الأربعاء 31 كانون الأول (ديسمبر) 2014

السيسي والإعلام

الأربعاء 31 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par فهمي هويدي

لقاءات الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الإعلاميين والكتاب أصبحت ظاهرة جديرة بالملاحظة. ذلك أنه قبل الحوار الذي أجراه معه رؤساء الصحف القومية الثلاثة ونشر هذا الأسبوع، كان قد عقد لقاء مطولا مع مجموعة من الكتاب. وفي سفرته إلى الصين كما في رحلته إلى الولايات المتحدة فإنه حرص على أن يلتقي الوفد الإعلامي المصاحب له. وقبل ذلك عقد سلسلة من الاجتماعات، أحدها مع رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية، والثاني مع رؤساء تحرير الصحف كافة، القومية والمستقلة والحزبية، والثالث مع شباب الصحفيين والرابع مع ممثلي الصحف الذين دعوا لتغطية مناورات القوات المسلحة، والخامس مع اتحاد الصحفيين العرب. ذلك كله بعد انتخابه رئيسا للجمهورية. أما أثناء حملته الانتخابية فإنه حرص على إجراء حوار مطول مع إحدى القنوات الخاصة، كما أنه عقد اجتماعين، أحدهما مع الصحفيين والثاني مع ممثلي الصحف ووسائل الإعلام الأخرى والتلفزيون في المقدمة منها.
في كل تلك اللقاءات حرص الرئيس على أن يطرح تصوراته وأفكاره، كما أنه دأب على مصارحة الرأي العام بمختلف المشكلات التي تواجهه والتي وصفها في حواره الأخير بأنها أكبر من أي رئيس.
وفي الوقت ذاته فإنه ظل حريصا في كل مرة على طمأنة الناس وإقناعهم بأن الأمور تمضي بشكل جيد وفي الاتجاه الصحيح، وهو ما كان واضحا في حواره الأخير.
هذا الحضور الإعلامي المكثف له أكثر من دلالة، كما أنه يمكن أن يقرأ من أكثر من زاوية. إذ إلى جانب أنه دال على المكانة التي يحتلها الخطاب الإعلامي في أجندة الرئيس حتى يبدو وكأنه أصبح يعول على الظهير الإعلامي ليكون بمثابة حزب الرئيس مؤديا دور الظهير السياسي. وربما أراد الرئيس بذلك أن يعوض من خلال الإعلام غيابه عن اللقاءات الجماهيرية التي تجنبها لسبب أو آخر، ولا أستبعد أن تكون الاعتبارات الأمنية من بينها ــ ربما أراد الرئيس بذلك أيضا أن يبقي المجتمع في صورة المشكلات والتحديات التي تواجهه، وأن يستثمر التعبئة الإعلامية لكي يبقي على الأمل عند الناس ويقنعهم بأن الغد سيكون أفضل من اليوم، إلا أن ثمة ملاحظتين أساسيتين تبرزان في هذا الصدد.
الأولى أن الرئيس في حضوره الإعلامي يرسل ولا يستقبل، بمعنى أنه يبلغ آراءه وأفكاره إلى الرأي العام، وهذا شيء مهم، لكن ذلك لا يوفر فرصة مناقشته في تلك الأفكار وتمحيصها، وذلك لا يقل أهمية.
الملاحظة الثانية أن حرص الرئيس على الالتقاء مع الإعلاميين حين احتل موقعا متقدما في برنامجه، فإنه طغى على تواصله مع قطاعات حيوية أخرى في المجتمع تريد أن تسمع صوتها له، وذلك رأي سمعته من بعض وثيقي الصلة بقطاعات الإنتاج والاقتصاد. وفي حوار أخير مع أحد المخضرمين من رجال الاقتصاد ذكر أن التركة الثقيلة التي يتحملها الرئيس والنظام القائم يتصدرها همّ الأمن وهمّ الاقتصاد. وإذا كان الرئيس قد عين مستشارا للأمن القومي، كما أن موضوع الأمن له دوائره الحساسة والمغلقة، فإن أحدا لا يعرف أن هناك فريقا اقتصاديا إلى جانبه رغم جسامة الأعباء في ذلك القطاع وخطورة التحديات التي تنتظر مصر من ذلك الباب في العام المقبل.
إلى جانب ذلك فلم يعرف أن لقاء نظم للرئيس مع خبراء الاقتصاد المصريين الذين لهم آراؤهم التي ينبغي أن تسمع في أسلوب التعامل مع ذلك الملف الدقيق. ولا يغير من ذلك كثيرا أن يكون الرئيس قد التقى مع آحاد بين رجال الاقتصاد. وبهذه المناسبة فإنني سألت عما إذا كان للدكتور كمال الجنزوري الذي يمارس دوره كمستشار برئاسة الجمهورية له علاقة بإدارة ذلك الملف، باعتبار خبرته السابقة في التخطيط على الأقل. وفهمت من الرد الذي سمعته أنه لا علاقة له بذلك الجانب وأن التعامل مع الملف الاقتصادي يتم بعيدا عنه. وبسبب من ذلك فإنه يحاول في الوقت الراهن أن يمارس حضوره في الملف السياسي من خلال المشاورات التي يجريها بخصوص الانتخابات البرلمانية القادمة.
حين بحثت عن تفسير لظاهرة عدم وجود فريق اقتصادي إلى جانب الرئيس، ولعدم حماسه لفكرة عقد مؤتمر للاقتصاديين المصريين قيل لي إن ما لا نراه لا يعني بالضرورة أنه غير موجود. وإذا كان الرأي العام لا يعرف شيئا عن الفريق الاقتصادي الذي يعمل إلى جانب الرئيس، فينبغي ألا نخلص من ذلك إلى أن الفريق لا وجود له، لأن الواقع غير ذلك. إذ إن الرئيس له ثقته الكبيرة في القوات المسلحة لأسباب مفهومة، وهو مطمئن إلى أنها قادرة على أن تقود التنمية في مصر، وبسبب من ذلك فإن البعض يرجحون أن الرئيس مقتنع بأنه ليست هناك حاجة للاستماع إلى خبراء الاقتصاد، لأن الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة توفر البديل القادر على القيام بالمهمة وتحقيق الإنجاز المنشود.
الثقة في كفاءة وقدرة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في محلها لا ريب. ولكن مسؤولية إدارة عجلة التنمية والاقتصاد أكبر منها، فضلا عن أنها ليست مهمتها الأساسية. وقد أستعيد هنا قول الرئيس السيسي إن مشكلات مصر أكبر من أي رئيس، بما يسوغ لي أن أقول إن عبء النهوض بالاقتصاد المصري بدوره أكبر من القوات المسلحة وهيئتها الهندسية. من ثَمَّ لا مفر من تشكيل فريق اقتصادي قوي ينهض بهذه المهمة، وقد قرأت في تصريحات الرئيس أن ثمة اتجاها لإنشاء مجلس تخصصي للتنمية الاقتصادية إلى جانب دراسة فكرة إنشاء مجلس أعلى للاستثمار. وتلك من الخطوات التي قد تعالج الثغرة التي نحن بصددها. صحيح أنها متأخرة بعض الشيء، ولكنها مما ينطبق عليه مقولة أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا. في كل الأحوال فإنه من المهم للغاية أن تكون الرؤية الاقتصادية ــ وليس فقط المشروعات الاقتصادية ــ واضحة ومتبلورة قبل المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي يفترض أن يعقد في شهر مارس المقبل. ولا يكفي أن نتحدث إلى الإعلاميين عن تلك الرؤية، لأن خبراء الاقتصاد المصريين وحدهم القادرون على صياغتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2178924

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178924 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40