السبت 3 كانون الثاني (يناير) 2015

مساحات الموقف .....

السبت 3 كانون الثاني (يناير) 2015

- الأردن: حرب التحالف أوّلاً
عامر نعيم الياس

تتفاعل النقاشات والسجالات حول الدور الأردني في تحالف أوباما للحرب على «داعش» في سورية والعراق، بعد أسر التنظيم الإرهابي الطيار الأردني معاذ الكساسبة بعد إسقاط أو سقوط طائرته فوق مدينة الرقة السورية.

ويتحدث الخبراء في الشأن السياسي عن مأزق المملكة الداخلي بعد أسر الطيار، بسبب الانقسام في صفوف الرأي العام الأردني حول جدوى المشاركة الأردنية في الحرب التي يقودها أوباما، هذا من الناحية السياسية، والفرز الداخلي الخطير المتأثر بتداعيات تمدّد «داعش» على الحدود المحيطة بالمملكة الأردنية وذلك على أمن المملكة أولاً وعلى الرأي العام ثانياً، في ضوء التورط المباشر للاستخبارات الأردنية في الحرب على سورية والعراق والتي تقوم على أساس الفرز الطائفي. كلمة سرٍّ ترك للعاهل الأردني شرف نطقها عندما تحدث قبل سنوات عن «الهلال الشيعي»، فهل يتراجع دور الأردن في حرب أوباما أم يستمرّ على حاله؟

لا بدّ من الإشارة إلى أن العامل الأمني الداخلي، والانقسام في صفوف الشعب الأردني، والاستقطاب القائم بين مناصرين لـ«داعش» ومعادين له، كلّ ذلك يساهم في إعطاء دفعة للمملكة الهاشمية في الاستمرار في الحرب على الإرهاب، إذ تدرك المملكة أنه لا يمكن مواجهة هذا المدّ الجارف، والرهانات الأميركية الخاطئة والانتحارية في المنطقة إلا بالتحالف مع الأميركيين ذاتهم، مستندةً في ذلك إلى الأسس التي قام عليها حكم الأسرة الهاشمية للأرض الواقعة شرق نهر الأردن، ولعلّ خير دليل على جدوى الرهان على الأميركي وفعاليته أمنياً تتجلّى بما جرى مع الأكراد في شمال العراق ومع الأكراد السوريين في عين العرب، فالتحالف مع الأميركي وترسيخ نفوذه بما يبلور نقاطاً حمراء للإدارة الأميركية، أمر يساهم في اندفاع الأميركيين للجم أيّ عملية يتمّ بموجبها خرق خطوطهم الحمراء. إذ جرى رسم حدود لتحرّك «داعش» بما لا يهدّد المملكة السعودية، والمملكة الأردنية، والكيان الكردي، مع مراعاة تمدّد التنظيم في المناطق الأخرى التي من السهل السيطرة عليها أو احتواؤها مستقبلاً في سياق المغامرة الأميركية لفرض «دولة الخلافة» كأمر واقع جديد في المنطقة وخطر يستوجب التعامل معه على المدى الطويل، وربما التفاوض معه في سنوات لاحقة بما يضمن تغيير حدود المنطقة بشكل نهائي، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى، لا بدّ من القول إن الدور الأردني المباشر في الحرب على سورية والذي يظهر اليوم بأبهى صوره في القنيطرة وعلى الحدود مع محافظة درعا، لا يتوقف عند حدود ما يفرضه التحالف الأميركي من أدوار، بل يتجاوزه إلى طموح لدى النخبة السياسية الحاكمة في الأردن بوضع المملكة بشكل أكثر مباشرة تحت المظلة الأطلسية، في ظل حال الاستقطاب وصراع أجنحة المحور الواحد على استمالة الراعي الأميركي إلى خياراته، وفي ظل تقارب أميركي صار أقرب إلى التصالح والاعتراف بدور إيران في المنطقة، فضلاً عن الصراع الروسي ـ الأميركي على سورية الدولة، بحدود «سايكس ـ بيكو» وسورية الإقليم، فالمملكة التي ترى نفسها في طليعة نخب القيادات السلفية والتي صارت مدينة معان فيها بؤرة استقطاب وتنظير للعمل المتطرّف في المنطقة عموماً وسورية خصوصاً، تتجه نحو الاستفادة من توسع الأطلسي المفروض أميركياً. وهنا تندرج مشاركة الملك عبد الله الثاني في اجتماعات قمة الحلف في مدينة نيوبورت البريطانية في الرابع من أيلول الماضي، إذ يحاول الملك الاستفادة من المبادرة التي أطلقها الحلف لتعزيز القدرات الدفاعية العسكرية والأمنية للحلفاء غير الأعضاء في الحلف.

إن العلاقة العضوية التي تربط الملك ونخبته بالأميركيين ووسط الحرب الجديدة على الإرهاب «الداعشي» تتجاوز كل الخطوط الحمراء الداخلية والأخطار المحدقة بالمملكة من جرّاء تداعيات الوضع في سورية. وبالتالي، فإن أسر الكساسبة لن يغيّر في الدور الأردني شيئاً، إلا إذا كان المطلوب أميركياً إجراء التفافة في طريقة عمل التحالف الدولي تمهد لصوغ دور جديد له بأبعاد غير تلك السائدة حالياً.

* كاتب ومترجم سوري

- غداً مغامرة أخرى

حسام كنفاني

مراقبة مسار المشروع الفلسطيني في مجلس الأمن، والنهاية التعيسة التي وصل إليها، تثيران الكثير من الريبة، خصوصاً لجهة الاستعجال وإصرار الرئاسة الفلسطينية على طرح المشروع للتصويت، في فترة شهدت تقلبات في الأمزجة السياسية، وانسحاب بعض الأطراف الداعمين، والعودة إلى الصيغة الأساسية التي كانت مثار معارضة، حتى داخل المجموعة العربية في المنظمة الدولية. كل هذه الأمور تمت قبل ساعات قليلة من تقديم المشروع، ما كان يشير، بالضرورة، إلى أن أنه سينتهي إلى خيبة كبرى للدبلوماسية الفلسطينية. المثير للريبة أنه كان من المفترض أن يرى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وجهابذة التفاوض من حوله، المصير الذي ينتظر مشروع “إنهاء الاحتلال”، ومع ذلك، أصر على المضي فيه، حتى من دون تأمين الأصوات التسعة اللازمة، التي تحرج الولايات المتحدة وتدفعها إلى استعمال حق النقض ضد المشروع. وكأن الوصول إلى الفشل كان مقصوداً من القيادة الفلسطينية، التي للمرة الثانية، تلعب على وتر الأحلام الشعبية، لنيل التعاطف قبل أن تسقط هذه الأحلام على أرض الواقع، المعروف سلفاً.
هي مغامرة خاضها عبّاس لملء الفراغ السياسي في الأفق الفلسطيني. مغامرة لتقطيع الوقت، وبث بعض الحراك في المسار التفاوضي، تماماً كما كانت المحاولات السابقة، عبر الاعتراف بالدولة في مجلس الأمن، ثم الاعتراف بالعضوية غير الكاملة في الأمم المتحدة، والذي كان يخول السلطة الانضمام إلى معاهدات دولية كثيرة، لكن أبو مازن قرر، حينها، الاكتفاء بالاعتراف، وليكن غداً يوم آخر، أو مغامرة أخرى.
الآن، قرر عباس خوض المغامرة الجديدة. بعد نهاية مسرحية “إنهاء الاحتلال”، وتأمين التعاطف الشعبي باعتباره “المحارب دولياً في خياراته السياسية”، المرفوضة بالأساس شعبياً، قرر الخوض في مغامرة المعاهدات الدولية، وخصوصاً المحكمة الجنائية الدولية، التي كان يؤجل استعمالها منذ أكثر من عامين، لأسباب عدة كان يسوقها، منها أنه خائف على استخدام إسرائيل ورقة المحكمة لملاحقة أطراف فلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس. لا أحد يدري ما الذي تغير اليوم، وهل تبدد الخوف، أم أن الغاية تكون ضرب عصفورين بحجر واحد بالنسبة إلى أبو مازن.
بغض النظر عن الغايات الظاهرة والمبطنة في مسعى الرئاسة الفلسطينية، يبقى التوقيع على المعاهدات غير نهائي، باعتبار أنه لا يضمن الانضمام مباشرة إلى المؤسسات الدولية، وخصوصاً المحكمة الجنائية الدولية. فالأمر لا يزال بانتظار الموافقة على الطلب، الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة “بشدة”، بحسب تعبير البيت الأبيض. وقد لا تؤدي المعارضة الأميركية للطلب الفلسطيني إلى رفضه، لكن بالضرورة ستسهم في تأخير البت فيه إلى حين تغيير المعطيات الدولية، أو تقديم “جائزة ترضية” للرئيس الفلسطيني، تجعل قبول الطلب إجراء شكلياً، لا يقدم ولا يؤخر.
لكن، لنفترض أن الأمور سارت بسلاسة، كما يرغب معظم الفلسطينيين، وليس بالضرورة السلطة، وتم قبول الطلب الفلسطيني بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. ماذا تحضّر السلطة لليوم التالي، وهل لديها ملفات جاهزة لمحاكمة إسرائيل على الجرائم الكثيرة بحق الشعب الفلسطيني، القديمة والجديدة، أم أن الانضمام مجرد ورقة ضغط تستخدم ضد سلطات الاحتلال والإدارة الأميركية، وسيتم ركنها على الرف، فور نيل الغاية منها؟ أسئلة تنتظر قبول الطلب الفلسطيني لتظهر إجابتها، غير أنها، بالتأكيد، ستقود إلى مسار قانوني طويل بلا نهاية.
ما بين قبول الطلب أو تأجيل اعتماده، تبقى عملية ملء الفراغ بالنسبة إلى أبو مازن الأساس، وربما يخرج من جعبته مزيداً من الخيارات، وتسويقها شعبياً أنها الحلول الناجعة للمعاناة الفلسطينية لمواجهة “المؤامرة الدولية”. اليوم، هناك ورقة المحكمة الجنائية الدولية، وغداً ربما ورقة أخرى. لكن، لا شيء مضمونٌ حتى النهاية.

- عن انضمام فلسطين للمعاهدات والمنظمات الدولية

أثار توقيع رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، محمود عباس، على طلبات الانضمام إلى منظمات واتفاقيات ومعاهدات ووثائق دولية عديدة، لا سيما “ميثاق روما” المؤسس للمحكمة الجنائية، بعد فشل التصويت في مجلس الأمن على مسودة قرار إنهاء الاحتلال، ردود فعل إسرائيلية وأميركية غاضبة. وعلى المقلب الفلسطيني، لم تخلُ التقييمات السياسية للخطوة من تباين كبير في النظر إليها، مع بروز خشية على نطاق واسع من أن تكون أهدافها محصورة في إطار توظيف تكتيكي، لتحقيق مكاسب محدودة في الصيغة التفاوضية مع حكومة نتنياهو، برعاية أميركية، بعد أن وصلت إلى طريق مسدود في مارس/ آذار الماضي.
ولتقييم الخطوة، حريّ بنا أن نعيد إلى الذاكرة أن أولى الاقتراحات لخطوات من هذا القبيل وضعت على نطاق البحث في مايو/ أيار 1999، تزامناً مع انتهاء المرحلة الانتقالية، حسب جدولة اتفاقية “غزة أريحا ـ أولاً”، من دون الدخول في مفاوضات الحل النهائي، جراء تعنت الجانب الإسرائيلي بتواطؤ أميركي، بإصراره على إعادة التفاوض على قضايا تم التفاوض عليها وتوقيع اتفاقيات بشأنها، ومطالبته بأن لا تكون هناك مرجعية للمفاوضات سوى المفاوضات نفسها، وإخراج ملف القدس الشرقية من إطار التفاوض، ومواصلة إجراءات تهويدها، وإسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقاً للقرار الدولي 194، ورفض وقف الاستيطان أو تفكيك المستوطنات القائمة في عمق الضفة الفلسطينية، وحرف مسار المفاوضات تحت سيف المطالب التوسعية الإسرائيلية، بزعم تلبية (المصالح الأمنية الإسرائيلية)، واشتراط اعتراف الجانب الفلسطيني بما يسمى (الطابع اليهودي لدولة إسرائيل). فضلاً عن عشرات المطالب الفرعية التي كانت تطرحها الحكومات الإسرائيلية على طاولة المفاوضات، في كل جولة تفاوضية جديدة، لإغراقها في الجزئيات وإثقالها. ومن الاقتراحات التي جاءت في سياق بلورة رؤية استراتيجية فلسطينية متكاملة حينها، رداً على تنكر إسرائيل لالتزاماتها في اتفاقيات أوسلو وانتهاء المرحلة الانتقالية وتمديدها من دون جدوى، إعلان منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية عن قرار يقضي ببسط السيادة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، المحتلة عام 1967، والشروع في إجراءات رفع مستوى تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة، والانضمام إلى المنظمات الدولية المختصة، والتوقيع على المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية. وبما يفرض، ضمناً، إعادة ملف التسوية السياسية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلى عهدة الأمم المتحدة، وكسر الاستفراد الأميركي بالعملية التفاوضية، الموظف في صالح السياسات التوسعية الإسرائيلية، ومنع إدانة ممارسات الاحتلال.
للأسف، لم تلق تلك الاقتراحات آذاناً صاغية لدى قيادة السلطة الفلسطينية في ذلك الوقت، لأن فريق السلطة كان لا يزال يراهن على وهم إمكانية تحسين شروط المفاوضات من داخلها، على الرغم من التجارب المحبطة التي مرت بها في المرحلة الانتقالية، وبقيت المراهنات العقيمة قائمة، حتى بعد أن وصلت العملية التفاوضية إلى طريق مسدود في مفاوضات “كامب ديفيد 2”، يوليو/ تموز عام 2000، وتكرار الفشل في المفاوضات التي رعتها “اللجنة الرباعية الدولية” على أساس “خطة خريطة الطريق الدولية”، وفي “مفاوضات أنابوليس”، خريف عام 2007، ومن ثم مفاوضات “اتفاق رف” التي انبثقت عنها، والمفاوضات “الاستكشافية” في العاصمة الأردنية بداية عام 2012، وأخيراً وليس آخراً، مفاوضات “اتفاقية الإطار” التي اقترحها وعمل عليها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري.
ويرجع موقف قيادة السلطة السلبي من إعلان بسط السيادة الفلسطينية إلى أنها لم تكن مع خيار بناء استراتيجية وطنية جديدة ومتكاملة، في مواجهة الصلف والتلاعب الإسرائيلي والتواطؤ الأميركي، وهو ما انعكس، في جانب رئيس منه، على المتوالية الطويلة من حوارات المصالحة الوطنية الفلسطينية التي انتهت بالفشل، على الرغم من توقيع اتفاقيات المصالحة والمبادرات الوطنية العديدة، لإنهاء الانقسام السياسي والكياني الفلسطيني الذي تشكل حركتا “فتح” و“حماس” رأسي الحربة فيه.
وفي سياق متصل، لم يتغيّر أداء رئاسة منظمة التحرير على الصعيد التفاوضي، بعد قبول “دولة فلسطين” في المنظمة الدولية بصفة دولة غير عضو، حيث واصل الفريق التفاوضي أداءه الضعيف، كما لوحظ في صيغة مسودة قرار إنهاء الاحتلال، ورضخت قيادة المنظمة، غير مرة، للضغوط الأميركية والإسرائيلية، للاستمرار في المفاوضات من دون انتظار نتائج إيجابية.
وللتذكير، إن المكانة التي أعطيت لـ“دولة فلسطين” في الأمم المتحدة، بقبولها “دولة غير عضو” في المنظمة، مكانة شبيهه بمكانة الفاتيكان، وهي خطوة رمزية لن تغيّر كثيراً من المكانة القانونية للتمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة، حيث تتمتع “دولة فلسطين” بصفة مراقب منذ عام 1988، مع فارق أن “دولة فلسطين” أصبح في وسعها الانضمام إلى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، ورفع التماسات للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. بالإضافة إلى امتيازات تترتب على باقي الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والالتزامات التي تفرضها.
لكن الطريقة التي تعاملت من خلالها الرئاسة الفلسطينية مع مفاعيل قبول “دولة فلسطين” في الأمم المتحدة، بمكانة “دولة غير عضو”، لا تزكّي أن تتعامل بطريقة مثلى مع مفاعيل التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، لأن ذلك يرتبط بقرار مغادرة وهم المراهنة على المفاوضات، بصيغتها ومرجعيتها ورعايتها الراهنة، والانفتاح على خيارات وطنية بديلة في مواجهة الاحتلال، ضمن استراتيجية موحدة ومتكاملة، منصتها مصالحة وطنية ناجزة، والقطع مع السياسات التفاوضية التي ثبت أنها أضرت بالقضية الوطنية الفلسطينية، ومكّنت الحكومات الإسرائيلية من مواصلة الاستيطان، لفرض حلول توسعية بحكم الأمر الواقع.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ماذا بعد أن وقَّع الرئيس عباس على دستة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؟
من دون التسرّع في إعطاء إجابة متوقعة، وفقاً لتجارب سابقة في كيفية تعاطي السلطة مع قضايا مثل قرار محكمة العدل الدولية الذي دان، في يوليو/ تموز 2004، بناء إسرائيل جدران الضم والفصل العنصرية، وطالب الحكومة الإسرائيلية بإزالتها، وكذلك إهمال تقرير غولدستون حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2008-2009، وتعهد الرئيس عباس، أكثر من مرة، بامتناع القيادة الفلسطينية عن الادعاء ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي... إلخ.
وتبقى المفاعيل السياسية القانونية للتوقيع على خمس عشرة معاهدة واتفاقية دولية مفتوحة على احتمالات متناقضة من الصعب التنبؤ بمآلها. مع ملاحظة حقيقة أكدتها التجارب على امتداد الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، هي أن القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية لم يكن لها أي دور فاعل في وضع حدٍّ للاحتلال والعدوان والاستيطان الإسرائيلي، لأن “قانون القوة العارية” المستخدم من إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، ما زال قادراً على تعطيل كل المبادرات والجهود والقوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وتجاوزها، مثلما عطلها وتجاوزها سابقاً في ما يخص ملفات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
ولن تتغيّر المعادلة السياسية والتفاوضية إلا بتحويل احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة في 1967 إلى احتلال مكلف وخاسر، بتصعيد كل أشكال المقاومة ضده، لإحداث ميزان قوى يستطيع الفلسطينيون من خلاله إعلان بسط سيادتهم على هذه الأراضي. وهنا، يمكن أن يكون الانضمام إلى المنظمات والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية أرضية لعزل إسرائيل وممارسة ضغوط مكثفة عليها، في حال وجود استراتيجية فلسطينية جديدة ومتكاملة وموحّدة.

- لا تنتظروا تغييرا جوهريا

برهوم جرايسي

بعد 74 يوما، ستصدر النتائج شبه النهائية للانتخابات الإسرائيلية. وبخلاف جولتي الانتخابات السابقتين، فإن اليمين المتشدد لا يضمن حتى الآن الأغلبية المطلقة التي تبقيه على رأس الهرم الحاكم. إلا أن ملامح المرحلة المقبلة بالإمكان رسمها من خلال الشخصيات الأبرز التي ستكون في مقدمة الأحزاب المرشحة للحكم. ووفق كل السيناريوهات المفترضة، لا يمكن رؤية تغيير جوهري في السياسة الإسرائيلية تجاه حل الصراع.
وحينما نتحدث عن الجوهر، فإن القصد هو تغيير كلي في السياسة الإسرائيلية، والاتجاه نحو الحل، وليس لقاءات مجاملة وابتسامات عريضة، وقرقعة أحاديث عن السلام، بل بالفعل حل ينهي الصراع، بالدولة المستقلة وكل الملفات الجوهرية.
ففي الأسبوع المنتهي، انتخب حزب الليكود لائحة مرشحيه للانتخابات المقبلة. وكانت هناك ضجة إعلامية كبرى، حول عدم نجاح النائب الأكثر تطرفا في الحزب، والذي يقود التيار الاستيطاني فيه، موشيه فيغلين. لكن في المقابل، فإن الوجوه التي وصلت إلى مقدمة اللائحة هي أيضا من ذات التيار، ولا يوجد حتى مرشح واحد بالإمكان وضعه في خانة ما يسمى “اليمين المعتدل”. وسقوط فيغلين، كان نتيجة اصطفافات جديدة في داخل التيار الأشد تطرفا.
وفي كل حديث عن الليكود، يجب ذكر أن التطرف والموقف الرفضي للحزب، يبدأ من شخص بنيامين نتنياهو، الذي حقق في الانتخابات الداخلية فوزا مزدوجا؛ رئاسة الحزب للمرة الرابعة، من بينها ثلاث على التوالي بنسبة
75 %، وغياب الشخصية المركزية التي بالإمكان أن تشكل تحديا جديا له في قيادة الحزب في المستقبل المنظور.
لكن حتى إن لم ينجح نتنياهو في الوصول إلى رئاسة الوزراء، فإن المرشحين لخلافته من الأحزاب الأخرى، وبالذات حزب العمل، لا يحملون في جعبتهم هذا التغيير الجوهري الذي نقصده. وإن رأى البعض أن التوجهات في الحزب، بقيادته الحالية، هي “الأفضل” نسبيا، إلا أن هذا الحزب بطبيعة الحال، لا يستطيع تشكيل حكومة بمفرده، ولا حتى مع الدائرة الأقرب له سياسيا، بل سيكون بحاجة إلى كتل برلمانية أخرى. وإذا ما نظرنا إلى الكتل والأحزاب المرشحة للانضمام إلى حكومة بقيادة “العمل”، فهي في أفضل الأحوال، تعد ما يسمى “يمينا معتدلا”، والذي سقط في امتحان الحكومة المنحلة، إذ انساق كليا لسياسة اليمين الأشد تطرفا؛ اليمين الاستيطاني.
من بين هذه الأحزاب، الحزب المتبلور حديثا “كولانو” (كلنا) الذي أسسه الوزير السابق موشيه كحلون، “المنشق” عن “الليكود”. ولم يكن خروجه من الحزب قبل عامين لأسباب سياسية، بل على الأغلب لقضايا شخصية، جرى تغليفها بمواقف من السياسة الاقتصادية، لكنه في الجوهر متمسك بسياسة اليمين. كما أن الأسماء المرشحة للانضمام له، من جنرالات الجيش والمخابرات، يحوم أصحابها أصلا في دائرة اليمين.
أما حزب “يوجد مستقبل”، برئاسة وزير المالية المُقال يائير لبيد، فأجندته ليست سياسية بالمطلق، بل اقتصادية. وقد أثبت أنه مستعد لدعم سياسة اليمين الأشد تطرفا، وزيادة ميزانيات الاستيطان، مقابل تطبيق أجندته الاقتصادية الصقرية. وها هو في الأيام الأخيرة، يفتح ملف الفساد في الحكم، ويحظى بعناوين براقة في وسائل الإعلام. وكما يظهر، فإنه سيخوض الانتخابات من خلال هذا الملف، مستغلا فضائح الفساد التي تعصف بحزب “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان.
في تقييم مرحلي للوضع القائم، هناك مؤشرات واضحة على أن اليمين الأشد تطرفا يسعى إلى إعادة ترتيب الأوراق من جديد داخل معسكره، وضمان أن تكون الكتلة البرلمانية الأكبر من داخله، ليكون زعيمها هو المرشح الأول لتشكيل الحكومة المقبلة، أي نتنياهو. ومن مؤشرات هذا، “الكشف” عن فضائح الفساد المرتبطة بحزب ليبرمان. فهذه الشبكة التي تضم العشرات، مع كثرة المؤسسات والوزارات المتورطة، تعزز الاستنتاج بأن هذا فساد كان طيلة الوقت بارزا للعيان. لكن هناك من رأى أنه لا يمكن ضمان الكتلة الأكبر في معسكر فيه ثلاثة رؤوس؛ “الليكود” بزعامة نتنياهو، وحزب المستوطنين “البيت اليهودي” بزعامة نفتالي بينيت، و“إسرائيل بيتنا” بزعامة ليبرمان، لذا، فإن ضرب الحزب الأخير، سيعزز قوة الحزبين الآخرين، كما أظهرت استطلاعات الرأي حتى الآن.
لا أحد يستطيع معرفة مصير حزب ليبرمان في الأسابيع المقبلة، فالمناورة لضربه ما تزال في بداياتها. لكن الاستنتاج الواضح منذ الآن، هو أن ضعف ليبرمان أو زواله عن الحلبة السياسية، لن يُضعف اليمين، بل سيعزز الأطراف الأخرى في ذات المعسكر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 3 / 2178497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40