الجمعة 26 كانون الأول (ديسمبر) 2014

المشهد العربي في قراءة واقعية

الجمعة 26 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par عوني فرسخ

يغلب على الإعلاميين العرب المعاصرين تسليط الأضواء بكثافة على الظواهر السلبية بحجة الواقعية وكأنها كل ما في المشهد العربي . بحيث غلب على جمهور قراء الصحف ومتابعي القنوات الفضائية القلق على حاضر الشعوب العربية والتشاؤم بمستقبلها . والسؤال والحال كذلك: هل هذا كل ما يستقرأ في المشهد العربي أم أنه حين يقرأ بعمق وشمول يدل على أن الأمة عريقة التاريخ، غنية الموروث الحضاري، المعروفة بقدرتها الفذة على النهوض من الكبوات: تعيش مخاض تغيير جذري يحمل مؤشرات واعدة ؟
سؤال في محاولة الإجابة عنه بموضوعية نقف مع أبرز ثلاثة تحديات تواجه الدول والشعوب العربية: تحدي مخطط التفتيت العرقي والطائفي، وتحدي “داعش” وسائر التجمعات التكفيرية والفتنة المذهبية السنية - الشعبية، وتحدي افتقاد العرب دورهم الإقليمي وتصوير “إسرائيل” وكأنها الدولة صاحبة الذراع الطويلة في مشرق الوطن العربي ومغربه .
وفيما يتصل بالتحدي الأول، أذكّر المتحدثين بقلق عن تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ أن المخططات الأمريكية والصهيونية لتقسيم وتجزئة دول المشرق العربي، ليست بالجديدة . فذلك ما دعا إليه بريجنسكي، في كتابه “بين جيلين” الصادر سنة ،1977 مطالباً بإقامة “الشرق الأوسط الجديد” المكون من كانتونات عرقية وطائفية، بحيث يتاح للكانتون “الإسرائيلي” النمو والبقاء . وفي العام 1981 كتب “الإسرائيلي” يوديد ينون في مجلة “اتجاهات”، تحت عنوان استراتيجية “إسرائيل” في الثمانينات، متحدثاً عن مخططات لتقسيم: مصر والعراق وسوريا ولبنان، على أسس عرقية وطائفية . وبرغم انقضاء السنين لم يتحقق التفتيت العرقي والطائفي في أي من الأقطار العربية المعنية . لاستحالة ذلك عملياً لعدم توفر الموارد التي تمكن أي كانتون عرقي أو طائفي يقام في أي قطر عربي ليكون كامل السيادة ديمقراطياً وغير تابع للخارج الدولي أو الإقليمي .
ودليلنا واقع إقليم كردستان العراقي، برغم احتوائه على مؤسسات الدولة، وتوالي تهديدات البرزاني بانفصال الإقليم في عملية ابتزاز للحكومة المركزية في بغداد لتحصيل المزيد من المكاسب الإقليمية، مستغلاً افتقارها للإجماع الوطني الداعم نتيجة تركيبتها الفئوية وغلبة اللون المذهبي عليها . لكنه لم ينفذ تهديده المتكرر لإدراكه أن موارد الإقليم، بما فيها وما يحوزه من النفط، لا تفي باحتياجات مواطنيه .
ولم يكتب لمخطط التفتيت النجاح، برغم التقاء الإدارات الأمريكية المتوالية وأداتها الصهيونية على استغلال كل نواحي الضعف في المجتمعات العربية لإنجاحه، لكونه مؤسساً على قراءة استعمارية لواقع الوطن العربي تدعي عدم امتلاكه مقومات الوجود القومي، إذ إنه متعدد الأديان والمذاهب متباينة المصالح والطموحات، في تجاهل متعمد لكونه من أكثر مناطق العالم تجانساً واندماجاً على محاور السلالة التاريخية، والدين والمذهب، واللغة والثقافة وأنماط السلوك . فضلاً عن أنه بين أقلياته جميعها والأكثرية العربية وشائج قربى سلالية أو دينية، وليس بينها من تعيش منعزلة عن المجتمع، أو مهمشة اجتماعياً واقتصادياً، أو محظور عليها استخدام لغتها في شؤونها الخاصة . وبرغم عدم نجاح المخططات الاستعمارية، لما يزل أدعياء الواقعية يتحدثون عن تجزئة المجزأ في جهل مريع لحقائق الواقع العربي .
وبالنسبة ل“داعش”، التي تبدو الأشد خطورة واستفزازاً بين الجماعات التكفيرية فإنها ليست بذات الخطورة التي بدت عليها غداة انسحاب الجيش العراقي من الموصل، ولا بمثل ما تروجه وسائل الإعلام، خاصة الأمريكية . إذ بات جلياً أنها ليس لها حاضنة شعبية ولا مستقبلاً، وقد اتضح عجزها أمام الجيشين العراقي والسوري، وحتى أمام البيشمركة الكردية . فضلاً عن إجماع أبرز العلماء المسلمين من مختلف المذاهب على إدانة ممارساتها الإجرامية، المتناقضة مع مبادىء الدين الحنيف القائمة على حرية الاعتقاد، واحترام حق أهل الكتاب غير المعتدين بممارسة طقوسهم الدينية بحرية تامة، وتمتعهم بحقوق المواطنة حيث وجدوا في الأقطار العربية . وفي الاستجابة لتحدي “داعش” وغيرها من الجماعات التكفيرية، والحركات إسلاموية الشعارات دعا دكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر لمؤتمر لمواجهة التطرف يومي 3 و4 ديسمبر/ كانون أول الجاري، شارك فيه ممثلو 120 دولة، تقدمهم رؤساء المذاهب الإسلامية كافة وممثلو مختلف الكنائس الشرقية العربية . وقد تضمن بيانه الختامي التأكيد أن ما ارتكبته الجماعات التكفيرية من عنف وقتل، وما أصاب المقدسات وأماكن العبادة، إنما يعتبر جرائم ضد الإنسانية جمعاء، والإسلام بريء من هذه الأفعال المدانة التي تشوه صورته . كما أشار البيان إلى أن تعدد الأديان والمذاهب كان وسيبقى مصدر غنى البشرية جمعاء، ولا يتعارض مع المعاني الإلهية التي تظلل العالم . وأوضح أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين تاريخية وجرى تطويرها بتأكيد المساواة التامة في الحقوق والواجبات . ودعا البيان إلى التشبث بالأرض وعدم الهجرة . كما أدان عمليات التهجير التي جرت وتجري لا سيما في العراق وسوريا باعتبارها جرائم مستنكرة .
وحين يقرأ التاريخ العربي في العصر الحديث يتضح أن جميع الصراعات والنزاعات التي شهدتها أقطار المشرق العربي منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر لم تكن دينية أو مذهبية، وإن بدا بعضها كذلك، وإنما كانت صراعات ونزاعات سياسية واجتماعية الدوافع، وللمداخلات الاستعمارية دور أساسي في التحريض على معظمها .
صحيح أن العرب في واقعهم الراهن يفتقدون دورهم الإقليمي ومكانتهم العالمية، وأغلبية أقطارهم فاقدة المنعة تجاه الضغوط والمداخلات الخارجية الدولية والإقليمية، وأكثر من قطر عربي يعاني مآزق ومشكلات متفاقمة . غير أن ما لا يأخذه في حسبانهم المتحدثون عن قدرات وفاعلية الكيان الصهيوني أنه ليس بحال أفضل من معظم الأقطار العربية المأزومة . وإن الزمن لم يعد يجري لصالح المشروع الصهيوني بقدر ما هو لصالح قوى الممانعة والمقاومة العربية . التي أسقطت أساطير التفوق الصهيوني المدعى بها، وبالذات أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأفقدت الكيان قدرة ردعه، وما اعتاده من تصدير أزماته الداخلية بالعدوان على جواره العربي، وفرضت عليه ردعاً متبادلاً، وبحيث إنه لم يعد رصيداً استراتيجياً لرعاته الأمريكان والأوروبيين بقدر ما غدا عبئاً تاريخياً عليهم، بدليل تزايد انشغالهم بما يسمونه “أمن إسرائيل” تزايد على نحو طردي الأكاديميون الأمريكان والأوروبيون الذين يعارضون الاستيطان والممارسات الصهيونية العنصرية، وقمع شباب وصبايا الضفة الغربية المقاومين سلمياً قوة الاحتلال . ولقد تعدد مؤخراً المحللون السياسيون، ومن أبرزهم هنري كيسنجر، الذين باتوا يتحدثون عن قرب نهاية المشروع الصهيوني .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2178739

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178739 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40