الجمعة 2 كانون الثاني (يناير) 2015

مساحات الموقف لهذا اليوم .....(مقالات مختارة)

الجمعة 2 كانون الثاني (يناير) 2015

- الفلسطينيون الجدد..

د. انيس فوزي قاسم*

لم يؤخذ هذا التعبير من «المحافظين الجدد»، وهم طغمة اليمين الأمريكي الموغل في وحشيته، الذين ازدهروا في عصر بوش الابن، بل أُخذ من الواقع الفلسطيني، ذلك أن الفلسطينيين القدامى كانوا إذا تصدوا للعمل الوطني يتصفون بالصدق والصراحة، ويتمتعون بموهبة التواصل مع شعبهم، والأهم من هذا وذاك هو حرصهم على الالتصاق بهموم شعبهم وقضاياه الوطنية.

أما الفلسطينيون الجدد الذين يتصدون للعمل الوطني فقد أوغلوا في ممارسة السلطة المتفرّدة، والغطرسة والمداهنة واللعب على الكلمات، ويقولون ما لا يفعلون… فأصبحوا اكثر مقتاً عند شعبهم. وآخر الأدلة على مداهنة الفلسطينيين الجدد هو ما سمي بمشروع القرار الذي قدمه الفلسطينيون الجدد إلى مجلس الأمن الدولي (بدون الرجوع الى المرجعيات الفلسطينية) وذلك لحمل إسرائيل على الانسحاب.

وقبل التعرض الى فحوى القرار لا بدّ من التذكير بأن هناك العديد من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلاً عن قرارات القمم العربية والاسلامية ودول عدم الانحياز، التي طالبت إسرائيل بالانسحاب من الاراضي المحتلة، ولازالت هذه القرارات تملأ سلة مهملات الحكومة الإسرائيلية. فكيف سيكون القرار – لو صدر – مختلفاً عن سوابقه، لاسيما وان الفلسطينيين الجدد لم يطلبوا في مشروعهم إصدار القرار بموجب الفصل السابع من الميثاق لاعطائه صفة الإلزامية.

واذا انتقلنا الى المحتوى يتبين ان الفلسطينيين الجدد استمرأوا لعبة «الهمبكة» (حسب التعبير المصري ولم أجد تعبيراً أدق من ذلك). ففي عام 1988 قامت القيادة الفلسطينية بتحشيد هائل وحملة إعلامية كاسحة تبشر بانعقاد مؤتمر للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، لإعلان قيام «دولة فلسطين»، وهكذا صار، وانعقد المؤتمر وتعانق القادة حين اعلنت «دولةفلسطين» وبكى الجمهور، وتسارعت الاعترافات الدولية بالدولة الوليدة، ثم نكتشف ان كل تلك «الهمبكة» كانت لتمرير الاعتراف بالقرار الصادر عن مجلس الامن الدولي رقم 242 بتاريخ 22/11/1967، بعد ان ظلت منظمة التحرير منذ صدور ذلك القرار تتمسك بموقف لا يلين من انها ترفض ذاك القرار وانها غير معنيّة به.

وعلى غرار «همبكة» اعلان دولة فلسطين عام 1988، جاءت خطوة الفلسطينيين الجدد بالذهاب الى مجلس الأمن لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يطلب من إسرائيل الانسحاب من اراضي «دولة فلسطين» في فتره لا تتجاوز نهاية عام 2017. ولابدّ ان الفلسطينيين الجدد يدركون عقم هذه الخطوة، وانها محكومة بالفشل مسبقاً بسبب التعنت الأمريكي، الضامن الأكبر لمواصلة الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، إلاّ انها محاولة منهم لإعادة انتاج المفاوضات بدون اشتراط وقف الاستيطان، أو على نحو أدق، إعادة إنتاج مشروع كيري الذي فشل في تحقيق أي نتيجة في نهاية ابريل/نيسان 2014، مع وجبة تنازلات جديدة.
قد لا يتسع المجال لمناقشة مشروع القرار بالتفصيل، إلاّ أنه يمكن تسجيل بعض الملاحظات على بعض الفقرات الرئيسة فيه. بعد ثلاث عشرة فقرة تمهيدية (الحيثيات)، وليس مفهوماً لماذا هذا التحشيد اللامنطقي لمجموع القرارات الدولية، لاسيما القرار 181 (ربما تمهيداً للاعتراف بيهودية الدولة)، ينص المشروع في البند الأول منه على أن المجلس «يؤكد على الحاجة لتحقيق، في موعد لا يتجاوز 12 شهراً بعد اتخاذ هذا القرار، حلّ سلمي عادل ودائم وشامل، يضع نهاية للاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، ويحقق رؤية دولتين مستقلتين وديمقراطيتين ومزدهرتين، دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية ذات سياده ومتواصله جغرافياً وقابلة للحياة…». الفقره الاولى تبشرنا بأنه بمرور عام من إصدار القرار سوف يتم «تحقيق… حل سلمي وعادل» ويؤدي ذلك الى «وضع نهاية للاحتلال الإسرائيلي». وهذه الفقره تذكرنا باقتراح وزير الخارجية الامريكي، جون كيري، الذي بشرنا في صيف 2013 بأنه في نهاية تسعة أشهر سوف يتم حلّ كل القضايا العالقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وانتهت المهلة ولم يتم تحقيق اي شيء، سوى إضافة طبقة جديدة من المستوطنات. وقد قبل الفلسطينيون الجدد وعد كيري وتنازلوا عن الشرط الذي ظلوا يتمسكون به باستمرار منذ عام 2010 من انه «لا عودة للمفاوضات إلاّ بوقف الاستيطان». فهل اعتقد الفلسطينيون الجدد أن ما فشل به كيري، بكل ما يمثل ومن يمثل، يستطيعون تحقيقه عبر طرح الأمر على مجلس الأمن الذي هو رهينه بالفيتو الامريكي؟ أم ان ذلك اخراج جديد لمشروع فاشل؟ وقبل الانتقال إلى الفقرات التالية يجب التأكيد على أن مشروع القرار يؤكد على «تحقيق» الانسحاب والحل العادل، وبلا شك أن هذا التأكيد هو ذرٌ للرماد في العيون، إذ أنه من السذاجة الاعتقاد أن الانسحاب سوف «يتحقق» في نهاية 2017.

ولو واصلنا قراءة المشروع يتبين لنا أنه حيلة من الحيل التي يصطنعها الفلسطينيون الجدد لإعادة إنتاج مشروع كيري. فالوفود العربية، وعلى رأسها الأمين العام للجامعة العربية، هرعوا الى نيويورك لتغطية مشروع الفلسطينيين الجدد بعباءة عربية، على أمل ان تنطلي هذه «الهمبكة الجديدة»، ذلك ان مطلع مشروع القرار يتناقض مع البنود التي تليه.

فالفقرة الثانية من المشروع تقول «إن الحل عن طريق التفاوض سيتم على أساس المعايير التالية: «ان هذا يناقض ما ورد في الفقرة التي تقول إنه بعد اثني عشر شهراً سوف يتم «تحقيق» انسحاب إسرائيلي وانهاء للاحتلال، فعلى ماذا نتفاوض بعد تحقيق الانسحاب؟ ثم تنتقل الفقرة الى المعايير التي سوف تستند اليها المفاوضات، ومنها «الترتيبات الامنية» التي تحدث عنها كيري في مبادرته، وكان الخلاف على المدة الزمنية بين ما يطالب به الإسرائيليون وما يطالب به الفلسطينيون الجدد، وقد طرحوا في مشروعهم فتره تنتهي في آخر 2017، ثم يتعهد الفلسطينيون الجدد بضمان أمن إسرائيل «عن طريق منع ظهور الارهاب». فكيف سوف يضمنون عدم ظهور الارهاب، لاسيما ان الولايات المتحده بكل طاقاتها وخبراتها وبعد حرب دمويه ضد كل من افغانستان والعراق، تقاتل الآن ارهابيين ينتشرون من الصومال واليمن إلى «داعش» في شمال وشرق سوريا والعراق؟ وهل من نصّ يطلب فيه الفلسطينيون الجدد من إسرائيل ألا يقوم المستوطنون بخطف وحرق محمد حسين ابو خضير آخر؟ وكيف يستساغ أن يتحدث الفلسطينيون الجدد عن حماية إسرائيل عن طريق منع ظهور الإرهاب وكأنهم لم يشاهدوا الارهاب الإسرائيلي الذي تمارسه إسرائيل في كل المحارق التي ارتكبتها ضد فلسطينيي غزة، وآخرها محرقة تموز/يوليو 2014؟ ثم من الذي سوف يعرّف الارهاب المنوي محاربته، وما هي مواصفاته؟

إن هذه الفقره تعبّر عن أشد الأخطار التي يحاول الفلسطينيون الجدد تسويقها في متن مشروعهم، وهي لا تتحدث عما أصاب شعبهم من تشريد واقتلاع وذبح ومجازر، بل انخرط الفلسطينيون الجدد في صف الإسرائيليين – بقصد أو بلا قصد – حين يصفون شعبهم بأنه الخطر الأكبر على إسرائيل وليسوا هم الضحية التي مازالت تنزف لآخر سبعة عقود. إن هذا الانقلاب على وصف شعبهم والتنكر لحقوقه، هو تمسّح ذليل باعتاب الإسرائيليين والاوروبيين، وتأبى الكرامة الوطنية هذا الانزلاق الذي لا يعبّر عن الشعور الحقيقي للفلسطينيين.
والمعيار الآخر الذي يقترحه الفلسطينيون الجدد هو إيجاد «حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين» ويكون ذلك «على أساس … قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها القرار 194 (III).» أليس في هذا النص تفريط بحق العوده للاجئين؟ إن حق العودة تم تقنينه في القرار 194 وتمّ تأكيد هذا الحق لأكثر من مئة مرّة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة الى أن أصبح الان جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي العرفي، الذي يكون ملزماً لكافة الدول بدون حاجة الى استصدار تشريع وطني لانفاذه. أما ان تكون العودة «على أساس القرار 194» فهو إهدار لحق قانوني ثابت لأنه يجب تنفيذ القرار ذاته وليس التنفيذ «على أساس القرار.» فهل يتجرأ الفلسطينيون الجدد على التفريط بالحق الأسمى للفلسطينيين؟ وإن مارسوا هذا التفريط، فهل لديهم الصلاحية بذلك، ومن منحهم إياها؟!

أما القدس، فإنه وبعبث واستخفاف شديدين ورد النص على أن تكون «القدس عاصمة مشتركة للدولتين»، وعلى الفلسطينيين الجدد ان يشرحوا لشعبهم من أين جاءوا بهذا النص وقرارات المجالس الوطنية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وتصريحات وبيانات الرئاسة الفلسطينية المتكررة تؤكد ان «القدس الشريف» هي عاصمة دولة فلسطين. وعن أي قدس يتحدثون: هل يضم ذلك القدس الغربية والشرقية، أو أن القدس الغربية لهم والقدس الشرقية لنا ولهم؟ ولعلم السادة الفلسطينيين الجدد فإن القدس الشرقية، ومنذ احتلالها عام 1967، تعتبر «ارضاً محتلة»، وعلى ذلك جاء العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة وتوّج تلك القرارات الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر عام 2004. فإذا كانت أرضاً محتلة باتفاق العالم أجمع، فكيف يتم التنازل عن ذلك؟ ومن الذي يملك صلاحية التنازل؟

وآخر المعايير التي يقترحها الفلسطينيون الجدد في مشروعهم ان تتم «تسوية متفق عليها من القضايا العالقة الاخرى، بما في ذلك المياه». وقضية المياه ايها السادة الجدد ليست مجرد «قضية عالقة» إنها قضية حياة أو موت «فلسطين» التي تبحثون عنها. الإسرائيليون مازالوا يقومون «بسرقة» هذه الثروة الوطنية منذ احتلال 1967، وحرموا فلاحي فلسطين من الاستفاده منها الاّ النزر اليسير. وحين مارس الإسرائيليون سرقة نفط سيناء، قام الإسرائيليون بتعويض مصر عن سرقة ثروتهم الوطنية، بناء على الحاح السلطات المصرية، التي كانت تدرك حقوقها في ثروتها الوطنية. مياه فلسطين هي ثروتها الوطنية وليس النفط. ان قضية المياه هي الان في مستوى قضية القدس والمستوطنات، ذلك ان معدل استهلاك الفرد الفلسطيني من الماء بالكاد يصل الى ثلثي الكمية التي تشترطها منظمة الصحة العالمية، بينما يصل معدل استهلاك المستوطن الإسرائيلي الى حوالي اربعة اضعاف ما يستهلكه الفلسطيني، وهي مياه مسروقة في معظمها من المياه الفلسطينية. حتى ان حصة الفلسطيني من الماء المقررة في اتفاقية اوسلو الثانية لم يتم الوفاء بها من قبل الإسرائيليين. ومع ازدياد التعداد السكاني، على الفلسطينيين الجدد أن يدركوا أهمية المياه، وهي ثروة وطنية وحق من حقوق السيادة للشعب الفلسطيني بموجب القرارات الدولية. وعلى الفلسطينيين الجدد أن يعلموا أن أول أمر عسكري إسرائيلي بشأن مياه الضفة الغربية، صدر في 7/6/1967، أي قبل انتهاء معارك تلك الحرب، ما ينبئ بخطتهم لسرقة المياه الوطنية. وعلى الفلسطينيين الجدد أن يدركوا أن حاجة شعبهم الى الماء أكثر من حاجة إسرائيل الى الأمن، فالفلسطينيون لا مصدر آخر لهم من المياه الاّ مياههم الجوفية، بينما إسرائيل دولة نووية تنام في حضن امريكا ليلاً وتصحو صباحاً وهي في حضن اوروبا. ولا بدّ من إضافة ان جدار الفصل العنصري – الذي لم يتناوله مشروع الفلسطينيين الجدد – بني وحدد مساره لكي يضم في داخله أهم الاحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية.

أيها الساده… ايها الفلسطينيون الجدد، لقد خبرنا عبقريتكم في اتفاقيات اوسلو، التي هي أشدّ أذى من صك الانتداب ومن قرار التقسيم، وهي اتفاقيات، ولاسيما اعلان المبادئ واتفاقيتي اوسلو (1) و (2)، هي صناعة إسرائيلية بحتة، ومع ذلك لم تتمكن إسرائيل من الوفاء بشروط من وضعها هي. فكيف سوف تحققون الانسحاب والحل النهائي، عادلاً كان أم غير عادل؟!
أيها الفلسطينيون الجدد… توقفوا عن أن تكونوا المستشرقين الجدد، فهذه فلسطين وليست مزرعة في ضواحي أريحا!

٭ كاتب فلسطيني وأكاديمي( خبير في القانون الدولي )

- فلسطين: أحلام اليقظة التامّة

مجد كيال*
تعرقلت الطوباويّة في كل يومٍ تواصلت فيه ثورات الوطن العربيّ. على نتوء العمل السياسي تكسّرت معطيات المطلق. وكانت القضيّة الفلسطينيّة معطى آخر يتدلّى من سموّ الرمزيّة إلى طبوغرافيا العمل: منحدرات إذلال وقمع تحت راية مقاومة إسرائيل، ومرتفعات أظهرت القضيّة الفلسطينية كجزء لا ينفصل عن وجدان الشعوب وتوقها للحريّة. أثّرت فلسطين على تعرّجات الثورات العربيّة وتأثرت منها، وتجادلت مع أسئلة الديمقراطيّة على المستوى الفكريّ. وعلى المستوى المادي، حمل الموقف من فلسطين قيمة استراتيجيّة بميزان التحالفات الإقليميّة واتّجار التكتّلات الدوليّة بالثورات بيعاً وشراءً.

إلى حدٍ بعيد ظهر الوطن العربيّ ككتلةٍ واحدة تحت عاصفة من تحرّك المجتمعات للإخلال بالركود السياسيّ القائم. وقد بدت فلسطين على هذه الخارطة ككتلة أخرى، صغيرة وبعيدة، انفصلت فجأة عن أصلها. في الخطاب العربيّ ابتعدت فلسطين، لم تُنسَ ولم تٌغيّب، لكنها أصبحت ضميراً غائباً يُحال إليه في النقاش، توضع جانباً أو تُنصّب في قمّة الأولويّات.. لكنها لم تظهر كجزء عضويّ في الحفلة الصاخبة التي تعمّ الوطن العربيّ. هل تعكس هذه الصورة حقيقة الوضع؟ هل هناك اختلاف حقيقي بين ما حدث ويحدث في فلسطين مقابل ما حدث ويحدث في الأقطار العربيّة في الفترة ذاتها؟ فلنتفحص تشابك الاجتماعي بالسياسي لرؤية التشابه بين الحالتين، من هذه الزاوية تحديداً.

الدولة بين الوطن والنظام

أصل تخيّل فلسطين على أنها بعيدة عن العمليات الجارية في الوطن العربيّ، يكمن في وجهة نظر تقول باختلاف جذري بين النضال ضد إسرائيل والنضال ضد الأنظمة العربيّة، إذ تَعتبر الأوّل صراعاً وجودياً مع الاستعمار بينما الآخر صراعاً مدنياً ضد أنظمة قمعيّة. الأوّل صراع ضدّ وجود الدولة، والثاني صراع ضد نظام غير متفَقٍ عليه لدولة متفق عليها. هذا التمييز بين الحالتين يستند إلى تحليل يرى إمكانيّة فصل النظام عن الدولة، فيصبح مفهوم الدولة أكثر قرباً إلى مفهوم الوطن، كحافظة للسلم الأهلي والتوازن الاجتماعي بغض النظر عن نظام إدارتها، وهو تحليل جذره في التوق العربيّ للدولة في مرحلة مقاومة الاستعمار الأوروبي للوطن العربي، بغض النظر عن نظامها. من جهةٍ أخرى، هناك رأي آخر يكمن في اعتبار الدولة في بلداننا منتوج نظامها أو حصيلة ممارساته، أي أن الدولة إسم فعلٍ للنظام، بالتالي فهي أقرب إليه لا للوطن، وانهيارهما هو انهيار واحد بينما تبقى الأرض ويبقى الناس مكانهم في وطنهم. بل أنه في فلسطين، فانهيار النظام والدولة شرط لبقاء الناس والأرض.

خطوط التشابه كثيرة بين فلسطين وبين الظروف الاجتماعيّة للشعوب العربيّة عشيّة ثوراتها. في فلسطين، وصل القهر الى ذروته بينما منظومة العمل السياسي التقليديّة المعارضة للاستعمار الصهيوني راكدة ساكنة، وهي مشغولة بذاتها إذ تتعرّض فعلاً للملاحقة، فيتحوّل حفاظها على نفسها إلى هدفٍ بحدّ ذاته، وتضطّر بذلك في أحيانٍ كثيرة إلى خفض سقف عنفها في مواجهة النظام الاستعماري. وتحضر طبقة وسطى غير ضيّقة، والأهم، أن رقعة التواصل المعرفي عبر التوفّر التكنولوجي آخذة بالتوسّع لتتعدّى حدود الطبقة الوسطى، وتتغلّب على العائق الماديّ في الوصول لمصادر المعرفة، فتدفع بشرائح اجتماعيّة دون الوسطى للانخراط بالحراك السياسي الذي يستبدل المنظومة الحزبيّة التقليديّة المعارضة: لا يعاديها ولا ينفيها، لكنّه يعمل بموازاتها، وأحياناً تنضم إليه وينضم إليها، لا يلفظ العاملين فيها، لكنّه لا يقبل الخضوع لشروطها. في فلسطين أيضاً أنتجت الظروف الموضوعيّة، وعلى رأسها اتساع مصادر المعرفة لتتجاوز الحواجز الماديّة، شريحة طلائعيّة جديدة هي شريحة الشباب التي استبدلت عناوين أخرى للشرائح الطلائعيّة كالطلبة الجامعيين مثلاً. وهذا معطى أساسي لا يمكن تجاهله في الوطن العربي.

سلطة اللاسلطويّ وموت البطل الذي لا يموت

في فلسطين أيضاً مات البطل. لا قائد للثورة ولا أب روحيّا. هذه مرحلة ثوريّة مهما اختلفت أدوات تخليدها، فلن يكون “البورتريه” واحداً من هذه الأدوات. ومثلما في الأقطار العربيّة، يتحوّل البطل الأب في معظم الأحيان إلى أداةٍ للثورة المضادّة تُستخدم لتأبيد مرحلة تاريخيّة تصممت فيها البنية السياسيّة القائمة التي تسعى الثورة المضادة لإعادة تثبيتها مقابل ما يُراد وصفه بـ “الفوضى” التي يَدفع بها شباب “لا يعرف ما يريد، لا يحدد مطالبه، ولا يقترح تصوراً أو نظاماً بديلاً، بل يطالب بإسقاط النظام فحسب”. وهذا التوصيف الأخير الذي يُطرح من قبل ممثلي البنية القائمة (ليس دائماً، فهو أحياناً يُطرح بطيب نيّة)، يحيلنا إلى تشابه آخر بين النزعة اللاسلطويّة واللامركزيّة للحركات الشبابيّة في فلسطين والوطن العربيّ، نزعة لا يُفصح عنها المناضلون (أو لا يتنبّهون إليها) ومن ثم يتفاجأون بأنهم لا يحرزون سيطرة على السلطة.
جندرياً، تتشابه الحركة الاجتماعيّة - السياسيّة في فلسطين مع الأقطار العربيّة في تغيير على السطح بما يتعلّق بمشاركة المرأة في صناعة الحدث السياسي. التغيير على السطح - في صورة جذّابة لامرأة مسنّة تقذف الحجارة أو طالبة جامعيّة تصفع جندياً، بينما لا زال الرجال هم العصب المركزيّ ليس فقط في المنظومة السياسية التقليديّة بل أيضاً في صناعة السياسة الجديدة، من حركات شبابيّة وتنظيمات لا مركزية. كما لا تزال الخشية قائمة عند الثوريين من نفض الغطاء الذكوريّ عن المجتمع خوفاً من ضرب المد الجماهيري في الأحياء الشعبيّة والقرى، ومهادنةً للحركات الإسلاميّة التي تضرب جذورها في العمق الاجتماعي. وفي فلسطين كما في الوطن العربيّ، تتم محاربة الإسلام السياسي ويلفظه اليسار من المشاركة السياسية، بينما يهادن ذلك اليسار ذاته الاسقاطات الذكوريّة لهذه الحركة السياسيّة على المجتمع، رغم أن العكس هو الأوجب.

الثورة العربيّة الكبرى... والمضادّة

ومن جهة الثورة المضادّة أيضاً، تحمل اللحظة التاريخيّة الحاليّة الكثير من التشابهات الاجتماعيّة - السياسيّة التي تنسجم مع كل ما يحصل في الوطن العربيّ.. حتى وإن كان التعبير عينياً لا يلائم ويطابق الحالة الفلسطينيّة، إلا أن محاولة القوى الرجعيّة تقويض النضال وفرض شروطها وسلطتها وسطوتها على المجتمع، (ضدّ ما يحاول الأخير نسجه من تغيير سياسيّ) تتشابه إلى حدٍ بعيدٍ مع الثورات المضادّة في الوطن العربيّ. والثورة المضادّة قلّما تعرض نفسها مضادةً، فهي غالباً ما تلبس الزيّ نفسه، تتحدث بلغة الثورة، ترفع شعاراتها وتنقضّ عليها في الوقت ذاته.

إن المطروح ها هنا بدايةً حول ارتباط الدولة بالنظام، يحضر في الحالة الفلسطينيّة بقوّة إذ تلبس الثورة المضادّة للثورة الفلسطينيّة على الاستعمارّ، زيّ وقناع “الدولة الفلسطينيّة في حدود 1967”. أي أنها تستبدل الثورة لإسقاط النظام العنصري الاستعماري الصهيوني كاملاً بندائها لتحصيل وإدارة وقيام الدولة بشروطٍ لا علاقة لها لا بالحقّ ولا بالعدالة ولا بالأخلاق. سلطة تتعاون وتنسّق مع الاستعمار (النظام الذي تقوم الثورة ضده) وتخدم مصالحه. الثورة المضادّة في فلسطين كما في الوطن العربي تهدف لإعادة انتاج وضع سياسي يحفظ “توازناً” مجحفاً وقمعياً تطعن به الثورة وتخرج عليه. السلطة الوطنية الفلسطينيّة قائمة على حاجة الاستعمار لا على نفيه، على اتفاق مع الاستعمار لا على صراع معه، ترفع شعار الحفاظ على احتماليّات نيل الاستقلال والدولة الفلسطينيّة كبديل للنضال ضد نظام عنصريّ يرى بدولة إسرائيل ونظامها واحداً لا ينفصل، فيتخلص من كلاهما إصلاحاً للغبن التاريخيّ.

تماماً كما تقنّعت كل الثورات المضادّة بالحفاظ على الدولة (كأنه معادل الحفاظ على الوطن)، تحاول دولة أوسلو أن تتسوّل دولة بدلاً من أن تخرج على غبنٍ تاريخيّ حتى تسقطه، وتناطح وتصرع النظام الصهيوني الذي هو مُسمى لصنف من أصناف الأنظمة الفاشيّة، كما هي النازيّة اسم لفاشيّة ما، كما كانت الفاشية الاسبانيّة أو فاشية أميركا اللاتينية...

سلطة أوسلو هي الحركة الموازية للثورة المضادّة في الوطن العربيّ. ومثلما في مصر تعيّش على أمجاد العسكر الماضية، في فلسطين تعيّش على أمجاد فتح الماضية. ومثلما يُستغل تقدير الناس لعبد الناصر من أجل تخليد دولة العسكر، يُستغل تقدير الناس لعرفات لتخليد موقف أوسلو.

ضرورة التشابه

إن توصيف هذه التشابهات لا يأتي فقط من باب مقاربة الحالة الاجتماعيّة في فلسطين. لكنّه ضروريّ لتبيان طبيعة الاعتقاد الشائع بأن نزع فلسطين وإبعادها عن الحالة العامّة العاصفة في الوطن العربيّ صون لها، بينما هو انتصار لمشروع (سيُخفق!) بفصل فلسطين عن محيطها، وتمكين الوجود الصهيوني من خلال خطف الواقع الفلسطيني من مجاله العربيّ الطبيعيّ وخنقه. هل كانت فلسطين بعيدة عما عمّ ويعمّ الوطن العربي؟ بالمسميات فقط، لكن نقاط التشابه كثيرة بالواقع، من حيث الملامح الاجتماعيّة للحركة السياسيّة ووسائل النظام القمعي، حتى وإن كانت الثورة في فلسطين ضد الصهيونيّة تتقلّب تحت رماد، تخبو وتشتعل بوتيرة محكومة بقدرة المجتمع على الصمود.

قبل سنة تقريباً، خرج الشباب الفلسطيني في الداخل ضد مخطط “برافر” لتهجير أهالي النقب. كان العشرات من الشابّات والشبّان يتظاهرون قُبيل مظاهرات “يوم الغضب”، وكان جزء من العاملين في الأحزاب السياسيّة التقليديّة يسخرون من هتافات الشباب التي وصفت “يوم الغضب” بالثورة ودعت الشباب “ثواراً”. كانوا يتحدّثون عن ثورةٍ حقيقيّة ساخرين من جيلٍ “لا يفهم بالثورة الحقيقيّة”. وهم من المؤكّد يعتبرون بأن ما يحدث في فلسطين لا علاقة له بالثورات، بل أن جزءاً كبيراً لا يعتبر ما حدث في الوطن العربيّ ثورة، وإنما هو جزء من مؤامرة كونيّة. أما شرائح واسعة من الشباب الفلسطيني فتؤمن بأن الثورات العربيّة، حتى وإن تعثّرت أو قُتلت، لا بد أن تنفض الرماد، لو توفر شرط واحد وبقي حياً: سعينا لتحقيق أحلام اليقظة التامّة، الخيال العقلانيّ، ورفض أي فهمٍ للتغيير السياسيّ من دون تغيير في بنية المجتمع. السياسة الرجعيّة هي السياسة الممنوعة عن المجتمع. هي سياسة الدبلوماسيين والخبراء والربح والخسارة، بينما نحن نبحث عن سياسة تنطق بالحق.. بالعدالة.

* كاتب فلسطيني من حيفا

- أربعون سنة من الحروب الأهلية ...

أين اليسار؟
د. خالد حدادة
لم يخطر في ذهني ونحن في وداع سنة 2014، إلاّ أننا على أبواب الذكرى الأربعين للحرب الأهلية السابقة. والسابقة لأن الحقيقة أننا نشهد اليوم حروباً أهلية أصغر، قد تبدو ارتدادات للهزة الكبرى التي استمرت من عام 1975 حتى 1991 واتفاق الطائف ضمناً.

إنها ارتدادت جعلتنا نعيش حرباً أهلية مستدامة. ارتداداتها متسارعة ومتقاربة إلى حد التواصل. نتائجها ما زالت بادية في الإنقسام الطائفي والمذهبي المتزايد. واتجاه هذه المكونات الطائفية إلى مزيد من التقوقع والانعزال، الذي تختبئ وراءه قوى البرجوازية اللبنانية، المستفيدة بوحدة آليات استثمارها للبلد، والمتقاسمة للنفوذ والمتحاصصة للاقتصاد مباشرة، وبالواسطة عبر السلطة السياسية.

ارتدادات جعلتنا نعيش الزمن الذي لا يستطيع فيه وزراء في الحكومة إلاّ كشف المزيد من “جبل الفساد”، الذي يتعدى فساد الغذاء ومظاهر الفساد الأصغر، ليطال القضايا الهامة في البلد. فالفساد محى معالم بيروت وآثارها، والفساد أهدر مليارات الدولارات على كهرباء مفترضة وعلى مطار أصبح “زريبة” كما قال وزيران وليس قوى معارضة، وعلى طرقات تقفل مع أولى قطرات المطر....

فساد، يطال لقمة عيش المواطن وحقوقه، فيلتهم غول التحاصص، حقوق المعلم والمواطن والمتقاعد والجندي، ذاك الجندي الذي يستشهد دفاعاً عن وطن يتآمر عليه حكامه وعن جندي أسير، يقبع في كهوف الإرهاب بإنتظار مفاوضات “غير مطابقة للمواصفات” على حد التعبير السائد.
فساد لا يطال الغذاء والماء والزراعة فقط، بل كل البيئة معرضة للدمار في غياب القوانين وبوجود غيلان الفساد على مسيرة الحكم. فرائحة النفايات تزكم أنوف منطقة كاملة، لا ترى الحكومة حلاً إلاّ بتعميم المرض والضرر ومحاولة نقل المرض إلى منطقة أخرى.

فساد يطال الهواء، عبر معامل للأسمنت وسواها من شكا إلى سبلين، لا أحد يجرؤ على اختبار كونها “مطابقة للمواصفات” أم لا، لأنها مملوكة من أولي الأمر والنهي والحكم، بل أكثر من ذلك هي مرشحة للتكاثر والتوالد واستكمال دائرة التحاصص لتنتشر في هواء زحلة والبقاع.

أفسدوا العمل النقابي، وحتى المجتمع المدني لم يسلم من فسادهم، تتحاصصه نساؤهم جمعيات، تلتهم ما كان يمكن أن تقدمه الدولة للعمل الأهلي والاجتماعي.

والإرتدادات أيضاً ما زالت موجودة في آلام أهالي المفقودين. في آلام الجرحى. في ذكريات من هاجر من البلد للتفتيش عن العيش الكريم.

حتى الحس الوطني لم يسلم من فسادهم، فأصبح الإرتهان للخارج، أي خارج قضية عابرة يدافع عنها أصحابها ويجعلونها وجهة نظر. فلا يستحي المسؤول من مراقبة حركة الموفدين الدوليين، علّ في حركتهم بركة تنتج رئيساً للجمهورية واستقراراً للبلد... بما في ذلك الموقف من التهديدات المباشرة للعدو الإسرائيلي أو للإرهاب الرابض على حدودنا الشرقية، أصبح الموقف منها سلعة قابلة للإستعمال في الصراع السياسي الخارجي.

وينتهي العام، بالحوار. حوار تحت يافطة التخفيف من الشحن المذهبي. ولعلهم يتكلون على ذاكرة ضعيفة للمواطن. بل بالحقيقة ذاكرة حولوها بفعل الإعلام والتربية والشحن إلى ذاكرة مذهبية، وليست ضعيفة. ألا يتذكرون أن حروبهم المعروفة، جرت وأطراف الحوار مع رعاتها كانوا سوية في حكومة واحدة؟

طبعاً هذا لا يعني أننا ضد الحوار، ولكن ضد الرهان عليه. فما هو في البلد أخطر بكثير من أن يحل تحت شعار مذهبي يستهدف التهدئة بين المذاهب، وبذلك تفريق لها، بقدر ما هي يافطة تدعو لتقاربها.
والأساس، أن هذا النوع من الحوار وهؤلاء المتحاورين غير قادرين على ملامسة القضايا الأساسية للمواطن وللوطن، وبالتالي غير قادرين ولا هم مؤهلين في طبيعة قواهم على أن يطالوا المركز الرئيسي الذي يهدد كياننا ويعمم الفساد كسياسة ثابتة.

ولا نعني أيضاً في هذا العرض أننا لا نقدر بعض ما يجري على مستوى مكافحة الفساد. إن مبادرة بعض الوزراء، كل في ميدانه وهي مبادرة جيدة على مستوى الحد من المستويات الدنيا من الفساد. ولكن نسأل هؤلاء المبادرين بالذات. هل أنتم قادرون على مواجهة من أنتج هذا الفساد؟ وبرأينا أن نظام التحاصص والزبائية الطائفية، هو الذي أفسد الدولة ومؤسساتها وأخضعها لمصلحة تحالف البرجوازية مع الزعامات السياسية للطوائف.

إن هذا النظام الذي مذهَبَ الوعي السياسي وأفسد الأمن وطيَّفه وأفسد القضاء وتقاسم الاقتصاد والأرض والعقارات، دمر بالنتيجة الدولة، دولته وهو على طريق أن يدمر الكيان، الكيان الهش والضعيف في وقت تهتز فيه منطقتنا، تحت سندان الأنظمة والمشروع الأميركي ـ الإسرائيلي.

إنها ظروف تتراكم إما لإنتاج حرب أهلية جديدة، أو لهريان بطيئ يطيح بالكيان، بعد أن أطاح بالدولة ومؤسساتها.

في هذه الظروف، أتى رحيل صاعق لأحد كادرات المقاومة والحزب، حسن إسماعيل، وتقاطع هذا الرحيل مع ذكرى شهداء أعزاء من حزبنا، الشهيد جلال وشهداء الغارة الصهيونية على مركز الرميلة، الدكتور حكمت وأبو جمال وأبو ديب ورفاقهم....

مع هذه الذكريات والأحداث والظروف التي يمر بها وطننا. كان لا بد من وقفة، من صرخة نطلقها ليس في وجه الآخر فقط، بل في وجهنا...

إن الطوائف وأحزابها عاجزة عن حماية الوطن، عاجزة عن تأمين السيادة الوطنية....
الطوائف والمذاهب ونظامها، لا يمكنها تأمين ظروف السلم الأهلي والحياة الديمقراطية فمجالها الحروب الأهلية، صغيرها وكبيرها، واتفاقها تحاصص على حساب فقراء الشعب، عماله، معلميه، موظفيه وجنوده ومتقاعديه... على حساب عمله النقابي والحريات الإعلامية والسياسية، على حساب نسائه وشبابه وشيوخه...

على حساب الوعي الوطني، والثقافة الوطنية. وعلى حساب دور فاعل لوطننا في العالم العربي...
إنها الضرورة لحالة وطنية ديمقراطية، تصوغ برنامجاً للتغيير الديمقراطي، إنها الضرورة الممكنة لبناء يسار جديد يشكل نواة وأساس هذه الحالة.

إنها الحاجة لحزب شيوعي قادر وفاعل وديمقراطي يشكل ركناً مكوناً لهذه الحالة.

حزب شيوعي قاوم، ويسار قاوم وهو مستعد كل يوم لمقاومة أي تحد خارجي على بلدنا وعالمنا العربي، المقاومة بكل الإمكانيات من أجل فلسطين وتحرير ثرواتنا في وجه التآمر الخارجي...

حزب قاوم ويسار قاوم، وهو مستعد لمقاومة الفكر الظلامي والإرهابي بكل أشكاله.

حزب ويسار حملا همَّ المواطن، وناضلا من أجل عيشه الكريم وصحته وتعليمه وحريته وحقوقه الاجتماعية والسياسية وهما مستعدان لذلك.. حزب ويسار دافعا عن الديمقراطية والتغيير الديمقراطي للنظام السائد، وهما مستعدان للإستمرار في هذه السياسة...

إنه حزب ويسار مستقلان، وليس محايدان، مستقلان بتمثيلهما الاجتماعي والسياسي، حاسمان بإنتمائهما لقضايا الوطن والشعب...

هذا هو الجوهر السياسي، للمبادرة التي أطلقها الحزب، لعودة الشيوعيين إلى حزبهم وإلى المساهمة في بناء اليسار الجديد.

ليست ردة فعل على حدث أليم، وليست حاجة تنظيمية يمكن تخطيها، إنها الضرورة الوطنية للتغيير وللسلم الأهلي، التي فرضت هذه المبادرة بمعاييرها السياسية أولاً... إنها فريضة التاريخ والدور والمستقبل على الشيوعيين واليساريين..

لنعمل معاً من أجل بناء هذا اليسار الجديد...

* أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني

- ماذا سيفعل الرئيس عباس الآن بعد ان سقط مشروعه في مجلس الامن بشكل مهين.. هل سيجمد التنسيق الامني مثلما توعد وهدد؟ ام سيكتفي بمسرحية توقيع طلبات الانضمام للمنظمات الدولية؟ وهل نلوم الشعب “الصامت” ام حركات المقاومة حماس والجهاد؟

عبد الباري عطوان
نعترف، وعلى رؤوس الاشهاد، ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اكثر فهما ومعرفة بالشعب الفلسطيني منا جميعا، مثلما يعرف ان الطريقة الامثل للتعاطي معه، اي الشعب، هي “ادارة القطيع″، يضرب اغنامه بعصاه فتهرول في الاتجاه الذي يريد، وشعارها السمع والطاعة.
نقول هذا الكلام ونحن في ذروة اليأس والألم، وبعد ان تابعنا مهزلة التصويت في مجلس الامن الدولي على مشروع القرار الفلسطيني بوضع سقف زمني للانسحاب الاسرائيلي الى حدود عام 1967 وفشله المهين والمذل.
الرئيس عباس ورهطه لم يذهب الى مجلس الامن من اجل استصدار مثل هذا القرار، او احراج الولايات المتحدة الامريكية بدفعها لاستخدام حق النقض “الفيتو”، وانما لمحاولة امتصاص غضبة الشارع الفلسطيني بعد اقتحامات المسجد الاقصى والعدوان على قطاع غزة واخيرا استشهاد الوزير السابق زياد ابو عين، ولاشغاله بوهم وسراب جديد، على غرار حركات بهلوانية دبلوماسية سابقة ليس هناك اي داع لتكرارها.
قبل عام فعل الرئيس عباس الشيء نفسه عندما ذهب الى مجلس الامن وسط طبل وزمر وحشد اعلامي، للحصول على قرار بالاعتراف بعضوية دولة فلسطين في المنظمة الدولية، وتحدي الولايات المتحدة، وبعد ان تأكد ان القرار لن يحصل على الاصوات التسعة التي يحتاجها، وبما يعفي الولايات المتحدة من عناء استخدام “الفيتو” عرض القرار على التصويت وكانت النتيجة معروفة اي السقوط المريع.

الرئيس عباس، هدد وارعد وازبد، بأنه سيوقف التنسيق الامني اذا لم يمر مشروع قراره بانهاء الاحتلال في مجلس الامن، وجادل المطالبين بوقف هذا التنسيق بأن اي خطوة في هذا الصدد ستؤثر سلبا على مشروع القرار الاممي ومن الافضل تأجيل اي خطوة قد تعطي نتائج سلبية.

اليوم ووسط مسرحية هزلية، شاهدنا الرئيس عباس يوقع على طلبات الانضمام الى عشرين منظمة دولية من بينها محكمة الجنايات امام عدسات تلفزيون فلسطين التابع للسلطة، كرد على فشل خطوته في مجلس الامن، والتوقيع على الطلبات “مناورة” مثل كل المناورات السابقة، ولا يعني الانضمام الفوري، لان امريكا التي قال عباس انه لا يريد احراجها في كلمته التي القاها اليوم عارضت خطوته هذه بشده ولان الطلبات قد تظل في الادراج لاسابيع او حتى سنوات، دون ان تقدم للمنظمات المعنية، واذا جرى تقديمها فعلا فإن طلب ملاحقة الاسرائيليين مجرمي الحرب قد يتأخر ربما لعقود، اذا بقي السيد عباس على قيد الحياة.

نتحدث عن الاستبداد والتفرد في الرأي في الكثير من الدول العربية، وننسى ان الشعب الفلسطيني يعيش ابشع فصول الاستبداد، واكثرها قمعا، ونحن لا نتحدث هنا عن القمع الجسماني، وانما ايضا عن القمع السياسي، فالرئيس عباس يقرر كما شاء، ويقدم التنازلات التي تريدها امريكا واسرائيل، ويعدل مشروع قرار مجلس الامن تجاوبا مع املاءاتهما دون ان يستشير احدا، حتى اعضاء لجنته المركزية، او الاخرى التنفيذية، والفصائل الاخرى المتحالفة معه.

التصويت في الامم المتحدة اكد فشل الرئيس محمود عباس وسلطته ودبلوماسيته وسفاراته (80 سفارة في العالم) والجيش الجرار من “السفراء” و”الدبلوماسيين”، فهل يعقل ان دولا وقفت تاريخيا مع الشعب الفلسطيني مثل رواندا ونيجيريا تمتنع عن التصويت على قرار لا يطالب بشن حرب على اسرائيل، ولا فرض عقوبات عليها، وانما تحديد سقف زمني لاحتلالها؟ وهل من المنطقي ان نخسر دولة عظمى مثل الهند التي وقفت دائما مع قضايانا وتحولت الى صديق حميم لاسرائيل؟ ومن المسؤول.

سيقولون لنا “متباهين” ان فرنسا الدولة دائمة العضوية في مجلس الامن صوتت لصالح القرار، ونقول لهم هذا صحيح، ولكن بعد ان ضمنت ان هناك سبع دول من اصل تسعة ستؤيده فقط، وانه ساقط حتما، ولذلك قررت ان تؤيده وهي مطمئنة، وفي تنسيق واضح مع الولايات المتحدة واسرائيل.

لعل سقوط مشروع القرار الذي تقدم به الرئيس عباس الى مجلس الامن خير، ورب ضارة نافعة، لانه يتناقض كليا مع الثوابت الفلسطينية، ويتنازل عن السيادة الحقيقية على القدس الشرقية والغربية معا، ولا يذكرها، خاصة الاولى بالاسم، ويؤكد بعد التعديلات التي اجريت عليه، ونزعت منه كل الكرامة الوطنية، مثل القول بأن القدس عاصمة للدولتين في اطار اتفاق يتم التوصل اليه بين الجانبين، والشيء نفسه تردد في البند المتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.

لا نوجه اللوم لوصول القضية الفلسطينية الى هذه الحالة المزرية من التهميش الدولي الى الشعب الفلسطيني فقط الذي صدق وعود وتهديدات الرئيس عباس المضللة والفارغة، ولم يتحرك مطلقا الا في حدود دنيا لاسماع صوته الاحتجاجي، وانما الى اللجنة المركزية لحركة “فتح” وتنظيم “فتح” نفسه الذي صمت ويصمت ايضا، مثلما نوجه اللوم ايضا الى الفصائل الفلسطينية وامنائها العامين، ونخص بذلك حركتي “حماس″ و”الجهاد الاسلامي”، اللتين هادنتا الرئيس عباس طوال السنوات الماضية، وهو السلوك الذي ادى الى تماديه في التفرد في القرار وتقديم التنازل تلو الآخر.

ما يحز في القلب ان هذا الفشل الفلسطيني يتزامن مع الذكرى الخمسين لانطلاق رصاصة حركة التحرير الوطني الفلسطيني لحركة “فتح” التي يتزعمها الرئيس عباس.

المطالبة بالتحرر من عبودية الراتب باتت اولوية للشعب الفلسطيني، واكثر الحاحا، من تحرير فلسطين، ويبدو ان هذا الشعب يحتاج الى “منظمة تحرير” جديدة وجدية في اسرع وقت ممكن، ورحم الله الشهيد ياسر عرفات وكل شهداء الشعب الفلسطيني.

- كنعان النشرة الإلكترونية

Kana’an – The e-Bulletin
السنة الرابعة عشر ◘ العدد 3709
31 كانون الأول (ديسمبر) 2014

■ هذا رقص وليس حجلان، محمود فنون
■ حتى يتوحّشوا فلا يُقاومون، ثريا عاصي

هذا رقص وليس حجلان
محمود فنون

حماس تتغير كل يوم
قيادي في حماس يكشف عن عمق المتغيرات التي لحقت بمواقف حماس من إسرائيل والتي أصبحت تتطلب تغيير ميثاقها الأساسي واستطرادا موقفها الثقافي ورؤيتها لإسرائيل ، وبما يحقق تحسين صورتها أمام العدو الإستعماري الغربي “هذا الرقص الحمساوي هو استمرار للرقصات التي سبق واداها كل من مشعل وهنية مكللة بالإعتراف المجاني بدولة إسرائيل استجابة لطلب العرابين واستعدادهم كقيادة لحماس بقبول اقامة دولة فلسطينية” ولننتظر لنر ما سيفعله المجتمع الدولي " كما قال مشعل في مظهر التحدي
واليوم يأتي هذا اليوسف ليعلن التخلي عن معاداة السامية وبالتالي حكما قبول الفكر الغربي بخصوص اليهود
انه يطلب لا مراجعة السياسات بل مراجعة الميثاق الذي يشكل الدستور الأساسي لحماس “على حماس ان تكون مستعدة لاعادة النظر في ميثاقها الذي مر عليه سبعة وعشرون عاما، خاصة في بنوده المتعلقة بمعاداة السامية.”( تقادم بعد سبعة وعشرين سنة )

وهذه نتيجة منطقية فمن يعترف بإسرائيل عليه ان يعيد صياغة ميثاقه
أليس هذا ما فعله عرفات حين أعلن في الأمم المتحدة في سويسرا بأن الميثاق الوطني الفلسطيني قد تقادم (كادوك)؟
ثم بعدها اعلن إلغاء الميثاق في اجتماع المجلس الوطني .
ولكن عرفات حصل على حكم ذاتي ، فهل تحكم حماس بالقطاع هو الثمن للتخلي عن باقي فلسطين والإعتراف بإسرائيل ؟
من المعلوم ان الإعتراف بإسرائيل هو تأيد لوعد بلفور ولصك الإنتداب على فلسطين وهو إعتراف بحقهم في الإستيطان وقضم وتهويد مزيد من الأراضي واستجلاب المستوطنين ...وحماية كل هذا بالقوة العسكرية فمن بعترف بعهم إنما يؤيد دفاعهم عن ما تملكوه ويؤيد قمعهم للمناضلين .
أليس هذا ما فعلته سلطة المنظمة من قبل ؟
أليست هذه نفس الطريق ؟
إن الهدف من نضال حماس الآن هو تحسين صورتها في الغرب وليس تحرير فلسطين كما كان في السابق.
وتكون فلسطين هي الخاسر ونفر من قيادات حماس هم الكاسبون الرابحون وهم مدعومون بتأييد مريدين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم وغارقون في فساد اللاء والعطايا الصغيرة ثمنا لفلسطين . كان هذا حال مريدي فتح وأنصارها حيث رقصوا وعبروا عن تأييدهم لكل ما فعلته القيادة بينما كانت تتخلى عن الوطن وهم يشعرون أو لا يشعرون .
إن الشعب مطالب بكنس هذا العفن من أوله وحتى آخره . عفن القيادات المفرطة والتي تكذب على الناس بصدورها العريضة وهي في خدمة الأعداء .
إن قيادة حماس قد تجاوزت مرحلة الحجلان إنها ترقص وعلى موسيقى غربية يؤديها لها عرابون لا تظهر وجوههم.
امد/ غزة: اعرب القيادي في حركة حماس د.أحمد يوسف عن دعمه لاجراء مفاوضات مباشرة ليس مع اسرائيل فحسب وانما مع الدول الغربية ايضا، وذلك بهدف تغيير صورة حماس السلبية لدى البعض في اوروبا وأمريكا.
وقال يوسف لصحيفة “الإنديبندنت” البريطانية، انه يجب على حماس ان تكون مستعدة لاعادة النظر في مياقها الذي مر عليه سبعة وعشرون عاما، خاصة في بنوده المتعلقة بمعاداة السامية.( 31/12/2014 )

- حتى يتوحّشوا فلا يُقاومون
ثريا عاصي

لعلّ أحدا لا يشك بأن مجلس التعاون الخليجي وحكومة أردوغان، بالإضافة طبعا إلى الولايات المتحدة الأميركية والقوتين الإستعماريتين، قديما، فرنسا وإنكلترا، تؤدي جميعها أدوارا ملحوظة في الحروب التي تتعرض لها في الراهن، سوريا والعراق ومصر وتونس واليمن . أخشى ما يخشى أن تصل نارها إلى الجزائر . ما صبغ هذه الحروب التي سميت إعتباطا «الثورات» بالعدوانية والوحشية العنصرية .
من نافل القول أن قطاعات من المجتمعات في البلاد المشار إليها، ترفض العيش في ظل سلطة غير وطنية . ربما يكون هذا الرفض عاملا أساسيا في الأزمات التي تعتمل في صميم هذه المجتمعات . هنا لا بد من الإتفاق على تعريف السلطة الوطنية التي تفترض بداهة وجود وطن . ولكني لست الآن، بصدد البحث في هذه المسألة . ما أود قوله هو أن الناس في سوريا لن يتقبلوا، بأكثريتهم تسلّط مجلس التعاون الخليجي عليهم، لأنه ليس معروفا أن أعضاء هذا المجلس وطنيون حتى في الإمارات والمشيخات والمملكات الواقعة تحت سلطانهم، حيث أن الدلائل التي بين أيدينا تثبت جميعها أن مفهوم الوطن والجماعة الوطنية ما تزال بدائية، هلامية، في بلاد يحكمها أمراء وأبناؤهم من بعدهم، وتحتل القواعد العسكرية الأميركية مساحات واسعة من أراضيها .
من البديهي أيضا أن العنجهية التي يظهرها رئيس تركيا «السلطان» أردوغان، تذكر بالماضي العثماني . بالتالي فإن السوريين لا يرغبون بالعودة إلى التبعية العثمانية .
مجمل القول، أن سلطة جماعة الخليج غير مقبولة، لأنها غير وطنية بإمتياز . بمعنى أن أمراء الخليج يمارسون السلطة لحساب المستعمرين، مثلما انهم يقومون بدور نواطير النفط والغاز . « ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن» … صار الأمير الخليجي يملي شروطه على السوريين : نحن من ضعف بنينا قوةً لم تلـِن للمارد الملتهبِ ـ كم لنا من ميسلون نفضت عن جناحيها غبارالتعب!.
أما إذا لم يكن الناس في بلادنا بالخيار غير العيش تحت استعمار أمراء الخليج، فإن النخبة أقدر من الأخيرين على إيجاد وطن بديل تتمكن به، حتى في بلاد أسيادهم، في أميركا وأوروبا، فتتحرر من الإرهاب بالوكالة وتواصل دورها ضد الإرهابيين بالوكالة والإرهابيين الأصيلين معا .
يحاول أمراء مجلس التعاون الخليجي قهر الشعوب بواسطة معطيات يزعمون أن أصلها في ما وراء التاريخ وما وراء الشأن المجتمعي، تتمثل بتأويل النص الديني الإسلامي بما يلائم سلطتهم (القرضاوي : «لو كان محمد حيا لوضع يده بيد أميركا» ) . هذا التحريف مرفوض أيضا من الناس . فيه الدليل القاطع على استيلاب وارتهان، هؤلاء الأمراء للمستعمرين والامبرياليين . من المحتمل أن مقاومتهم، وجها لوجه، مواجهة عنفهم صعبة وباهظة الثمن، فطاقاتهم العسكرية لا حدود لها .
ولكن ما يجهله أمراء مجلس التعاون الخليجي هو أن حاجة أسيادهم المستعمرين والامبرياليين لهم تقتصر على التجهيل والتهديم والتفريق، بقصد شلّ قدرات الناس على الإحتكام إلى العقل والأخلاق والمبادئ الإنسانية حتى يتوحّشوا فلا يقاومون من أجل الحرية والعدالة وتحرير الأرض واستقلال الأوطان . أما إذا تحقق ذلك إنتفت الحاجة للأمراء . لن يجد هؤلاء عندئذ من يدافع عنهم باسم العروبة والإسلام . إنهم يقطعون فرع الشجرة الذي يجلسون عليه . وحسنا يفعلون !.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2178451

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178451 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40