الأحد 28 كانون الأول (ديسمبر) 2014

إيران وأمريكا.. “انتظار” الصفقة!

الأحد 28 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par خالد الحروب

التمديد الطويل للمفاوضات الإيرانية الغربية (خمسة زائد واحد) حول الملف النووي إلى شهر يوليو القادم يعد بالتأكيد نجاحا إيرانيا كبيرا. هذه المفاوضات هي في العمق والجوهر مفاوضات إيرانية مع الولايات المتحدة (أي واحد زائد واحد)، وتبدو بقية الدول الغربية تابعة لما تقرره واشنطن. لكن كيف يمكن أن توافق واشنطن مرة تلو الأخرى على تمديد المفاوضات مع الدولة “المارقة” وهي والجميع يعلمون أن طهران تشتري الوقت لأهدافها الخاصة. ليس ثمة إجابة مباشرة أو سهلة على هذا السؤال. كما أن ليس ثمة أي سذاجة عن الطرف الأمريكي. ولا طبعا عند الطرف الإيراني. ما يتبلور على نار هادئة هو “الصفقة الكبرى” بين الطرفين والتي احتاجت إلى وقت إضافي كي تنضج مكوناتها من ناحية. والتي تحتاج إلى وقت إضافي في الإقليم كي تنتهي بعض التطورات أو تأخذ الاتجاه الذي يصب مباشرة في مصلحة تلك الصفقة ويتوافق معها. لا مكان للصدف هنا ولا للتساذج أو التخادع، بل نحن في قلب عملية “انتظار” الوصول إلى تلك الصفقة.
عملياً، سوف تحدد الشهور القادمة (مع نتيجة المفاوضات ومضمون “الصفقة”) شكل الشرق الأوسط الجديد وموقع إيران والعرب فيه. ويصير على الجميع الانتظار حتى يتم الاتفاق التفصيلي على جوانب الصفقة والتحالف الجديد الذي ينشأ في الإقليم. ليس مهما الجدل في ما إن كانت إيران تنتزع موقعا ودورا إقليميا رغم انف الولايات المتحدة التي تبدو وكأنها ملت من المنطقة ولم يعد لديها الطاقة الكافية ولا الرغبة في متابعة كل ملف من الملفات، أم أن ذلك يتم وفق الرغبة الأمريكية وتبعا لتحولات بوصلة سياساتها ومصالحها في المنطقة (وإعادة تبوصلها نحو آسيا). المهم، بالنسبة للمنطقة العربية ككتلة جماعية، وللدول العربية منفردة خاصة دول الخليج، هو نتائج تلك الصفقة وانعكاساتها عليهم.
وتبعا لذلك فإن السؤال الكبير هو انعكاسات ما سوف يأتي على العرب خاصة إذا تعزز النفوذ الإيراني وثبت مواقعه في البلدان التي تعزز فيها في العقد الأخير من السنين. وتحديدا في العراق وسوريا ولبنان واليمن. والسؤال الثاني المرتبط بذلك يتعلق بإمكانية أم عدم إمكانية القيام بأي فعل عربي جماعي أو منفرد لتحديد انعكاسات الصفقة وتخفيض تأثيراتها السلبية. إيران الخامنئية قد ترث إيران الشاهنشاهية ودورها كشرطي للخليج. وهذه المرة مدفوعة بجموح إضافي مرتبط بالشيعية السياسية التي تشكل الآن المسوغ الموضوعي (المُفتعل) للمشروع الإيراني برمته، وبها تطرح إيران نفسها كحامية للشيعة في المنطقة والعالم.
لا يعني ما سبق إعلان إيران عدوة للعرب فهذا غير مطلوب وغير عملي ومدمر للطرفين وللمنطقة عموماً. لكنه يعني ضرورة أن يتحرك العرب خاصة دول الخليج ومصر في اتجاه موازنة النفوذ الإيراني وتحديده وفق المصالح المشتركة، من دون أن يكون أي طرف من الأطراف فوق الطرف الآخر. وهذا يتطلب صوغ مقاربة عربية متماسكة نحو إيران تقوم على الندية واحترام السيادات ورفض التدخلات عبر الحدودية أيا ما كان شكلها ومسوغها، خاصة المسوغ الديني. وهذه المقاربة ربما تبدأ من فهم تعريف إيران لنفسها وفهم تناقضات ذلك التعريف، أو التعريفات، ثم تعزيز التعريف الذي يسهل من خلاله التعامل معها. وهنا يمكن القول أن إيران الحالية تتصارع فيها وداخلها ثلاث “إيرانات”: آل “إيران الأولى” هي إيران الوريثة للإرث الفارسي الامبرطوري المشحون بالتاريخ والذي يدفع بالبلد نحو مشروع توسعي إقليمي دائم ويرى في إيران تلك الدولة التي يجب أن تمتلك مشروعا إمبراطورياً متفوقا على جوارها، وهذه آل “إيران” عابرة للحدود بالتعريف. وال “إيران” الثانية هي إيران التشيع السياسي التي أطلقها الخميني وترى في نفسها حامية للشيعة في العالم وليس فقط في المنطقة، وهي أيضاً إيران عابرة للحدود ولا تحترم سيادات الدول. وال “إيران” الثالثة هي إيران الدولة الأمة أي nation state والتي تلتزم بالقانون الدولي وتحترم سيادات الدول ولا تستبطن أي مشروع ايديولوجي أو امبرطوري متخط للحدود. ليس هناك حدود فاصلة وواضحة بين هذه الإيرانات الثلاث كما ليس ثمة كتل داخل إيران صارمة الملامح يمثل كل منها إيرانه الخاصة به. بل هناك تداخل وغموض التعريفات حيث تبدو هذه الإيرانات كثلاث دوائر تتداخل في منطقة الوسط، بما يعني اشتراكها في عناصر عديدة لكن اختلافها في عناصر أخرى.
ما يمكن للعرب وللعالم التعامل معه بسهولة أكثر وندية واحترام متبادل هو ال “إيران” الثالثة القائمة على مبدأ الدولة الأمة والتي يكون مواطنوها إيرانيون بالتعريف (ولا يكون التعريف الفارسي أو التعريف الشيعي هو التعريف المركزي المحدد لهوية الدولة). وهذا يتناسب ويتواءم مع دول الجوار سواء العربي أو التركي ذلك أن كل دولة في المنطقة تنتهج سياسة خارجية وفق مبدأ الدولة الأمة ولا تطلق مشروعا عابرا للحدود يهدد إيران. وبتفصيل أكثر، وعلى سبيل المثال، ليس هناك مشروع قومي عربي يهدد وحدة إيران أو سيادتها أو يطلب ولاء الإيرانيين العرب (البالغ عددهم تسعة ملايين). وليس هناك مشروع قومي تركي عابر للحدود يطالب بولاء ملايين الإيرانيين ذويي الأصل التركي. كما ليس هناك مشروع سني يتدخل في النسيج الإيراني ويشتغل على السنة الإيرانيين بدعوى أنهم مضطهدين أو سوى ذلك. وفي المقابل هناك مشروعات إيرانية شيعية أو إمبراطورية تقوم بالعكس وتتدخل في أكثر من بلد عربي بهذا المسوغ أو ذاك.
السؤال العملي إذن والذي يحتاج إلى تفكير عربي وجهد عربي وسياسة خارجية عربية يحوم إذن حول إمكانية تعزيز إيران الثالثة، إيران الدولة الأمة. التي من حقها أن تدافع عن مصالحها، لكن في إطار احترام مصالح دول الجوار. وكيف يمكن تقوية الكتلة أو الكتل الإيرانية في داخل الدولة والمجتمع الإيراني التي تؤمن بالدولة الإيرانية كدولة امة يكون التعريف الإيراني، وليس الفارسي أو الشيعي، هو المحدد الأهم في تشكيلها وصوغ سياستها الخارجية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165640

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع خالد الحروب   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165640 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010