الجمعة 16 كانون الثاني (يناير) 2015

ما لم يرد في صرخة دوفلبان!

الجمعة 16 كانون الثاني (يناير) 2015 par طلعت رميح

جسد رئيس الوزراء الفرنسي السابق، دومينيك دوفلبان، صوت العقل والإدراك بحقيقة مصالح القارة الأوروبية والمخاطر التي تتهددها داخليا وإقليميا ودوليا، حين حمل السياسة الرسمية الغربية- التي وصفها بالغطرسة والتقلب-مسؤولية ما يجري في الدول العربية والإسلامية المشتعلة بالعنف والدمار حاليا. وكان لافتا وصف المسؤول الفرنسي السابق –وهو من رفع الفيتو في وجه أمريكا خلال غزو العراق- قرار الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، تشكيل تحالف دولي لمحاربة “داعش” بـ“الخطير والسخيف”، كما بدا الرجل حكيما إذ أشار إلى أن هذا القرار سيضاعف ما وصفه بالبؤر الإرهابية، وحين طالب أوروبا والولايات المتحدة بالتعلم من تجربة الحرب (العدوان)على أفغانستان والعراق.
ولم يكتف دوفلبان بالضغط على مسؤولية الحروب العدوانية الغربية –الاعتداءات المباشرة-بل هو شدد على خطر خطط ما بعد العدوان حين تناول دعم الغرب (الديمقراطي) للحكومات الطائفية، مشيراً إلى ما قدم من دعم غربي لحكم المالكي في العراق.
لقد جاءت كلمات الرجل وكأنها لحظة استعادة العقل في أوروبا، كما بدت وكأنها صرخة ما قبل الغرق، إذ تحدث بلغة الرفض القاطع لإشعال أي حرب جديدة محذرا من أن المنطقة تعاني الإرهاب وتشهد “أزمات هوية”، بما يجعل شن حروب عدوانية جديدة بمثابة “صب للزيت على النار”، بل هو اعتبر أن خوض حروب جديدة بمثابة تقديم خدمات لما وصفه بالجماعات الإرهابية من حيث لا تتوقع، إذ قال: “نحن بهذه الحرب نخوض مخاطرة توحيد العديد من الجماعات الإرهابية ضدنا ونقدم لهم خدمات لم يكونوا يتوقعوها”. وفي سياق انتقاده للسياسات الغربية القائمة على شن حروب جديدة، قال دوفلبان: "كل حرب سنخوضها –وقد أشار إلى حرب قادمة ضد ليبيا -علينا أن نخوض أخرى لمعالجة عجزنا وعدم كفاءتنا في الرد على التهديدات الإرهابية..إلخ.
هذا التقييم للسياسات الغربية بالغ الأهمية وهو يمثل رؤية مدققة للأخطاء والهاوية الإستراتيجية التي تقود الولايات المتحدة أوروبا للوقوع فيها بهدف إضعافها داخليا وخارجيا.
فبعيدا عن أن كلام الرجل ينصف الرؤية العربية والإسلامية التي حملت الولايات المتحدة وأوروبا، مسؤولية ما وصلت إليه دول المنطقة، وذاك العداء المتصاعد من العرب والمسلمين ورد الفعل العكسي والمضاد، فكلمات الرجل تتطلب طرح مخاطر الارتدادات المحتومة لتلك الحروب العدوانية على المجتمعات الأوروبية “الأصلية” ذاتها من داخلها هي لا من قبل المهاجرين، إذ خوض الغرب لتلك الحروب العدائية على أرض العرب والمسلمين جاء مقرونا ومرتبطا بدوران عجلة الحملات الإعلامية والسياسية المبرمجة في داخل أوروبا لكسب دعم الرأي العام ومساندته، وهو ما أسهم في تصاعد المد العنصري والنازي داخل المجتمعات الغربية “الأصلية” ضد العرب والمسلمين في داخل أوروبا على خلفية العداء لمجتمعاتهم الأصلية.
هذا التغيير بات يهدد أوروبا ذاتها بالاندفاع نحو حالة وخطر الانقسام والاحتراب الداخلي بين نخبها القديمة والنخب النازية والفاشية المتوحشة من جهة –وقد بات مهددا حقيقيا -وبين الأوروبيين عموما والمهاجرين من جهة أخرى (وفي أوروبا نحو 45 مليون مسلم).
ولذا يبدو كلام دوفلبان بحاجة إلى استكمال، وإلى رؤية في اتجاه آخر من التفكير. كلام دوفلبان يتطلب طرح تساؤلات إستراتيجية عميقة، حول من يقف خلف ما يجري وما إذا كان مستهدفا إثارة التفكيك والاضطراب دول أوروبا وفي معالم قوتها على الخريطة الدولية –وهي الآن في اشتباك مع روسيا أيضاً عبر أوكرانيا-أو أن هناك من دخل على خط الأحداث وتداعياتها،لإنتاج وتفعيل آليات لتفكيك للمجتمعات الأوروبية ذاتها.هذا المعنى يبدو واضحا إدراكه من قبل النخب الألمانية، إذ شاركت المستشارة الألمانية والرئيس ونخبة من الوزراء في مظاهرة للمسلمين تحت عنوان توحيد المجتمع. ميركل وكثير من النخب الأوروبية باتوا في وضع الإدراك بأن هناك من يسعى لركوب موجة العداء للمسلمين والإسلاميين بهدف إدخال أوروبا في وضع إرباك داخلي شامل، عبر الدفع بالمسلمين نحو ردود فعل دموية –تحت ضغط القهر والإذلال- وتغذية التطرف لدى التيارات العنصرية والفاشية والنازية من جهة أخرى، وتلك دورة جهنمية لا تقل خطرا عن الحروب الأهلية أو الطائفية المصممة أمريكيا للمنطقة العربية –الإسلامية.
وهنا تأتي أهمية وصف دوفلبان للدور الأمريكي بالخطير والسخيف،غير أن الأمر بحاجة إلى وضوح وشمول، إذ إستراتيجية الولايات المتحدة لا تقوم على حرب خصومها بل أيضاً على إضعاف حلفائها أيضا، وحين تشعل أمريكا الشرق الأوسط، فأول من سيكون في المواجهة وتحت الضغط هو أوروبا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178869

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع طلعت رميح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

29 من الزوار الآن

2178869 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40