمر ان عقد سيكون ساحة للحرب بين الطرفين، وسيفضي الى ما لا يحمد عقباه من انشقاق ممول ومدفوع الاجر من المال الخليجي، ولولا المال والاسترزاق لما حصل اي شيء على الاطلاق ، فهو المفسدة والرافعة في نفس الوقت.
¤¤¤
صحيح ان هذا الصراع وللاسباب التي ذكرت صراع حقير ودنيء ولا يمت للقضية الوطنية باي صلة، والغالبية الجماهيرية تعتبر نفسها انها غير معنية بهذه الحرب، وهناك من ينظر اليها بتشفي وشماتة، فالمتضررين من السياسة الداخلية التي شرعنتها وغطتها حركة فتح كثر، وهم يعانون الامرين جرائها ،وفقدوا الامن والامان والثقة بحركة فتح وبوطنيتها، ولا ابالغ اذا قلت ان البعض سعيد وفرح بما يحصل، بل يتمنى المزيد، وكنت ساكون من هؤلاء الناس، لولا بقايا الامل بان الجسم الاعظم من الحركة ما زال في الموقع الوطني، وسياتي اليوم الذي سيقول كلمته بكل قوة وشجاعة، وكنت ساكون مع هؤلاء لو كان هناك بديل وطني يمكن الرهان عليه.
هذا الصراع لا يعنينا في شيء، الا فيما قد يكون فرصة لبلورة تيار فتحاوي وطني يرفض ويلفظ الطرفين المتنازعين واسباب نزاعهما ويضع القطار الفتحاوي على سكة الخلاص الوطني، بشكل صحيح، فالفرصة سانحة والظروف ناضجة، فمجمل سياسة ابو مازن ادت الى مانحن عليه من دمار واوصلت الانقسام والحريق الى بيته وحركته عقر داره، ولم تبق ولم تذر شيئا الا واصابته في مقتل ، ويؤسفني القول بان ما قام ويقوم به ابو مازن من اعتقالات وعزل وتصفيات حساب، وما اتخذه من قرارات خلال الشهريين الماضيين ذكرتني بما فعله انور السادات في مصر عام 1981 قبيل اغتياله بايام وساعات. وغني عن القول بانني لا اتمنى ذلك ابدا، وان كنت اتمنى الخلاص والى الابد من سياسة ابو مازن وباقصر وقت ممكن ، هذا من جهة ،ومن الجهة المقابلة، فان المال قد يستطيع شق فتح وتفتيتها ، وقد يستطيع تشكيل مجموعة او عصابة قوية وفاعلة لتمرير وتحقيق اهداف وسياسات معينة، لكن المال و”الكريزما” وحدهما ﻻ يستطيعان بناء حركه سياسية وطنية وقيادة شعب ، فمتطلبات الانشقاق والانقسام شيء، ومتطلبات ومقومات النضال والثورة شيء آخر، بينها وبين دحلان ما بين السماء والارض.
ومع ذلك فان خطر الانقسام الفتحاوي قائم وماثل للعيان، فلم يعد هناك مجال للمصالحة والتوافق ،كما لم يعد هناك مجال لعزل وحصر الظاهرة الدحلانية، بعد تامين المال الوفير لها من الخليج، الذي اخشى ما اخشاه ان يتطور ضمنا وليس علنا لتامين الغطاء السياسي الخليجي بصمت مصري، فبات معلوما طبيعة العلاقة التي تجمع السيسي بدحلان منذ كان كل منهما مديرا للتنسيق الامني مع العدو الصهيوني. ومعروف حجم وعمق العلاقة بين مصر والامارات حاضنة وممولة دحلان. وبينهما وبين المملكة السعودية، وبين كل هؤلاء ونتبياهو الذي اعتبر ان اهم انجازاته في حربه على غزة تعميق التحالف مع هؤلاء.
الوقت ليس وقتا للتشفي، وانما وقتا للتمني والعمل الجاد والمخلص، لتخليص الحركة من كل ما شابها وما علق بها من ادران وامراض طيلة السنوات الماضية، والعمل على بلورة تيار واسع وعريض للنهوض بهذه المهمة الوطنية الكبرى، والا فسيخسر الشعب الفلسطيني حركة فتح ، اما باسقاطها نهائيا بعد تفتيتها، او باضمحلالها كبقية العديد من الفصائل الاخرى التي لم يبق منها سوى الاسم والميزانية.
انها فرصة تاريخية امام شرفاء ومناضلي واحرار واسرى حركة فتح لان يقولوا كلمتهم الاخيرة المدوية.
ستبقى فتح قوية وعصية
ستبقى فتح وفية لقيمها ومبادئها
ستبقى فتح وفية للوطن ولدماء الشهداء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165336

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165336 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010